من التاريخ

وادي بدر، موقعه وتاريخه وشهوده على التوحيد (2)



استقرار المشركين في بدر

العدوة القصوى .. محل استقرار المشركين
وصل جيش قريش إلى بدر، وكُلّف عمير بن وهب الجمحي بدراسة وضع جيش المسلمين، فجاء بالخبر اليقين مؤكّداً أنّ عددهم قليل ولكنّهم قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلّا سيوفهم، فلا يُقتل منهم رجل قبل أن يَقتل رجلاً من قريش، فهم على أتمّ الاستعداد للحرب والقتال. ويذكر الواقدي أنّ الرسول صلّى الله عليه وآله، بعد نزول المشركين في بدر أرسل رسالة لهم وحذّرهم من القتال، وأعلن عدم ميله للحرب معهم.

* ذكر القرآن لمحلّ استقرار الجيشين
لقد وصف القرآن الكريم محل استقرار المسلمين والمشركين بدقة حيث يقول تعالى في الآية 42 من سورة (الأنفال): ﴿إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَىٰ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَٰكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.

وقائع الغزوة
* اصطفاف الجيشَين وبداية المعركة
باقتراح من سعد بن معاذ بُني لرسول الله صلّى الله عليه وآله عريشٌ في منطقة مشرفة على مكان المعركة، وفي صباح يوم الغزوة عدّل صلّى الله عليه وآله، صفوف أصحابه. وبعد اصطفاف الجيشين، كانت الشمس خلف جيش الإسلام وفي وجه جيش قريش، فدفع رسول الله راية القيادة المسماة بـ«العقاب» إلى عليٍّ عليه السلام.
ومن أجل تحريك المشاعر قبل بداية المعركة، أمر أبو جهل عامرَ الحضرمي بأن يحلق رأسه ويلطّخه بالتراب مطالباً بدم أخيه. لذا يُقال بأنّ عامراً كان أوّل مَن هجم على معسكر المسلمين، ومن جهةٍ أخرى، كان أبو جهل يوبّخ عتبة، وأجبره أن يبدأ بالمبارزة في حرب كان يحاول إطفاء نارها، وهكذا بارز هو وولده الوليد إضافة إلى شيبة وبدؤوا الحرب.
فأخرج لهم الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله، حمزة، والإمام عليّاً عليه السلام، وعبيدة بن الحارث لساحة القتال، فقتل حمزةُ شيبة، وقتل عليٌّ عليه السلام الوليد، ولكن عبيدة لم يتمكّن من هزيمة عتبة فكرّ حمزة وعليّ عليه السلام عليه وقتلاه.

* مصير المعركة
بعد مقتل عتبة وشيبة والوليد من قريش، اشتدّت نيران الحرب ولكن بالإمدادات الإلهية واستقامة المسلمين، فغُلب المشركون. ويُذكر بأنّ الرسول صلّى الله عليه وآله، أخذ قبضةً من الحصى والتراب أثناء المعركة، ورمى بها على قريش، وقال: «شاهتِ الوُجوه، اللّهمّ أَرعِب قلوبَهم وزَلزِلْ أقدامَهُم»، ثمّ قال لأصحابه: «شدّوا»، وسبّبَ هذا العملُ هزيمة المشركين وفرارهم، حيث تركت قريش عدّتها في أرض المعركة ولاذت بالفرار، وانتشر خبر هزيمة جيشها حتى وصل إلى أهل مكّة.
وهكذا انتهت معركة بدر الكبرى باستشهاد 14 شخصاً من المسلمين (6 شهداء من المهاجرين و8 من الأنصار)، ومصرع 70 شخصاً من المشركين، إضافةً إلى أسر 70 آخرين منهم. ويُذكر أنّ نصف قتلى قريش قُتلوا على يد الإمام عليّ عليه السلام. هذا وتفرّق عدد كبير من المشركين في الصحاري والوديان، بانتظار الليل ليهربوا من قبضة المسلمين.
وأمّا أبو جهل الذي كان قائد جيش قريش، فقد لحق به المسلمون وأصابوه بجروح قاتلة، وضرب ابن مسعود عنقه فقتله، ففرح رسول الله صلّى الله عليه وآله، من مقتل أبي جهل، وقال: «إنّ اللهَ قتلَ فرعونَ هذه الأمّة أبا جهل، فالحمدُ لله الذي صدَقَ وَعدَه ونَصر عبدَه، اللّهمّ قد أَنجزتَ ما وَعدتَني فتَمِّم عليَّ نعمتَك».
لم تستمرّ غزوة بدر سوى بضع ساعات، ولكنّها تُعدّ إحدى أهم حوادث صدر الإسلام، حيث قال الرسول صلّى الله عليه وآله فيها: «ما أُريَ الشيطانُ يوماً هو فيه أصغرَ ولا أدحَرَ ولا أحقرَ ولا أغيَظَ منه في يوم عرفة.... إلّا ما أُري يومَ بدرٍ».

أحداث بعد المعركة
بأمرٍ من رسول الله صلّى الله عليه وآله، جُمعت الأموال والغنائم في مكانٍ واحد، وبعد دفن الشهداء من المسلمين، رُميت أجساد المشركين في القليب [البئر]، وخاطبهم الرسول صلّى الله عليه وآله قائلاً: «هل وَجدتُم ما وَعدَكُم ربُّكم حقّاً؟ فإنّي وجدتُ ما وَعدني ربِّي حقّاً». وعندما قيل له: كيف تخاطب الأموات؟ قال صلّى الله عليه وآله: «لقد سمِعوا ما قلتُ غير أنّهم لا يَستطيعون أن يَردُّوا شيئاً».

* صدى المعركة في المدينة
بقي رسول الله صلّى الله عليه وآله، ثلاثة أيام في بدر، ومن ثمّ أرسل زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة من أثيل إلى المدينة لكي يوصلا نبأ انتصار المسلمين إلى أهلها.
كان لمعركة بدر صدى واسع بين المسلمين واليهود والمنافقين في المدينة؛ فمكانة هذا الانتصار وعظيم شأنه سبّب عدم تصديق كلام زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة من قبل اليهود والمنافقين وحتى بعض المسلمين، واعتبروا كلامهما هذياناً. ولكن مَن لم يشكّ بصحة النبأ خرج إلى «روحا» مستقبلاً الرسول صلّى الله عليه وآله، وكان من بينهم أشراف الخزرج، وباركوا للمسلمين الانتصار في بدر، ومَن لم يحضر الغزوة قدّم اعتذاره للرسول.

* صدى المعركة في مكّة
كان صدى بدر في مكّة أكثر اتّساعاً من صداه في المدينة، فأهل مكّة أيضاً أنكروا الخبر في بادئ الأمر واعتبروه هذياناً.
ومنع أبو سفيان المشركين من البكاء والنوح والرثاء على القتلى، كما حذّرهم من أي مظهر من مظاهر الفرح، وذلك لكي تبقى نار الغضب مشتعلة. ولكن بقيت مكّة شهراً كاملاً في الحزن والمأتم ولم يبقَ بيت إلّا وكان يرثى قتلاه.
وقد أشار القرآن الكريم إلى معركة بدر في عدّة آيات، منها قوله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ -  ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ..﴾ - ﴿.. يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ - ﴿.. يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ..﴾ - ﴿إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ..﴾.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد