الشيخ فوزي آل سيف
لماذا اختلف دور الحسين عن دور الحسن عليهما السلام مع قرب المدّة وتشابه الظروف؟ وما هو دور الإمام الحسين عليه السلام بعد الصلح؟
لم يختلف دور الإمام الحسين عن أخيه الإمام الحسن عليهما السلام مع وحدة الظروف الزمانية والمكانية. نعم، لـمّا تغيّرت الظروف التي عاشها الحسين عليه السلام كان ينبغي أن تتغيّر لذلك طريقة العمل، وهذا ما حصل. وبيان ذلك: إنّ الظرف الذي عاش فيه الإمام الحسن عليه السلام إلى أن استشهد، وعاش فيه الإمام الحسين عليه السلام بعد أخيه مدّة عشرة سنوات تقريباً، فقد استشهد الإمام الحسن عليه السلام في سنة 50 للهجرة، ومات معاوية بن أبي سفيان سنة 60 للهجرة، واستشهد الإمام الحسين عليه السلام سنة 61 للهجرة أيام حكم يزيد بن معاوية.
وقد تميّز حكم معاوية، سواء أيّام الإمام الحسن أو الحسين عليهما السلام بأنّه كان يبقي قدر إمكانه الظاهر الإسلامي على الخلافة والحكومة، فهو يصلّي بالناس جماعة، ويأمر بالحجّ، ولا يصدم جمهور المسلمين بما يخالف معتقداتهم بشكل صريح، بل إنّه قد استأجر جيشاً من المرتزقة والإعلاميّين الذين يضعون الأحاديث في فضله باعتباره كاتب الوحي، وخالاً للمؤمنين(1)، وفي المقابل كان يسعى للقضاء على الخطّ الإسلامي الأصل من الداخل لو تمكّن، فها هو يعلن أنّه لا يحبّ نداء الشهادة بالرسالة للرسول صلى الله عليه وآله(2)، كما إنّه لو ترك الوصية بأمور فإنّه لا يترك الوصية بشتم علي بن أبي طالب عليه السلام(3).
وكان الإمامان عليهما السلام قد أرادا معالجة الموقف مع معاوية في البداية بالمقاومة العسكرية، إلاّ أنّ الظروف لم تساعدهما؛ نظراً لخذلان الجيش وخيانة بعض زعمائه، فاضطر الإمام الحسن عليه السلام باعتباره الإمام الناطق حينئذ إلى المهادنة ضمن شروط كثيرة ذكرها مَنْ تعرّض للحديث عن صلح الإمام الحسن عليه السلام.
وبدأت الحرب في غير الميدان العسكري، وفيها انتصر خطّ الإمامة والأئمّة عليهم السلام، فهم من جهة سعوا إلى بيان الخطّ الإسلامي الصحيح، المتمثّل في ولاية أمير المؤمنين عليه السلام، ولزوم اتّباعه والسير عليه، وفي بيان الكارثة التي تترقّبها الأمّة لو سلّمت واستسلمت لبني أميّة.
وقد فضح الإمام الحسن عليه السلام بشروطه التي فرضها على معاوية، الحكم الأموي وأماط الستار عن حقيقة عدائه للإسلام، وأيقظ النائمين آنئذ، والذين كانوا في وقت من الأوقات يقرنون بين علي عليه السلام وبين معاوية.
وأيضاً كانا يقومان بتجميع شيعة أهل البيت عليهم السلام، وصيانتهم في وقت كانت سياسة معاوية قاضية بإفقارهم وإبعادهم وإيذائهم، وإيجاد المبرّرات لقتلهم أيضاً.
واستشهد الإمام الحسن عليه السلام قتيلاً بسمٍّ أموي، وكان استمر الإمام الحسن عليه السلام في نفس الخطّ السابق القائم على تدعيم تركيز خطّ أهل البيت عليهم السلام من خلال حماية الأتباع ومساعدتهم بما يمكن في تلك الظروف؛ سواء من الناحية المادية، أو غيرها، أو من خلال نشر الفكر الصحيح، والانتماء لخطّ أمير المؤمنين عليه السلام ببيان موقعه ومنزلته من النبي صلى الله عليه وآله ولزوم اتّباعه والاقتداء به.
فكم من المناظرات دارت بين معاوية وبين الإمام الحسن عليه السلام، وربما اشترك في بعضها شيعته كابن عباس. ولم تكن المناظرات في ذلك الوقت عند الأئمّة ترفاً فكريّاً، أو إظهاراً للقدرة والغلبة، وكذلك كان الحسين عليه السلام في ما بعد حيث إنّه كان يجمع الناس بمناسبة وبغيرها؛ لكي يذكرها بمناقب أمير المؤمنين عليه السلام ومنزلته عند رسول الله صلى الله عليه وآله.
ففي موسم الحجّ وفي عرفات يجمع بني هاشم ويقوم خطيباً في الناس ويستنشدهم الله أنّ أيّ أحد منهم يعرف منقبة، أو فضيلة لأمير المؤمنين عليه السلام فليظهرها على الملأ حتّى يعرفوها، ثمّ يتحدّث لهم بما يعرف من فضائل علي عليه السلام، ودوره في خدمة الدين، واجتهاده مع رسول الله صلى الله عليه وآله وتمثيله الامتداد لخطّ الرسالة؛ ولكي يرووا هذه المعاني عنه عندما يرتحلون إلى أوطانهم.
لكن تغيّرت الظروف بالكامل مع موت معاوية، وجاء يزيد ضمن عملية انقلاب فاضح حتّى على الظاهر الديني الذي كان ربما يتشبّث به معاوية أمام الناس. وقد لخّص الإمام الحسين عليه السلام الموقف في جملة واحدة بقوله: «وعلى الإسلام السّلام إذا بُليت الأمّة براعٍ مثل يزيد».
والعجيب أنّ مثل هذه المقالة لم تصدر عن الإمام الحسين عليه السلام في زمن معاوية(4)، الذي عاصره الإمام الحسين (عليه السلام) حوالي خمسة وعشرين سنة؛ (خمس مع أبيه، وعشر مع أخيه، وعشر في زمان إمامته)، لكن أصدرها في حقّ يزيد بمجرّد ولايته تلك على الأمّة، فما أن وصل خبر موت معاوية وولاية يزيد، ودعوة الوليد للحسين عليه السلام إلى البيعة ليزيد حتّى قال تلك المقولة التي اختصر بها كلّ المستقبل، وكان ينظر فيها بنور الله.
وهنا:
فما رأى السّبطُ للدينِ الحنيفِ شفا
إلاّ إذا دمهُ في كربلا سُفكا
ــــــــــــــــــــــــــ
1 - قال العلاّمة الأميني (رضوان الله عليه) في الغدير 1 / 75 ما يلي: قال ابن تيمية في منهاجه 2 / 207: طائفة وضعوا لمعاوية فضائل ورووا أحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله في ذلك كلّها كذب.
وقال الفيروز آبادي في خاتمة كتابه (سفر السعادة)، والعجلوني في كشف الخفاء / 420، باب فضائل معاوية ليس فيه حديث صحيح.
وقال العيني في عمدة القاري: فإن قلت: قد ورد في فضله - يعني معاوية - أحاديث كثيرة. قلت: نعم، ولكن ليس فيها حديث صحيح يصح من طرق الإسناد نصّ عليه إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما؛ فلذلك قال، يعني البخاري: (باب ذكر معاوية)، ولم يقل: فضيلة ولا منقبة.
2- ذكر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 5 / 129: عن الزبير بن بكار في (الموفّقيات) - وهو غير متّهم على معاوية، ولا منسوب إلى اعتقاد الشيعة، لما هو معلوم من حاله من مجانبة علي عليه السلام، والانحراف عنه -، قال المطرف بن المغيرة بن شعبة: دخلت مع أبي على معاوية، فكان أبي يأتيه فيتحدّث معه، ثم ينصرف إليّ فيذكر معاوية وعقله، ويعجب بما يرى منه، إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء، ورأيته مغتمّاً فانتظرته ساعة، وظننت أنّه لأمر حدث فينا، فقلت: ما لي أراك مغتمّاً منذ الليلة؟
فقال: يا بُني، جئت من عند أكفر الناس وأخبثهم. قلت: وما ذاك؟
قال: قلت له وقد خلوت به: إنّك قد بلغت سنّاً يا أمير المؤمنين، فلو أظهرت عدلاً، وبسطت خيراً؛ فإنّك قد كبرت، ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم، فوالله ما عندهم اليوم شيء تخافه، وإنّ ذلك ممّا يبقى لك ذكره وثوابه.
فقال: هيهات هيهات! أيّ ذكر أرجو بقاءه؟! ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل؟! فما عدا أن هلك حتّى هلك ذكره، إلاّ أن يقول قائل: أبو بكر، ثمّ ملك أخو عدي، فاجتهد وشمّر عشر سنين، فما عدا أن هلك حتّى هلك ذكره، إلاّ أن يقول قائل: عمر، وإنّ ابن أبي كبشة ليصاح به كلّ يوم خمس مرّات: (أشهد أنّ محمّداً رسول الله)، فأيّ عمل يبقى، وأيّ ذكر يدوم بعد هذا لا أبا لك؟! لا والله إلاّ دفناً دفناً.
وللتفصيل في هذا الأمر يراجع كتاب الصحيح من سيرة الرسول الأعظم للمحقّق العاملي.
3- - لـمّا ولّى معاويةُ المغيرة بن شعبة الكوفة في جمادى سنة 41 هـ دعاه وقال له: أردت إيصاءك بأشياء كثيرة، فأنا تاركها اعتماداً على بصرك بما يرضيني، ويسعد سلطاني ويصلح به رعيتي، ولست تاركاً إيصاءك بخصلة لا تتحم (أي لا تتجنب) عن شتم علي وذمّه، والترحّم على عثمان والاستغفار له، والعيب على أصحاب علي والإقصاء لهم، وترك الاستماع منهم، وبإطراء شيعة عثمان والإدناء لهم والاستماع منهم.
4- وإن كان الإمام الحسين عليه السلام قد تبادل مع معاوية رسائل عنيفة منها ما ورد في بعضها كما ذكره الشيخ الطبرسي في الاحتجاج 2 / 21: «وقلتَ فيما قلت: انظر نفسك ولدينك ولأمّة محمّد صلى الله عليه وآله، واتق شقّ عصا هذه الأمّة، وأن تردهم في الفتنة. فلا أعرف فتنة أعظم من ولايتك عليها، ولا أعلم نظراً لنفسي وولدي وأمّة جدّي أفضل من جهادك؛ فإن فعلته فهو قربة إلى الله (عزّ وجلّ)، وإن تركته فاستغفر الله لذنبي، وأسأله توفيقي لإرشاد أموري، وقلت فيما تقول: إن أنكرك تنكرني، وإن أكدك تكدني، وهل رأيك الأكيد الصالحين منذ خلقت؟! فكدني ما بدا لك إن شئت؛ فإنّي أرجو أن لا يضرّني كيدك، وأن لا يكون على أحد أضرّ منه على نفسك، على أنّك تكيد فتوقظ عدوّك، وتوبق نفسك، كفعلك بهؤلاء الذين قتلتهم ومثّلت بهم بعد الصلح والأيمان، والعهد والميثاق، فقتلتهم من غير أن يكونوا قتلوا إلاّ لذكرهم فضلنا، وتعظيمهم حقنا، بما به شرفت وعُرفت؛ مخافة أمر لعلك لو لم تقتلهم متّ قبل أن يفعلوا، أو ماتوا قبل أن يدركوا.
أبشر يا معاوية بقصاص، واستعدّ للحساب، واعلم أنّ لله عزّ وجلّ كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها، وليس الله تبارك وتعالى بناس أخذك بالظنّة، وقتلك أولياءه بالتهمة، ونفيك إيّاهم من دار الهجرة إلى دار الغربة والوحشة، وأخذك الناس ببيعة ابنك، غلام من الغلمان، يشرب الشراب، ويلعب بالكعاب، لا أعلمك إلاّ قد خسرت نفسك، وشريت دينك، وغششت رعيتك، وأخزيت أمانتك، وسمعت مقالة السفيه الجاهل، وأخفت التقي الورع الحليم».
عدنان الحاجي
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
اكتشاف أقدم أبجديّة معروفة في مدينة سوريّة قديمة
محاضرة للمهندس العلي حول الأنماط الحياتيّة من التّراث الدّينيّ
المعنى في دُنُوِّهِ وتعاليه (2)
الأمّة المستخلفة
المعنى في دُنُوِّهِ وتعاليه (1)
نظرة إجماليّة في السّير المعنوي
علوم القرآن
يا طفل غزّة
كيف يُظهِر القرآن كلّ خفيّ ويحلّ كلّ مُعضل؟
الإله الذي نعبد