السيد جعفر مرتضى
عليّ (عليه السّلام) وجرحى الخوارج :
ويقول البلاذري عن حرب النهروان : (ووجد عليّ (عليه السّلام) ممّن به رمق أربع مائة فدفعهم إلى عشائرهم ولم يجهز عليهم ، وردّ الرقيق على أهله حينما قدم الكوفة ، وقسّم الكراع والسلاح وما قوتل به بين أصحابه ) ، وهذا معناه أنّه حينما أخبر (عليه السّلام) أنّه لا يفلت منهم عشرة كان يقصد أنّه لا يفلت منهم ولومن الجراحة ، نعم ... وكذلك فعل (عليه السّلام) مع جرحاهم الأربعين في سواد الكوفة ، وذلك يعبر عن أنّه (عليه السّلام) إنّما كان يتعامل معهم من منطلق إنساني إسلامي بعيداً عن أي تأثّر وانفعال ، ولم يكن كأولئك الذين لا ينطلقون في مواقفهم إلاّ من مصالحهم الشخصية ، وعلى أساس من انفعالاتهم وعصبياتهم .
عوامل ساعدت على ظهور الخوارج :
وبعد ، فلم يكن ظهور الخوارج في مناسبة حرب صفين أمراً عفوياً وليد ساعته ، وإنّما كان ثمّة أجواء ومناخات ، وعوامل وأسباب ساعدت على ظهورهم ، ونذكر منها :
العامل الثقافي الناقص والمنحرف ، حيث كانوا في الأكثر أعراباً جفاة ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولا اهتدوا بهدى العقل. .
إنّ أكثرهم كانوا من تميم ، وهي من ربيعة ، وكانت القبائل الربيعية ـ حسبما يراه البعض ـ تحسد قريشاً على استيلائها على الخلافة ، وبينها وبين مضر إحن جاهلية ، خفف الإسلام من حدّتها ، ولم يذهب بكلّ قوتها ، ولعلّ لأجل ذلك نجد أبا حمزة الخارجي حينما غزا المدينة كان يقتل القرشي ويدع الأنصاري ، كما أنّ الأصمعي يصف الجزيرة بأنّها خارجية ، لأنّها مسكن ربيعة ، وهي رأس كلّ فتنة .
لقد شاع عن الخوارج : إنّهم من الزهّاد والعُبّاد حتى اعتقد كثير من الباحثين : أنّ ثورتهم كانت خالصة لله تعالى ، ولم يكن للدنيا في تفكيرهم أي نصيب ، ولكن الذي يبدو هو أنّ الدنيا كانت تستأثر بجانب كبير من تفكيرهم ، واهتماماتهم ، وقد كان لمفاهيمهم الجاهلية ، وعصبياتهم القبلية ومصالحهم الشخصية ، وأملهم بالفوز والنصر أثر كبير في إصرارهم على موقفهم ذاك من عليّ (عليه السّلام) ، والذي كان مبنياً على حالة من الشكّ والتردد كما صرّحوا به أنفسهم ، وكما صرّح به الإمام الصادق (عليه السّلام) . أمّا موقفهم من الأمويين وغيرهم من حكام الجور فقد كان لهم فيه مقالاً ـ كما عن عليّ (عليه السّلام) ـ ولم يكن لديهم أدنى شكّ في صحته وسلامته ، ولكن ذلك لا يعني إنّهم في حربهم لهم لا يطلبون الحكم والسلطان ، والحصول على شيء من حطام الدنيا أيضاً ، فإنّ ذلك كان مدّ نظرهم ، ومطمح نفوسهم ، وكشاهد على كل ما تقدم نذكر :
ألف ـ إنّ علياً (عليه السّلام) يقول عنهم : ( غرّهم الشيطان ، وأنفس بالسوء أمارة ، غرّتهم بالأماني ، وزيّنت لهم المعاصي ، ونبّأتهم بأنّهم ظاهرون ) .
ويدلّ على صحة ذلك : ما كانوا يرتكبونه من جرائم وموبقات في حقّ الأبرياء حتى النساء والأطفال ، وحتى قبل معركة النهروان أي قبل أن يضعوا لأنفسهم منهجاً عقائدياً يبيح لهم تلك العظائم والجرائم .
ب ـ إنّ من جملة ما نقموه على عليّ (عليه السّلام) : أنّه لم يقسم بينهم السبي في حرب الجمل ، كما قسم بينهم الغنائم .
ج ـ إنّ شيخاً منهم بعد أن رجع عن مقاتلتهم أخبر عنهم : إنّهم كانوا إذا هووا أمراً صيروا حديثاً .
د ـ إنّ شبيب بن يزيد الشيباني قد طلب من عبد الملك أن يفرض له في أهل الشرف ، فرفض ، فغضب وجمع الرجال ، وخرج عليه يحاربه .
وقد أخذ أتباعه عليه ، أنّه كان لا يطبّق التعاليم الخارجية على قومه ، أمّا نجدة الخارجي ، فلم يعاقب رجلاً كان يشرب الخمر في معسكره ، بحجة أنّه شديد النكاية على العدو، وبعض زعمائهم وهو عبيدة بن هلال يُتّهم بامرأة حداد ، فيحتال خليفتهم ( قطري بن الفجاءة ) لتبرئته .
هـ ـ وفي بعض حروبهم : ( جعلت الخوارج تقاتل على القدح يؤخذ منها ، والسوط ، والعلف ، والحشيش ، أشدّ قتال ) .
وـ وزياد بن أبيه يولّي أحدهم سابور ويرزقه أربعة آلاف درهم كلّ شهر ، فيلزم الطاعة ، ولا يفارق الجماعة ، على حدّ تعبيرهم ، كما أنّ زياداً حينما يعطيهم ما يركبون يُقبلون بالتردد عليه ، والسمر عنده .
ز ـ بل إنّنا نجدهم مستعدّين لأن يقتل بعضهم بعضاً في قِبال إطلاق سراحهم من سجن ابن زياد .
إلى غير ذلك من الشواهد التي لا مجال لتتبعها .
رابعاً ـ إنّ العراق الذي كان على اتصال مباشر بغير العرب قبل فتحه في عهد عمر بن الخطاب ، الذي كان له سياسة خاصة في تمييز العرب على غيرهم ، كان ينظر إلى الخليفة الثاني نظرة خاصة متميزة ، حتى أنّ علياً لم يستطع أن يمنع جنده من صلاة التراويح حيث تنادوا : يا أهل الإسلام غُيّرت سنّة عمر ، كما لم يستطع أن يعزل شريحاً عن القضاء ، لأنّه منصوب من قبل عمر ، وقد بايعوه على أن لا يغيّر شيئاً ممّا قرّره أبوبكر وعمر ، على حدّ تعبيرهم .
وأصحاب الجمل أيضاً قد نادوا بأمير المؤمنين : أعطنا سنّة العمرين ، وقال الخوارج لقيس بن سعد : ( لسنا متابعيكم أبداً وتأتونا بمثل عمر ) إلى غير ذلك ممّا يدلّ على عظمة الخليفة الثاني في نفوس الناس والخوارج بالذات .
وما اشتهر من أنّ الكوفة كانت علوية ، فإنّما كان ذلك بعد استيطان عليّ (عليه السّلام) لها ، وبذله الكثير من الجهود في سبيل توعية أهلها على الكثير من الحقائق التي كان لا بُدَّ لهم من التعرّف عليها ، ومن ذلك مناشدته للناس بحديث الغدير في رحبة الكوفة ، وفي صفين ، وإخباراته الغيبية الكثيرة لهم ، ومنه إخباره بمصير أهل النهروان ، وبحديث المخدّج ، وغير ذلك .
ومع ذلك فلم يكن في الكوفة خمسون رجلاً يعرفونه حقّ معرفته ، وحقّ معرفة إمامته كما عن الإمام الصادق ، وإنّما يحاربون معه وفاءً بالبيعة التي كانت له في أعناقهم ، بالإضافة إلى ما سمعوه من وعن النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) في فضله الأمر الذي جعل له مكانة واحتراماً خاصاً لديهم .
خامساً ـ إنّ العراق قد فُتح في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ليواجه الحياة العسكرية ، ويتحمّل آثارها النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، وإذا كان يرافق ذلك عدم توفر العمق الإيماني إلاّ في حدود العواطف والأحاسيس ، وعدم توفّر العناية الكاملة بالتربية الإسلامية ، والتأهيل لاستيعاب التعاليم الإلهية ، ثمّ التفاعل معها بالشكل المناسب والمقبول ، والمفاهيم الجاهلية ، والأهواء ، والطابع المميز للحياة آنئذٍ ، ولاسيما على مستوى الزعامات القبلية ، مع فارق وحيد ، وهو أنّ ذلك أصبح يتلوّن ويتلبّس باسم الدين ، ويستفاد منه في التمرير والتبرير ، والدّين من ذلك كله براء .
سادساً ـ إنّ الذين حاربوا علياً في وقعة الجمل ، والذين يتعاطفون مع عثمان في محنته التي تعرّض لها ، قد أصبحوا الآن في جيش عليّ (عليه السّلام) فقد كان حي الناعطين في الكوفة عثمانياً ، كما أنّ الناس كانوا بعد حرب صفين ، فيهم المعجب بنتائجها ، وفيهم الكاره ، والغاشّ والناصح كما يقولون ، وإذن فليس لنا أن نتوقع من هؤلاء ـ بملاحظة حالتهم الثقافية الدينية وعلاقاتهم القبلية وغير ذلك ـ أن يكونوا مخلصين له كلّ الإخلاص ، ولاسيما وإنّهم هم الذين يتحمّلون أعباء الحرب وآثارها لا يرون إنّهم يحصلون في مقابل ذلك على نفع يذكر حسب مقاييسهم ومفاهيمهم عن الربح والخسران في حالات كهذه .
وإذا كان عليّ (عليه السّلام) لا يقيم وزناً للزعامات القبلية ، ويقيم علاقاته معها على أساس ما تملكه من معان إنسانية نبيلة ، وما تقدّمه من خدمات في سبيل الدّين والإنسان ، ولم يكن ليميّز أحداً على أحد مهما كانت الظروف والأحوال ، وإذا كان أهل الشام يعتبرون قضية معاوية قضيتهم ، ومصيره مصيرهم ، وهو يبذل الأموال فيهم ، ويشتري الرجال ـ إذا كان كل ذلك ـ فإنّ الفرصة تكون مواتية لمعاوية ليصطاد الزعامات القبلية في عراق عليّ بالذات ، ويتحفهم بالأموال والأماني سرّاً وجهراً ، ويكيد بهم علياً والإسلام ، ولم يكن ثمّة مناعات وحصانات كافية للوقوف في وجه أمر كهذا ، حسبما تقدّم .
تركيبة الخوارج :
أمّا تركيبة الخوارج ، فلم تكن لتشجع على التفاؤل ـ فبالإضافة إلى إنّهم أعراف جفاة يهيمن عليهم الجهل والقسوة ـ فقد كانوا أخلاطاً من العرب والموالي ، والعرب منهم يحتقرون الموالي ، كما أنّ معظمهم كان من السفلة فلم يكونوا من أهل البيوتات المعروفة بالشرف والسؤدد ، ولا كان ثمّة تقارب في المآرب والأغراض التي كان كلّ منهم يطمح إلى تحقيقيها ، ولذا فقد كان من الطبيعي أن تكثر بينهم التحزّبات والانقسامات ، وليترك ذلك آثاراً بارزة على قدراتهم ، وفعالية مواقفهم وحركاتهم .
الخوارج ... والأمويون :
وأمّا بعد عهد عليّ (عليه السّلام) فلقد حارب الخوارج الأمويين بضراوة وعنف ، حتى أنهكوا الحكم الأموي ، ومهّدوا السبيل لإسقاطه ، وكان انشغال مروان الجعدي بحربهم مانعاً له عن أن يمدّ يد العون لعامله نصر بن سيّار الذي كان يواجه الضربات الساحقة من أبي مسلم الخراساني القائم بأمر الدعوة العباسية ، بل إنّ المهلب بن أبي صفرة الذي قاتل الخوارج في عهد الزبيريين والأمويين معاً قد حاول الاستفادة من شخصية وشعارات طالما جهد الزبيريون والأمويون في طمسها والقضاء عليها ، فيخطب أصحابه محرّضاً لهم على قتالهم ، فيكون ممّا يقول : ( قاتلوهم على ما قاتل عليه أوّلهم عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه ) ، ثمّ جعل شعار أصحابه ـ لو تعرّضوا للبيات من قبل الخوارج ـ : ( حم ، لا ينصرون ) وهوشعار النَّبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ، ويروى أنّه كان شعار أصحاب عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) ، كما يروي المعتزلي .
ويبدوأنّ سياسة الأمويين الظالمة تجاه الناس ، قد ساهمت في إقبال الناس على الانخراط في سلك الخوارج لمحاربتهم حتى ليبلغ عدد جيش الضحّاك الخارجي مئة وعشرين ألفاً كما يقولون .
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان