السيد لطيف القزويني
رغم النزاع العسكري الذي شهدته الساحة الإسلامية على امتداد وجودها، فإن الحاكم الأموي كان دائمًا يراقب بدقة تحركات الإمام السجاد (عليه السلام)، ويحسب لكل سلوك يصدر عنه حساباً سياسياً: وذلك لأنه الشخص الوحيد القادر على قيادة المجتمع، وفق سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله) وسيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) التي وفرت لهم العدل والمساواة. وفيما يلي أهم الإجراءات التي مارسها الحاكم الأموي ضد الإمام السجاد (عليه السلام) وضد شيعته، وأنصاره المنتشرين في العراق وغيره، من الولايات الإسلامية:
أولا: محاولة قتل الإمام (عليه السلام): فقد كتب الحجاج بن يوسف الثقفي إلى عبد الملك بن مروان: إن أردت أن يثبت ملكك فاقتل علي بن الحسين (عليه السلام)، فكتب عبد الملك إليه: أما بعد، فجنبني دماء بني هاشم، واحقنها، فإني رأيت آل أبي سفيان لما أولعوا فيها لم يلبثوا إلى أن أزال الله الملك عنهم[1].
ثانيا: استقدام الإمام (عليه السلام) بين فترة وأخرى إلى الشام: حيث كانت تصل عبد الملك أخبار حول تعاظم نفوذ الإمام، وتكاثر أنصاره، لذلك كان عبد الملك يستدعيه إلى الشام مقيداً بالحديد، والهدف من ذلك هو الضغط عليه (عليه السلام) وتحجيم نشاطه، حيث كان يجبر على البقاء هناك تحت ستار معرفة النوايا، وكان الهدف الحقيقي هو عرقلة عمل الإمام (عليه السلام)، ومعرفة الأشخاص الذين يتصلون به، وكان الإمام في كل مرة يبرهن على أنه لم يمارس معارضة سياسية علنية ضد عبد الملك. وفي إحدى المرات استدعاه عبد الملك إلى الشام، والتقى مع الزهري، ثم جاء الأخير إلى عبد الملك بن مروان وحاول أن يعطيه انطباعه عن الإمام، بوصفه إنساناً عابداً زاهداً، فقال لعبد الملك: ليس علي بن الحسين (عليه السلام) حيث تظن، إنه مشغول بنفسه، فقال: حبذا شغل مثله فنعم ما شغل به[2]. ويقصد بذلك الشغل كثرة العبادة. ولكن مع ذلك كان الحاكم الأموي لا يطمئن بحركات الإمام (عليه السلام)، ولذلك كان يستدعيه بين فترة وأخرى للتأكد من ذلك، كان عبد الملك يحثه على المجئ إليه إلى الشام والاتصال به، كما هو الحال بالنسبة إلى الشخصيات المشهورة في المدينة! ففي ذات مرة قال عقيب الطواف حول الكعبة: يا علي بن الحسين، إني لست قاتل أبيك، فما يمنعك من المصير إلي؟ فقال علي بن الحسين (عليه السلام): إن قاتل أبي أفسد بما فعله دنياه عليه، وأفسد أبي عليه بذلك آخرته، فإن أحببت أن تكون كهو فكن. فقال: كلا، ولكن صر إلينا لتنال من دنيانا[3]. فرفض الإمام (عليه السلام) هذا الاقتراح، وكشف له أنه لا يحتاج إلى دنيا عبد الملك، فما أعطاه الله له خير من عطيته التي يريد أن يعطيها إلى الإمام (عليه السلام).
ثالثاً: مراقبة الإمام (عليه السلام): كان الحاكم الأموي يخشى من تحركات الإمام السجاد (عليه السلام) ونشاطاته واتصالاته مع أهل الكوفة، لذلك وضع جاسوساً عليه (عليه السلام)، ينقل إليه جميع أعماله وأقواله ونشاطاته، فكانت تصل إلى عبد الملك تقارير مفصلة عن جميع نشاطات الإمام (عليه السلام) وأعماله، سواء منها الشخصية أو الاجتماعية أو العبادية، حتى أن هذا الجاسوس كتب إليه ذات مرة. إن علي بن الحسين (عليه السلام) أعتق جارية ثم تزوجها![4]. وكان عبد الملك يحلل جميع هذه المعلومات، ويحاول أن يستفيد منها في صراعه غير المعلن مع الإمام السجاد (عليه السلام)، وإلى جانب جواسيس عبد الملك الذين يراقبون الإمام (عليه السلام): وضع عبد الله بن الزبير عيوناً لمراقبة الإمام (عليه السلام) ومتابعة حركاته، وبشكل خاص صلاته وعلاقاته مع أهل الكوفة، حيث كان يعتقد أن ثمة صلة سياسية بين الإمام (عليه السلام) وبين شيعته في الكوفة.
رابعاً: قتل مواليه وأنصاره: وإلى جنب سياسة الضغط على الإمام (عليه السلام)، ومراقبة نشاطاته وتهديده بالقتل، فإن النظام الأموي نشط في التصفيات الدموية في صفوف قواعد الإمام (عليه السلام) ومريديه: حيث كان الحجاج في العراق يقتل من ثبت ولاؤه لأهل البيت (عليه السلام)، كل ذلك لحرمان الإمام (عليه السلام) من الامتداد الشعبي الضروري لممارساته السياسية والاجتماعية والفكرية.
خامساً: الطعن بشخصية الإمام (عليه السلام): لقد سعى الحكام الأمويون لإضعاف هيبة الإمام بين الناس: من خلال تفسير سلوكه (عليه السلام) بصورة لا تليق بمقامه وجلالة قدره، فمن ذلك القدح بأنه زوج أمه، ولم يكن واقع الحال كذلك إنما كانت هذه المرأة مولاته، ربته صغيراً، فكان الناس يسمونها أمه. فلما زوجها بناء على طلبها ورغبتها في الزواج، استغل عبد الملك هذه القضية، وراح يشيع في الناس أنه زوج أمه[5]، وكذلك حاول عبد الملك استغلال زواج الإمام السجاد (عليه السلام) من مولاته بعد أن عتقها، حيث كتب إلى الإمام (عليه السلام) رسالة قائلاً: أما بعد، فبلغني تزويجك مولاتك، وقد علمت أنه كان في أكفائك من قريش من تمجد به في الصهر، وتستنجبه في الولد، فلا لنفسك نظرت ولا على ولدك أبقيت والسلام. فرد عليه الإمام السجاد (عليه السلام) بجواب قاله فيه: وإنما كانت ملك يميني خرجت مني، أراد الله عز وجل مني بأمر التمست به ثوابه، ثم ارتجعتها على سنته، ومن كان زكياً في دين الله، فليس يخل به شئ من أمره، وقد رفع الله بالإسلام الخسيسة، وتمم به النقيصة، وأذهب اللؤم، فلا لؤم على امرئ مسلم، إنما اللؤم لؤم الجاهلية والسلام. فلما قرأ الكتاب رمى به إلى ابنه سليمان فقرأه، فقال: يا أمير المؤمنين، لشد ما فخر عليك علي بن الحسين (عليه السلام)!! فقال: يا بني لا تقل ذلك فإنها ألسن بني هاشم التي تفلق الصخر، وتغرف من بحر، إن علي بن الحسين - يا بني - يرتفع من حيث يتضع الناس[6].
ـــــــــــ
[1] البحار ج 46 ص 28
[2] البحار ج 46 ص 123.
[3] البحار ج 46 ص 121.
[4] البحار ج 46 ص 164.
[5] البحار ج 46 ص 8.
[6] البحار ج 46 ص 165.
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
السيد محمد باقر الحكيم
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
دلالة آية «وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ»
العلاقة الجدلية بين التدين والفهم
الأجر الأخروي: غاية المجتمع
أمسية للشّاعرة فاطمة المسكين بعنوان: (تأمّلات في مفهوم الجمال بين الشّعر والفلسفةِ)
العظات والعبر في نملة سليمان
الكوّاي تدشّن إصدارها القصصيّ السّادس (عملاق في منزلنا)
اكتشاف أقدم أبجديّة معروفة في مدينة سوريّة قديمة
محاضرة للمهندس العلي حول الأنماط الحياتيّة من التّراث الدّينيّ
المعنى في دُنُوِّهِ وتعاليه (2)
الأمّة المستخلفة