من التاريخ

الزيديـّة (2)


ثورة زيد بن عليّ كانت امتداداً لثورة الحسين عليه السلام ‏
إنّ نهضة الحسين بن عليّ عليه السلام منذ قيامها صارت أُسوة وقدوة للمستضعفين، وقد لمس الثائرون مبدئيّة هذه النهضة وأنّها قامت منذ البداية على مبادئ إلهيّة.
وقد أثارت وعي الأُمّة حتّى تتابعت ثورات عديدة ضدّ النظام الأُمويّ، نُشير إلى أهمّها:
1- ثورة أهل المدينة وإخراج عامل يزيد منها.
2- ثورة عبد الله بن الزبير.
3- ثورة التوّابين في الكوفة بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي، وكانت له صحبة مع النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم.
4- ثورة المختار بن أبي عبيدة الثقفي الّتي أثلجت قلوب بني هاشم.
5-ثورة عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث.
هذه الثورات الخمس كانت مستلهمة من ثورة الحسين بوجه إلى أنْ وصلت النوبة إلى زيد.
6-ثورة زيد الشهيد الّتي أنارت الطريق للثائرين الّذين أنهضهم زيد بثورته للقضاء على النظام الأُمويّ في مدّة لا تتجاوز عشر سنين.


الثائرون بعد زيد
إنّ ثورة زيد بن عليّ كانت ثورة عارمة بوجه الظالمين هزّت وضعضعت أركان الدولة الأُمويّة، ولإيقاف القارئ على الأحداث الّتي أعقبت ثورته، نذكر أسماء الّذين نهجوا منهجه وساروا على دربه، وأخذوا بزمام الثورة وقادوها، وهم:
1-يحيى بن زيد، الّذي شارك مع أبيه في الثورة وبقي بعد مقتل أبيه.
2-محمّد بن عبد الله بن الحسن المعروف بالنفس الزكيّة الّذي استشهد عام 145هـ.
3-إبراهيم بن عبد الله الّذي استشهد في البصرة في العام الّذي استشهد فيه أخوه محمّد.
4-إدريس بن عبد الله حيث ذهب إلى المغرب بعد قتل محمّد بن عبد الله، فأجابه خلق من الناس.
5-إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن مؤسّس دولة الأدارسة في المغرب.
6-عيسى بن زيد بن عليّ أخو يحيى بن زيد، وقد توارى بعد ثورة أخيه، فمات متوارياً عام 166هـ.
7-محمّد بن إبراهيم الطباطبا، فقد خرج في خلافة المأمون ودعا إلى الرضى من آل محمّد، توفّي عام 199هـ.
8-محمّد بن محمّد بن زيد بن عليّ، وكان أبو السرايا قائداً عامّاً لجيشه، وكان قبل ذلك داعية لابن طباطبا.
9-محمّد بن القاسم بن عليّ بن عمر الأشرف بن عليّ ‏بن الحسين، فقد ظهر في طالقان عام 219هـ ودعا إلى الرضا من آل محمّد.
10-يحيى بن عمر بن الحسين بن زيد، خرج بالكوفة عام 250هـ.
11-يحيى بن الحسين بن القاسم المعروف طباطبا وقد دعا إلى نفسه بصعدة وبويع للإمامة، ثُمّ إنّ الإمام يحيى بن الحسين أسّس دولة زيديّة باليمن وقام بأعباء الإمامة، ومن بعده أولاده إلى أنْ أُقصيت الزيديّة عن الحكم في اليمن بحلول الجمهوريّة، وذلك في شهر ربيع الأوّل من سنة 1382هـ.
وكما قامت للزيديّة دولة في المغرب واليمن، كذلك قامت دولة زيديّة في طبرستان بين الأعوام (250- 360هـ).
حيث ظهر الحسن بن زيد بن محمّد بن إسماعيل بن زيد بن الحسين عليه السلام في طبرستان أيّام المستعين بالله وتمكّن من بسط نفوذه على طبرستان وجرجان، وقام بعده أخوه محمّد بن زيد ودخل بلاد الديلم عام 277هـ، ثُمّ ملك طبرستان بعد ذلك الناصر للحقّ الحسن بن عليّ المعروف بالأطروش، وجاء بعده الحسن بن القاسم، وبعده محمّد بن الحسن بن القاسم المتوفّى‏ 360هـ.
هذه إلمامة موجزة عن ثوّارهم ودولهم.


