من التاريخ

أثر واقعة كربلاء في تغيير مسار التاريخ الإسلامي‏ (1)

 

الشهيد مرتضى مطهري‏
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد: 11).
 ما هو المقصود من قولهم: "وجود الإمام من أجل حفظ الدين"؟ وهل يمكن تشبيه الدين ببناء يحتاج إلى مجموعة من المهندسين والمعماريين الذين يعملون على تشييده؟ 
وهل يحتاج إلى حافظ ومراقب في نفس المستوى أم قريب منه؟ أم أنه لا يمكن تشبيه الدين بالبناء المادي في بعض جوانبه الخاصة؟ 
في هذا المجال هناك حديث يقول: "إن لنا في كل خَلَف عدولاً ينفون تحريف الغالين وانتحال المبطلين"(1)، حيث نجد في كل جيل أشخاصاً يتصفون بالعدل يقاومون التحريف والتغيير والتبديل. واليوم يسلّم علماء علم التاريخ والاجتماع بوجود خطر خاص يهدد كل ثورة بعد قيامها وموقعيتها.
يحكي لنا التاريخ عن وجود أشخاص كانوا يخالفون الثورة قبل أن توفق وتثمر. ولكن بمجرد أن يئسوا من مخالفتهم، انضموا إليها واكتسبوا صبغتها فأخفوا صورتهم الحقيقية وراء هذه الثورة. ويسعى هؤلاء للحفاظ على شكل وظاهر الثورة، بحيث لا يتمكن الأشخاص العاديون من فهم أي تغير جوهري قد يحدث فيها، بينما يحاول هؤلاء في الواقع، تغيير جوهر ولب هذه الثورة ويجرّونها في اتجاه الانحراف والفساد. هنا قد نحتاج إلى أعين ثاقبة النظر وإرادة قوية. نحتاج إلى منظار يدخل إلى الداخل والمضمون، ويتخطى الشكل والظاهر والقشور، لنتمكن من إدراك أن ما هو موجود يختلف تماماً عن الواقع والحقيقة. ويبرز هنا دور ثورة الإمام الحسين عليه السلام في تغيير مسار التاريخ الإسلامي، حيث كان أداؤه استمراراً لحركة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام. عندما أصبح الإمام أمير المؤمنين عليه السلام خليفة المسلمين، لم يعطِ أي أهمية للأمور التي اشتغل بها الخلفاء المتقدمون (أي الفتوحات ومحاربة الكفار خارج الحدود)، بينما أعطى الإمام عليه السلام كل الاهتمام للإصلاح الداخلي. كان الإمام عليه السلام يعتقد بأن الإسلام الذي أصبح في الظاهر واسعاً مترامياً، هو كالعين المتورمة حيث يتحرك في داخله نحو الفساد، فلا بد من القيام بعملية إصلاح داخلية. وهكذا أيضاً، كانت ثورة الإمام الحسين عليه السلام من أجل الإصلاح داخل المجتمع الإسلامي.


* أسباب زوال الأمم من وجهة نظر القرآن الكريم‏
ما هي العوامل التي اعتبرها القرآن الكريم تؤدي إلى زوال الأمم(2)؟ ما هي الأمور التي إذا وجدت تؤدي إلى تلاشي واضمحلال وفناء الأمة؟ ما هي عوامل انحطاط وفناء الأمم؟ وبعد ذلك، هل وجدت هذه الإشارات والعوامل في المجتمع الإسلامي، حيث شعر الإمام علي عليه السلام والإمام الحسين عليه السلام بالخطر؟ نعم يفهم ذلك من الآية الشريفة: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ﴾ (المائدة: 3)، حيث وصل الوضع في أواخر حياة الرسول صلى الله عليه وآله إلى مستوى يأس العدو الخارجي وأصبح لا يشكل تهديداً للإسلام، فكان مصدر الخطر مكان آخر، حيث تشدد الآية الشريفة: ﴿فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ﴾. ماذا يعني "اخشون"؟ والمقصود: عليكم أن تخافوا على داخل الأمة الإسلامية من الفساد، حيث يسلب اللَّه تعالى من الأمة بحكم سنته القاطعة: "أن اللَّه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" كل النعم الموجودة. يفهم من القرآن الكريم وجود أربعة عوامل تؤدي إلى زوال الأمم، ويقابلها ما فيه إحياؤها، على الرغم من إمكانية وجود عوامل أخرى ذكرها القرآن الكريم لم أتمكن من الوصول إليها:
 

1- الظلم‏
العدل والظلم أحد أهم العوامل التي ذكرت في القرآن الكريم. والمقصود أن الأمة تتمكن من البقاء، إذا قامت العلاقات والروابط بين الأفراد على أساس العدل ورعاية حقوق البشر الواقعية. فالقانون يكون عادلاً، والقانون العادل يأخذ مجراه بين الناس. والظلم هو النقطة المقابلة للعدل. الظلم في القرآن سبب زوال الأمم. وهناك العديد من الآيات القرآنية الشريفة التي تحدثت عن الموضوع. نقرأ في سورة هود الآيات الواقعة بين 100 و119، والتي قد تكون قدمت صورة واضحة أكثر عن هذه القضية. جاء في إحدى هذه الآيات الشريفة: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ ﴾. وجاء في آية أخرى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾. المقصود من "بظلم" أي بموجب ظلم من اللَّه، والمعنى: لا يمكن أن يفني اللَّه قوماً من دون تقصير، ولا يكون اللَّه ظالماً لهم. والمقصود من قوله: ﴿وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ أي لا يمكن أن يهلك اللَّه قوماً هم صالحون ومصلحون، باعتبار أن عكس هذا الأمر معناه أن يكون اللَّه ظالماً، واللَّه ليس بظالم على الإطلاق ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾.

يعتقد البعض أن المقصود من الظلم هنا ظلم الناس، وقالوا المراد من الظلم هنا الشرك، باعتبار أن الشرك هو ظلم للنفس. بناءً على هذا، يصبح معنى الآية الشريفة: إن اللَّه تعالى لا يهلك الناس بسبب ظلمهم الخاص لأنفسهم، والظلم هنا هو الشرك باللَّه، اللَّه لا يهلك الناس بسبب الشرك، هذا إذا كان الناس صالحين مصلحين فيما بينهم من ناحية العدل والظلم. فإذا كان معنى الآية الشريفة على هذا النحو، يمكن حينها فهم حديث الرسول صلى الله عليه وآله على نفس النسق: "الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم" فإذا كان المجتمع كافراً ولكنه عادل، فإن العدالة هي التي تضمن بقاء الملك. وبعبارة أخرى، ليس هناك أثر مباشر للكفر في نظام المجتمع، إلاّ أنه يترك آثاراً غير مباشرة، والمقصود هنا أنه إذا وجد الكفر (فالعدالة قد لا تكون موجودة بالضرورة). ولكن، إذا كان المجتمع كافراً وفي الوقت نفسه عادلاً، فإن هذا المجتمع يمكنه البقاء، والعكس صحيح فيما لو كان المجتمع مؤمناً إلا أنه ظالم، فإنه لا يمكنه البقاء. وجاءت الآيات الأولى من سورة الفجر حول هذا الموضوع، ﴿وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ (الفجر: 1 14). وجاء في أول سورة القصص: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ ...﴾ (القصص: 4).
ويخاطب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام مالك الأشتر قائلاً: "وليس شي‏ء أدعى إلى تغيير نعمة اللَّه وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم"(3). إذاً، العدالة من الأمور التي اعتبرها القرآن الكريم سبب بقاء الأمة، وأما الظلم فهو سبب اضمحلالها.
ــــــــــــــــــ
(1) الكافي، ج‏1، ص‏32.
(2) عبّر القرآن الكريم عن كل مجتمع بالأمة.
(3) نهج البلاغة، الرسالة 53.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد