من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد مصباح يزدي
عن الكاتب :
فيلسوف إسلامي شيعي، ولد في مدينة يزد في إيران عام 1935 م، كان عضو مجلس خبراء القيادة، وهو مؤسس مؤسسة الإمام الخميني للتعليم والبحث العلمي، له مؤلفات و كتب عدیدة فی الفلسفة الإسلامیة والإلهیات والأخلاق والعقیدة الإسلامیة، توفي في الأول من شهر يناير عام 2021 م.

لماذا انخدع النَّاس بحيل معاوية؟

 

الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي
يجيبنا الإمام الحسين في خطابٍ -ألقاه في منى في موسم الحج- يلوم به بعض الشخصيّات الإسلامية:
«فلا مالاً بذلتموه ولا نفسًا خاطرتم بها للذي خلقها ولا عشيرةً عاديتموها في ذاتِ الله »
الكفّ عن بذل المال في سبيل الله:
مع أنَّ الله سبحانه قد أنعم عليكم بهذه المنزلة الاجتماعية إلا أنكم لم تقوموا بهذه الأعمال. وهذا يعني أنه كان من المتوقع أن تستغلوا مكانتكم العلمية وما لکم من شرف ومنزلة اجتماعية للقيام بهذه الأعمال ولكنكم لم تفعلوا شيئًا، فلم تنفقوا أموالكم لنشر الإسلام. وعادة فإن المخاطبين من قبل الإمام هم ممن دفع خُمسه وزكاته وما عليه من حقوق واجبة. إذن عندما يقول : «فلا مالاً بذلتموه» فإنّه يقصد شيئًا غير الحقوق الواجبة، لأنّ بقاء الدين في بعض الأحيان يحتاج إلى الإنفاق من الأموال الشخصية، وحينئذ ليس من الصحيح أن نقول إننا قد أتينا حقوقنا الواجبة وليس على عاتقنا حق آخر. إذن كان يتحتم عليكم أن تنفقوا من أموالكم في سبيل نشر الإسلام والحيلولة دون انتشار البدع والتصدي لأصحاب البدع، ولكنكم لم تفعلوا شيئًا من ذلك.
 

التخاذل عن التضحية من أجل الدين:
هناك شيء أهم من عدم إنفاقكم المال في سبيل الله حيث يقول «ولا نفسًا خاطرتم بها للذي خلقها».
نحن تعودنا أنْ نقول: إذا كان القيام بالواجب يؤدي إلى إلحاق الضرر بالإنسان فإنه لا يكون واجبًا عندئذ، لأننا نتصوّر أنَّ شرط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أنْ لا يلحق بالإنسان ضررًا، وأنَّ نشر الدين والتصدي لأعداء الإسلام هو إلى الحد الذي ليس فيه خطر على الإنسان. بينما يقول سید الشهداء عليه السلام لهؤلاء العلماء:
«ولا نفسًا خاطرتم بها للذي خلقها»، وهذا يعني أنه كان يجب عليكم أن تخاطروا بها لله.
وقد أشرنا إلى هذه النقطة من قبل وقلنا إنَّ الإمام الخميني هو المرجع الوحيد في عصرنا الذي بيّن هذا الموضوع بشكل واضح وصريح، وذلك عندما قال: لا تقية في الأمور المهمة، وتنحصر التقيّة في الأمور العادية. فإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متعلقًا بأمر عادي، ويعود على القائم به ضرر، فهو يستطيع أن يقول: لقد قلت ما ينبغي أن أقوله وليس عليّ شيء أكثر من ذلك، أما إذا كان الأمر متعلّقًا بكيان الإسلام وأساسه فإن الحديث عن التقية يصبح في غير محله.

«ولا عشيرة عاديتموها في ذات الله»:
إنكم لم تقفوا في وجه أقاربكم الذين كانوا على الباطل من أجل مرضاة الله تعالی.
كانت العلاقات القومية والعشائرية في ذلك الزمان أصلاً من أصول الثقافة العربية. وكذا اليوم حيث يلاحظ وجود مثل هذه العقليات والترابط القومي والعشائري وتعصبات الأقارب بين الناس الذين يعيشون الأجواء القبائلية.
أما الذين يعيشون في المدن فإنه لا تلاحظ فيهم - إلا قليلًا - عقلية التعصّب لأقربائهم. 
أجل إنّ هذا الأمر ينتشر بين الساكنين بعيدًا عن المدن. وفي ذلك الزمان كانت عقلية الدفاع عن العشيرة والقبيلة قوية جدًّا. ويمكننا في هذا العصر - مشاهدة ما يشبه هذه العقلية (التعصب الفئوي) بين أصحاب الاتجاه السياسي الواحد الواقفين في جبهة واحدة. وهذا اللون من السلوك يقوم بنفس الدور الذي كان يقوم به في ذلك الزمان التعصّب للقبيلة والعشيرة.
وفي عصر معاوية كان سائدًا موضوع الدفاع عن العشيرة والقبيلة. فمثلاً إذا ارتكب شخص من نفس القبيلة جريمة فإنّ أبناء قبيلته يتغافلون عنها، أو حتى أنهم يدافعون عنه ويبررون عمله. أما إذا ارتكب نفس الجريمة شخص من قبيلة أخرى فإنّهم يشهرون به ويعظمون تلك الجريمة ويلحون في إنزال العقاب به.


إنّ عقلية الدفاع عن العشيرة والقبيلة هي إحدى العقبات المهمة التي تمنع الإنسان من أن يخطو باتجاه الحق. عندما يرى أبناء قبيلته أو في الأجواء المعاصرة أبناء اتجاهه السياسي - يسلكون طريق فإنه لا يملك الشجاعة ليقول لهم: إنكم مخطئون في سلوك هذا الطريق، لا يستطيع أن يقول لهم: إنني اتفق معكم في سائر الأمور، أما في هذا المجال فقد أخطأتم لأنه مخالف للقرآن ومغایر لضروريّات الإسلام.
يقول سيد الشهداء: «ولا عشيرة عاديتموها في ذات الله»،.
أي أنَّ الواجب الشرعي يقتضي أحيانًا أن يُـعادي الإنسان أبناء عشيرته وأقرباءه. صحيحٌ أنَّ صلة الرحم واجبة في الإسلام وأنَّ قطع الرحم حرام، ولكنه إذا أدى الدفاع عن الرحم إلى إضعاف الإسلام والنظام الإسلامي فماذا يجب أن نعمل؟ 
هل يجب في مثل هذا المورد تقديم الإسلام أم الأقارب (الأولاد والأصهار)؟ ولو كان نشاطهم ضد الإسلام؟ 
هل يجوز الدفاع عنهم وإن كان ذلك يؤدي إلى زعزعة النظام الإسلامي؟ هل يجوز أن يدافع - بغير حق - عن أبنائه وأقربائه؟ إن هذا الموضوع يعبّد الطريق للأعداء كي يستغلّوا الموقف لصالحهم.

إنّ سيّد الشهداء يؤكّد على إنه من الأسباب التي أدت إلى تسلُّط معاوية عليكم وتحريف الإسلام هو أنكم «ولا عشيرة عاديتموها في ذات الله»، أي أن ارتباطكم بأبناء خطكم السياسي وأبناء حزبكم قد منعكم من أن تقولوا الحق وأن تدافعوا عن الحق، وقد أعدّ هذا الأرضية لكي تستغل هذه النقطة من قبل الإعلام المضاد ليقولوا أن هؤلاء يتلاعبون من أجل أقربائهم ويسيئون استغلال أموال بیت المال، فالإمكانيات توضع - أولاً - تحت تصرف أقربائهم، والمناصب تمنح لأبنائهم. هكذا وفرتم الأرضية بتصرفكم لكي يهاجمكم الإعلام.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد