من التاريخ

خروج التوابين بقيادة سليمان بن صرد طلبًا بدم الإمام الحسين (ع) (1)

في الأول في ربيع الثاني
 

مقدمة:
لما قتل الحسين (عليه السلام) ورجع ابن زياد من معسكره بالنخيلة (1) ودخل الكوفة، تلاقته الشيعة بالتلاوم والمنادمة، ورأت أن قد أخطأت خطأ كبيرًا بدعائهم الحسين (عليه السلام) وتركهم نصرته وإجابته حتى قتل إلى جانبهم، ورأوا أنه لا يغسل عارهم والإثم عليهم إلا قتل من قتله والقتل فيهم، فاجتمعوا بالكوفة إلى خمسة نفر من رؤساء الشيعة إلى: سليمان بن صرد الخزاعي - وكانت له صحبة - وإلى المسيب بن نجبة الفزاري - وكان من أصحاب علي (عليه السلام) - وإلى عبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي، وإلى عبد الله بن وال التيمي - تيم بكر بن وائل - وإلى رفاعة بن شداد البجلي، وكانوا من خيار أصحاب علي (عليه السلام)، فاجتمعوا في منزل سليمان بن صرد الخزاعي، فبدأهم المسيب بن نجبة فخطب في أصحابه خطبة طويلة أبان فيها ندمه على عدم نصرة الحسين (عليه السلام)، وحثه أصحابه على القيام بأخذ ثأره، ثم تلاه الآخر بعد الآخر، وكل منهم يظهر شدة الندم في خطبته، وعقدوا المؤامرات في ذلك.
الدعوة للثورة:
ما زالوا بجمع آلة الحرب ودعاء الناس في السر إلى الطلب بدم الحسين (عليه السلام)، فكان يجيبهم النفر ولم يزالوا على ذلك إلى أن هلك يزيد بن معاوية سنة 64، فلما مات يزيد جاء إلى سليمان بن صرد أصحابه فقالوا له: قد هلك هذا الطاغية، والأمر ضعيف، فإن شئت وثبنا على عمرو بن حريث - وكان خليفة ابن زياد على الكوفة - ثم أظهرنا الطلب بدم الحسين (عليه السلام) وتتبعنا قتلته ودعونا الناس إلى أهل هذا البيت المستأثر عليهم المدفوعين عن حقهم.
فقال سليمان بن صرد: لا تعجلوا إني قد نظرت فيما ذكرتم، فرأيت أن قتلة الحسين (عليه السلام) هم أشراف الكوفة وفرسان العرب، وهم المطالبون بدمه، ومتى علموا ما تريدون كانوا أشد الناس عليكم، ونظرت فيمن تبعني منكم فعلمت أنهم لو خرجوا لم يدركوا ثأرهم، ولم يشفوا نفوسهم، وكانوا جزرًا لعدوهم، ولكن بثوا دعاتكم وادعوا إلى أمركم.
بث أولئك دعاتهم في البلدان، واستجاب لهم ناس كثير بعد هلاك يزيد، وأن أهل الكوفة أخرجوا عمرو بن حريث وبايعوا لابن الزبير، وسليمان وأصحابه ما زالوا يدعون الناس إلى ذلك.
لم تمض على هلاك يزيد الفجور إلا ستة أشهر، حتى قدم المختار بن أبي عبيد الثقفي (رضي الله عنه) الكوفة في النصف من رمضان، وقدم عبد الله بن يزيد الأنصاري أميرًا على الكوفة من قبل ابن الزبير لثمان بقين من رمضان، وقدم إبراهيم بن محمد بن طلحة معه على خراج الكوفة، فأخذ المختار يدعوا الناس إلى قتال قتلة الحسين (عليه السلام) ويقول: جئتكم من عند محمد بن الحنفية وزيرًا أمينًا، فرجع إليه طائفة من الشيعة، وكان يقول: إنما يريد سليمان أن يخرج فيقتل نفسه ومن معه وليس له بصرة في الحرب.
وبلغ الخبر عبد الله بن يزيد بالخروج عليه بالكوفة في هذه الأيام.

وقيل له: ليحبسه وخوف عاقبة أمره إن تركه.
فقال عبد الله: إن هم قاتلونا قاتلناهم، وإن تركونا لم نطلبهم، إن هؤلاء القوم يطلبون بدم الحسين بن علي (عليه السلام)، فرحم الله هؤلاء القوم آمنون، فليخرجوا ظاهرين وليسيروا إلى من قاتل الحسين (عليه السلام)، فقد أقبل إليهم - يعني ابن زياد - وأنا لهم ظهير، هذا ابن زياد قاتل الحسين (عليه السلام) وقاتل أخياركم وأمثالكم قد توجه إليكم، وقد فارقوه على ليلة من جسر منبج، فالقتال والاستعداد إليه أولى من أن تجعلوا بأسكم بينكم فيقتل بعضكم بعضًا، فيلقاكم عدوكم وقد ضعفتم، وتلك أمنيته، وقد قدم عليكم أعدى خلق الله لكم من ولي عليكم هو وأبوه سبع سنين لا يقلعان عن قتل أهل العفاف والدين، هو الذي من قبله أتيتم، والذي قتل من تنادون بدمه قد جاءكم فاستقبلوه بحدكم وشوكتكم واجعلوها به ولا تجعلوها بأنفسكم، إني لكم ناصح.
وكان مروان قد سير ابن زياد إلى الجزيرة، ثم إذا فرغ منها سار إلى العراق.
فلما فرغ عبد الله بن يزيد من قوله، قال إبراهيم بن محمد بن طلحة: أيها الناس لا يغرنكم من السيف والغشم مقالة هذا الداهن، والله لئن خرج علينا خارج لنقتله، ولئن استيقنا أن قومًا يريدون الخروج علينا لنأخذن الوالد بولده والمولود بوالده والحميم بالحميم والعريف بما في عرافته، حتى يدينوا للحق ويذلوا للطاعة.
فوثب إليه المسيب بن نجبة فقطع عليه منطقه ثم قال: يا بن (الناكثين) (2) أنت تهددنا بسيفك وغشمك وأنت والله أذل من ذلك، إنا لا نلومك على بغضنا وقد قتلنا أباك وجدك، وأما أنت أيها الأمير فقد قلت قولًا سديدًا.
فقال إبراهيم: والله ليقتلن وقد أوهن (3) هذا، يعني عبد الله بن يزيد.
فقال له عبد الله بن وال: ما اعتراضك فيما بيننا وبين أميرنا ما أنت علينا بأمير، إنما أنت أمير هذه الجزية فاقبل على خراجك، ولئن أفسدت أمر هذه الأمة فقد أفسده والداك وكانت عليهما دائرة السوء.
فشتمهم جماعة ممن مع إبراهيم فشاتموه، فنزل الأمير من على المنبر وتهدده إبراهيم بأن يكتب إلى ابن الزبير يشكوه، فجاءه عبد الله في منزله واعتذر إليه فقبل عذره، ثم إن أصحاب سليمان بن صرد خرجوا يشترون السلاح ظاهرين ويتجهزون.
 

شعار يا لثارات الحسين:
لما أراد سليمان بن صرد الشخوص سنة 65، بعث إلى رؤوس أصحابه فأتوه، فلما أهل ربيع الآخر خرج في وجوه أصحابه، وكانوا تواعدوا للخروج تلك الليلة فلما أتى النخيلة دار في الناس فلم يعجبه عددهم، فأرسل حكيم بن منقذ الكندي والوليد بن عصير الكناني فناديا في الكوفة: يا لثارات الحسين.
فكانا أول خلق الله دعا يا لثارات الحسين، فأصبح من الغد وقد أتاه نحو مما في عسكره، ثم نظر في ديوانه فوجدهم ستة عشر ألفًا ممن بايعه.
فقال: سبحان الله ما وافانا من ستة عشر ألفًا إلا أربعة آلاف.
فقيل له: إن المختار يثبط الناس عنك إنه قد تبعه ألفان.
فقال: قد بقي عشرة آلاف، أما هؤلاء بمؤمنين؟أما يذكرون الله والعهود والمواثيق؟ فأقام بالنخيلة ثلاثًا يبعث إلى من تخلف عنه، فخرج إليه نحو من ألف رجل، فقام إليه المسيب بن نجبة فقال: رحمك الله إنه لا ينفعك الكاره ولا يقاتل معك إلا من أخرجته النية، فلا تنتظر أحدًا وجد في أمرك.
قال: نعم ما رأيت.
ثم قام سليمان في أصحابه فقال: أيها الناس من كان خرج يريد بخروجه وجه الله والآخرة فذلك منا ونحن منه، فرحمة الله عليه حيًّا وميتًا، ومن كان إنما يريد الدنيا فوالله ما يأتي فيئ نأخذه وغنيمة نغنمها ما خلا رضوان الله، وما معنا من ذهب ولا فضة ولا متاع ما هو إلا سيوفنا على عواتقنا وزاد قدر البلغة، فمن كان ينوي هذا فلا يصحبنا.
فتنادى أصحابه من كل جانب: إنا لا نطلب الدنيا وليس لها خرجنا، إنما خرجنا نطلب التوبة والطلب بدم ابن بنت رسول الله نبينا (صلى الله عليه وآله).

ـــــــــــــ
1- موضع قرب الكوفة على جهة الشام. معجم البلدان: 5 / 278.
2- في المطبوع: (الساكنين)، وما أثبتناه من المصدر.
3- في المصدر: (أدهن).

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد