من التاريخ

يا أشباحاً بلا أرواح

 

حضر عند الإمام الباقر (عليه السلام) جمع، فوعظهم وحذّرهم وهم ساهون لاهون ، فأغاظه ذلك فأطرق مليّاً، ثمّ رفع رأسه إليهم، فقال:
( إنّ كلامي لو وقع طرف منه في قلب أحدكم لصار ميّتاً، ألاَ يا أشباحاً بلا أرواح، وذباباً بلا مصباح، كأنّكم خشب مسندة، وأصنام مريدة، ألاَ تأخذون الذهب من الحجر، ألاَ تقتبسون الضياء من النور الأزهر، ألا تأخذون اللؤلؤ من البحر؟ خذوا الكلمة الطيّبة ممّن قالها، وإن لم يعمل بها، فإنّ الله تعالى يقول : ( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) .
ويحك يا مغرور : ألاَ تحمد من تعطيه فانياً ؟ ويعطيك باقياً، درهم يفنى بعشرة تبقى إلى سبعمائة ضعف مضاعفة من جواد كريم .
آتاك الله عند مكافأة هو مطعمك وساقيك، وكاسيك، ومعافيك، وكافيك، وساترك ممّن يراعيك، من حفظك في ليلك ونهارك، وأجابك عند اضطرارك، وعزم لك على الرشد في اختبارك، كأنّك قد نسيت ليالي أوجاعك وخوفك، دعوته فاستجاب لك، فاستوجب بجميل صنيعه الشكر، فنسيته فيمن ذكر، وخالفته فيما أمر .

ويلك إنّما أنت لص من لصوص الذنوب، كلّما عرضت شهوة أو ارتكاب ذَنْب سارعت إليه، وأقدمت بجهلك عليه، فارتكبته كأنّك لست بعين الله، أو كأنّ الله ليس لك بالمرصاد .
يا طالب الجنة: ما أطول نومك، وأكلّ مطيّتك، وأوهى همّتك، فلله أنت من طالب ومطلوب، ويا هارباً من النار، ما أحثّ مطيّتك إليها، وما أكسبك لما يوقعك فيها !
انظروا إلى هذه القبور، سطوراً بأفناء الدور، تدانوا في خططهم، وقربوا في فرارهم، وبُعدوا في لقائهم، عمَّروا فخرّبوا، وأنسوا فأوحشوا، وسكنوا فأزعجوا، وقنطوا فرحلوا، فمن سمع بدانٍ بعيد، وشاحط قريب، وعامر مخرّب، وآنس موحش، وساكن مزعج، وقاطن مرحل غير أهل القبور .
يا ابن الأيام الثلاثة: يومك الذي ولدت فيه، ويومك الذي تنزل فيه قبرك، ويومك الذي تخرج فيه إلى ربّك، فيا له من يوم عظيم .
يا ذي الهيئة المعجبة، والهيم المعطنة: ما لي أراكم أجسامكم عامرة، وقلوبكم دامرة، أمّا والله لو عاينتم ما أنتم ملاقوه، وأنتم إليه صائرون، لقلتم : ( يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) .