عقائد الزيديّة
لم يكن زيد الشهيد صاحب نهج كلاميّ ولا فقهيّ، وأمّا قوله بالعدل والتوحيد ومكافحة الجبر والتشبيه، فلأجل أنّه ورثهما عن آبائه عليهم السلام ، وإنْ كان يُفتي في مورد أو موارد فكان يصدر عن الحديث الّذي يرويه عن آبائه.
نعم، جاء بعد زيد مفكّرون، وهم بين دعاة للمذهب، أو بناة للدولة في اليمن وطبرستان، فساهموا في إرساء مذهب باسم المذهب الزيديّ، متوافقين غالباً في الأُصول والعقائد مع المعتزلة، وفي الفقه وكيفيّة الاستنباط مع الحنفية، ولكنّ الصلة بين ما كان عليه زيد الشهيد في الأُصول والفروع وما أرساه‏ هؤلاء في مجالي العقيدة والشريعة منقطعة إلّا في القليل منهما.
إنّ المذهب الزيدي مذهب ممزوج ومنتزع من مذاهب مختلفة في مجالي العقيدة والشريعة ساقتهم إلى ذلك الظروف السائدة عليهم وصار مطبوعاً بطابع مذهب زيد، وإنْ لم يكن له صلة بزيد إلّا في القسم القليل.
ومن ثُمّ التقت الزيديّة في العدل والتوحيد مع شيعة أهل البيت جميعاً، إذ شعارهم في جميع الظروف والأدوار رفض الجبر والتشبيه والجميع في التديّن بذينك الأصلين عيال على الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام كما أنّهم التقوا في الأُصول الثلاثة: 1- الوعد والوعيد. 2- المنزلة بين المنزلتين. 3- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. - مع المعتزلة حيث أدخلوا هذه الأُصول في مذهبهم ورتّبوا عليه:
أ- خلود مرتكب الكبيرة في النار إذا مات بلا توبة، وحرمانه من الشفاعة، لأنّها للعدول دون الفسّاق.
ب- الشفاعة بمعنى ترفيع الدرجة لا الحطّ من الذنوب.
ج- الفاسق في منزلة بين المنزلتين، فهو عندهم لا مؤمن ولا كافر بل فاسق.

فاستنتجوا الأمرين الأوّلين من الأصل الأوّل، والثالث من الأصل الثاني. وأمّا الأصل الثالث فهو ليس من خصائص الاعتزال ولا الزيديّة، بل يُشاركهم فيه الإماميّة. هذه عقائدهم في الأُصول.
وأمّا الفروع فقد التفّت الزيديّة حول القياس والاستحسان والإجماع، وجعلوا الثالث أي الإجماع بما هو هو حجّة، كما قالوا بحجيّة قول الصحابيّ وفعله، وبذلك صاروا أكثر فرق الشيعة توافقاً مع أهل السنّة.
ولكنّ العلامة الفارقة والنقطة الشاخصة الّتي تُميّز هذا المذهب عمّا سواه من المذاهب، ويسوقهم إلى الالتقاء مع الإماميّة والإسماعيليّة هو القول بإمامة عليّ والحسنين عليهم السلام بالنصّ الجليّ أو الخفيّ عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم والقول بأنّ تقدّم غيرهم عليهم كان خطأ وباطلًا.


وها نحن نأتي برؤوس عقائدهم الّتي يلتقون في بعضها مع المعتزلة والإماميّة:
11- خطأ المتقدّمين على الإمام عليّ عليه السلام في الخلافة قطعيّ.
12- خطأ طلحة والزبير وعائشة قطعيّ.
13- توبة الناكثين صحيحة.
15- معاوية بن أبي سفيان فاسق لبغيه ولم تثبت توبته.
هذه رؤوس عقائد الزيديّة استخرجناها من كتاب القلائد في تصحيح الاعتقاد المطبوع في مقدّمة البحر الزخّار.


فرق الزيديّة
ذكر مؤرّخو العقائد للزيديّة فرقاً وهم بين مقتصر على الثلاثة، وإلى مفيض إلى ستة، وإلى ثمانية منها: الجاروديّة والسليمانيّة والبتريّة والنعيميّة، إلى غير ذلك من الفرق، وبما أنّ هذه الفرق كلّها قد بادت وذهبت أدراج الريح مع بقاء الزيديّة في اليمن، ولا يوجد اليوم في اليمن بين الزيديّة من المفاهيم الكلاميّة المنسوبة إلى الفرق كالجاروديّة أو السليمانيّة أو البتريّة أو الصالحيّة إلّا مفهوم واحد، وهو المفهوم العام الّذي تعرّفت عليه، وهو القول بإمامة زيد والخروج‏ على الظلمة واستحقاق الإمامة بالطلب والفضل لا بالوراثة مع القول بتفضيل عليّ عليه السلام وأولويّته بالإمامة وقصرها من بعده في السبطين الحسن والحسين .
وأمّا أسماء تلك الفِرَق والعقائد المنسوبة إليهم فلا توجد اليوم إلّا في بطون الكتب والمؤلّفات في الفِرَق الإسلاميّة كالملل والنِّحل ونحوها، فإذا كان الحال في اليمن كما ذُكر، فالبحث عن هذه الفِرَق من ناحية إيجابيّاتها وسلبيّاتها ليس مهمّاً بعد ما أبادهم الدهر، وإنّما اللازم دراسة المفهوم الجامع بين فرقهم.


الخلاصة
تُنسب الزيديّة إلى زيد بن الإمام زين العابدين بن الحسين إلّا أنّه لم يدع إلى إمامة نفسه، بل اعترف بإمامة ابن أخيه الإمام جعفر الصادق عليه السلام .
قام زيدٌ بثورة كانت امتداداً لثورة جدِّه الحسين عليه السلام وقد ترحّم عليه الإمام الصادق عليه السلام .
لم يكن زيد صاحب نهج كلاميّ ولا فقهيّ، نعم جاء بعده مفكِّرون ساهموا في إرساء مذهب باسم المذهب الزيديّ.
عقائدهم قريبة من المعتزلة، وفقههم قريب من الحنفيّة، ويلتقون ببعض عقائدهم مع الإماميّة.

*جمعية المعارف الإسلامية

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد