من التاريخ

ما هي إليك، ولا إلى ابنك


المحقّق عليّ بن عيس الإربلي

قال الشيخ المفيد رحمه الله تعالى في (الإرشاد): «إنَّ جماعة من بني هاشم اجتمعوا – أيّام بني أُميّة - بالأبواء وفيهم إبراهيم بن محمّد بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس، وأبو جعفر المنصور، وصالح بن عليّ، وعبد الله بن الحسن (المحض)، وابناه محمّد وإبراهيم، ومحمّد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، فقال صالح بن عليّ: قد علمتم أنّكم الذين يمدّ الناس إليهم أعينهم وقد جمعكم الله في هذا الموضع، فاعقدوا لرجل منكم بيعة تُعطونه إياها من أنفسكم، وتَواثقوا على ذلك حتّى يفتح الله وهو خير الفاتحين.
ثمّ قال عبد الله بن الحسن: قد علمتم أنّ ابني هذا (محمّداً) هو المهديّ، فهلمّ فلنبايعه!
وقال أبو جعفر (المنصور) لأيّ شيء تخدعون أنفسكم؟ واللهِ لقد علمتم ما الناس إلى أحدٍ أطول أعناقاً ولا أسرع إجابة منهم إلى هذا الفتى – يريد محمّد بن عبد الله.
 قالوا: قد والله صدقت، إن هذا الذي نعلم، فبايعوا محمّداً جميعاً ومسحوا على يده.
(ثمّ أوفدوا رسولاً إلى جعفر بن محمّد الصادق ليحضر عندهم. وقيل إن عبد الله بن الحسن قال لمَن حضر: لا تريدوا جعفراً فإنا نخاف أن يُفسد عليكم أمركم)...
وجاء جعفر بن محمّد (الصادق عليه السلام)، فأوسع له عبد الله بن الحسن إلى جنبه، فتكلّم بمثل كلامه، فقال جعفر بن محمّد: لا تَفْعَلُوا، فَإِنَّ هَذا الأَمْرَ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ، إِنْ كُنْتَ تَرَى أَنَّ ابْنَكَ هَذا هُوَ المَهْدِيُّ فَلَيْسَ بِهِ، وَلا هَذا أَوانُهُ، وَاِنْ كُنْتَ إِنَّما تُريدُ أَنْ تُخْرِجَهُ غَضَباً للهِ، تَعالى، وَلِيَأْمُرَ بِالمَعْروفِ وَيَنْهى عَنِ المُنْكَرِ، فَإِنّا، وَاللهِ، لا نَدَعُكَ وَأَنْتَ شَيْخُنا وَنُبايِعُ ابْنَكَ في هَذا الأَمْرِ.
فغضب عبد الله وقال: لقد علمتَ خلافَ ما تقول، وواللهِ ما أطلعَك اللهُ على غَيبه، ولكنك يحملُك على هذا الحسد لابني.
فقال: وَاللهِ، ما ذَلِكَ يَحْمِلُنِي، وَلَكِنَّ هَذا وَإِخْوَتَهُ وأَبْناءَهُمْ دونَكُمْ، وضرب بيده على ظهر أبي العبّاس، ثم ضرب بيده على كتف عبد الله بن الحسن، وقال: إِيهاً، وَاللهِ، ما هِيَ إِلَيْكَ وَلا إِلى ابْنِكَ، وَلَكِنَّها لَهُمْ – أي لبني العباس - وَإِنَّ ابْنَيْكَ لَمَقْتولانِ.
ثم نهض وتوكّأ على يد عبد العزيز بن عمران الزهريّ، وقال: أَرَأَيْتَ صاحِبَ الرِّداءِ الأَصْفَرِ -يعني أبا جعفر المنصور- فقال له: نعم.
فقال: إنّا، وَاللهِ، نَجِدُهُ يَقْتُلُهُ.
فقال له عبد العزيز: أيقتلُ محمّداً؟
قال: نَعَمْ.
قال: فقلت في نفسي: حسدَه وربّ الكعبة... ثمّ والله ما خرجتُ من الدنيا حتّى رأيته قتلهما... فلما قال جعفر (الصادق عليه السلام) ذلك ونهض القوم وافترقوا، تبعه عبد الصمد وأبو جعفر (المنصور) فقالا: يا أبا عبد الله تقول هذا؟
قال: نَعَمْ، أَقولُهُ، وَاللهِ، وَأَعْلَمُهُ».
* وعن بجاد العابد قال: «كان جعفر بن محمّد عليهما السلام إذا رأى محمّد بن عبد الله بن الحسن تغرغرت عيناه، ثم يقول: بِنَفْسي هُوَ، إِنَّ النّاسَ لَيَقولونَ فيهِ، وَإِنَّهُ لَمَقْتولٌ لَيْسَ هُوَ في كِتابِ عَلِيٍّ مِنْ خُلَفاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ».
فصل: وهذا حديث مشهور... لا يختلف العلماء بالأخبار في صحّته، وهو ممّا يدلّ على إمامة أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليهما السلام، وأنَّ المعجزات كانت تظهر على يده لإخباره بالغائبات والكائنات قبل كونها، كما كان يخبر الأنبياء عليهم السلام، فيكون ذلك من آياتهم وعلامات نبوتهم وصدقهم على ربهم عزّ وجلّ.
* ورُوي أن داود بن عليّ (عمّ المنصور وواليه على المدينة) قتل المعلّى بن خنيس مولى جعفر بن محمّد عليهما السلام، وأخذ ماله. فدخل عليه جعفر الصادق عليه السلام، فقال له: «قَتَلْتَ مَوْلايَ وَأَخَذْتَ مالَهُ؟ أَما عَلِمْتَ أَنَّ الرَّجُلَ يَنامُ عَلى الثُّكْلِ وَلا يَنامُ عَلى الحَرْبِ، أَما وَاللهِ، لَأَدْعُوَنَّ اللهَ عَلَيْكَ»!
فقال له داود بن علي: أتُهدّدنا بدعائك؟ كالمستهزئ بقوله.

فرجع أبو عبد الله عليه السلام إلى داره، فلم يزل ليله كلّه قائماً وقاعداً، حتّى إذا كان السحَر سُمع وهو يقول في مناجاته: يا ذا القُوَّةِ القَوِيَّةِ، وَيا ذا المَحالِ الشَّديدِ، وَيا ذا العِزَّةِ الّتي كُلُّ خَلْقِكَ لَها ذَليلٌ، اكْفِني هَذا الطَّاغِيَةَ وَانْتَقِمْ لي مِنْهُ»، فما كانت إلا ساعة حتّى ارتفعت الأصوات بالصياح، وقيل مات داود بن عليّ.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد