الشيخ فوزي آل سيف
(وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً)(1).
يحرص القرآن الكريم في إيراده لقصص الأقوام على التركيز على عواقب الأمور، فيؤكّد دائماً أنّ (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(2)؛ ولكي لا يعمي الواقع الراهن أبصار الناس بزخارف أصحاب المال، ومظاهر قوّة ذوي السلطان، فإنّه يأمر الناس بأن يسيروا في الأرض فينظروا لا إلى الآثار، وإنّما إلى العاقبة والنهايات (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ)(3).
ذلك أنّ المشكلة التي تعترض الكثير من الناس هو أنّهم يريدون أن يروا النتائج عاجلة؛ فييأسوا مع تأخّرها من نصر الله، بينما ينصحهم القرآن بأن ينظروا إلى سنن الله في الذين خلوا من قبل، وهذه السُنّة لن تُخطئ مَنْ يعاصرونهم من الظالمين والمجرمين.
وفي قضية كربلاء شاهد صدقٍ على سُنّة الله في الظالمين، وبرهان حقٍّ على أنّ (العاقبة للتقوى).
انظر إلى تأريخ القتلة والمشاركين في الظلم، لم يمرّ عقد من الزمان إلاّ وقد تنشّبت بهم أنياب أعمالهم فأصبحوا في وهق خطاياهم السابقة، وهلكوا غير مأسوف عليهم من أحد.
وهذه النتائج لأولئك الأشخاص الذين قاموا بالجرائم حرصاً على دنياهم، ورغبة في بقائهم، فلا مُتع الدنيا حصلوا عليها، ولا البقاء أُتيح لهم، فكما قلنا ما مرّ عقد من الزمان إلاّ وقد ابتلعت الأرض أجسادهم، وفرّقت عن الأجسام رؤوسهم، بل ربما لو لم يرتكبوا تلك الجرائم لحصلوا على مُتع من الدنيا كثيرة، ولعمروا أكثر ممّا صاروا إليه.
يزيد بن معاوية بن أبي سفيان: المسؤول الأوّل عن قتل الإمام الحسين عليه السلام.
عجيب أنّ كُتب التأريخ قد أغفلت كيفية هلاكه، وكأنّ ذلك كان عقاب التأريخ لِمَنْ قام بما قام به من أجل أن يبقى، فإذا به في بدايات عمره من حيث السنّ (38 سنة) يهلك بنحو يختلف فيه حتّى عاد أمر هلاكه مجهولاً.
فقد نقل في ترجمة اللهوف (إلى اللغة الفارسية) ما حاصله: أنّه قد خرج للصيد فاعترضه غزال وظلّ يُطارده إلى أن انفرد عن عسكره وحرسه، ووصل إلى خباء واستسقى صاحبه ماءً فسقاه وعرّفه على اسمه، فلمّا عرفه قام إليه الأعرابي ليقتله انتقاماً للحسين عليه السلام، فهرب يزيد وتعلّق في هذه الأثناء بالركاب ولم يستطع الاستواء على فرسه، فظلّ هذا الفرس وهو مسرع يضرب به كلّ حجر ومدر حتّى هلك إلى لعنة الله (4).
ومرّ غيره على مصرعه لاعناً إيّاه؛ فأكثر مَنْ تعرّض لحديث رسول الله القائل بأنّ مَنْ أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله (البعض قال: إنّه في الدنيا. وقال آخرون: إنّه إذابته في النار. وجمع قسم ثالث بين الأمرين)، ذكره في هذا الموضع مع مسلم بن عقبة المرّي.
هل مجهولية مصرعه جزء من الإذابة؟ فقد ذكر في فيض القدير بعد أن تعرّض لشرح الحديث قال: قال القاضي عياض: وهذا حكمه في الآخرة، بدليل رواية مسلم أذابه الله في النار، أو يكون ذلك لِمَنْ أرادهم بسوء في الدنيا فلا يُمهله الله، ولا يمكّن له سلطاناً، بل يُذهبه عن قرب، كما انقضى شأن مَنْ حاربهم أيّام بني أُميّة، كعقبة بن مسلم؛ فإنّه هلك في منصرفه عنها، ثمّ هلك يزيد بن معاوية مرسله على أثر ذلك(5).
وقال الطبري: هلك يزيد بن معاوية، وكانت وفاته بقرية من قُرى حمص، يُقال لها: حوارين، من أرض الشام، لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأوّل سنة 64، وهو ابن ثمان وثلاثين سنة في قول بعضهم(6). وبهلاكه انتهى الحكم من الفرع الأموي السفياني؛ حيث لم يبقَ ابنه معاوية في الحكم غير شهرين.
عمرو بن سعيد بن العاص المعروف بالأشدق: والي المدينة الذي عيّنه يزيد بعد الوليد بن عتبة، والذي مال شدقه؛ لكثرة سبّه أمير المؤمنين عليه السلام، حتّى إذا جاءه خبر قتل الحسين عليه السلام ونودي بقتله لم يُسمع بواعية كواعية بني هاشم، هنا استخفه الطرب، وأمالته الشماتة، وتمثّل بقول القائل:
عجّت نساءُ بني زياد عجةً
كعجيجِ نسوتنا غداةَ الأرنبِ
لم يمرّ عليه إلاّ تسع سنوات حتّى كان رأسه معزولاً عن بدنه، وعاقبته هي ما يذكرها المؤرّخون؛ فإنّ عبد الملك لـمّا أحكم أمر الشام، ووجّه روح بن زنباع الجذامي فلسطين شخص عن دمشق حتّى صار إلى بطنان يريد قرقيسيا لمحاربة زُفر بن الحارث، وأمر ابن الزبير على حاله، فلمّا صار إلى بطنان من أرض قنسرين أتاه الخبر بأنّ عمرو بن سعيد بن العاص قد وثب بدمشق، ودعا إلى نفسه وتسمّى بالخلافة، وأخرج عبد الرحمن بن عثمان الثقفي خليفة عبد الملك بدمشق، وحوى الخزائن وبيوت الأموال، فعلم عبد الملك أنّه قد أخطأ في خروجه عن دمشق، فانكفأ راجعاً إلى دمشق فتحصّن عمرو بن سعيد ونصب له الحرب، وجرت بينهم السفراء حتّى اصطلحا وتعاقدا، وكتبا بينهما كتاباً بالعهود والمواثيق والأيمان على أنّ لعمرو بن سعيد الخلافة بعد عبد الملك، ودخل عبد الملك دمشق وانحاز مع عمرو بن سعيد أصحابه، فكانوا يركبون معه إذا ركب إلى عبد الملك.
ثمّ دبّر عبد الملك على قتل عمرو، ورأى أنّ الملك لا يصلح له إلاّ بذلك، فدخل إليه عمرو عشيّة وقد أعدّ له جماعة من أهله ومواليه ومَنْ كان عنده ممّن سواهم، فلمّا استوى لعمرو مجلسه قال له: يا أبا أُميّة، إنّي كنت حلفت في الوقت الذي كان فيه من أمرك ما كان، أنّي متى ظفرت بك وضعت في عنقك جامعة، وجمعت يديك إليها.
فقال: يا أمير المؤمنين! نشدتك بالله أن تذكر شيئاً قد مضى.
فتكلّم مَنْ بحضرته، فقالوا: وما عليك أن تبرّ قسم أمير المؤمنين؟
فأخرج عبد الملك جامعة من فضة فوضعها في عنقه، وجعل يقول:
أدنيتهُ منّي ليسكنَ روعه
فأصولَ صولةَ حازمٍ مستمكنِ
وجمع يديه إلى عنقه، فلمّا شدّ المسار جذبه إليه فسقط لوجهه، فانكسرت ثنيتاه، فقال: نشدتك الله يا أمير المؤمنين، أن يدعوك عظم منّي كسرته إلى أن تركب منّي أكثر من ذلك، أو تخرجني إلى الناس فيروني على هذه الصورة!
وإنّما أراد أن يستفزّه فيخرجه، وكان على الباب من شيعة عمرو بن سعيد نيف وثلاثون ألفاً، منهم عنبسة بن سعيد، فقال له: أمكراً أبا أُميّة، وأنت في الأنشوطة؟ وليس بأوّل مكر، إنّي والله لو علمت أنّ الأمر يستقيم ونحن جميعاً باقيان لافتديتك بدم النواظر، ولكنّي أعلم أنّه ما اجتمع فحلان في إبل إلاّ غلب أحدهما.
وقتله وفرّق جمعه، وطرح رأسه إلى أصحابه، ونفى أخاه عنبسة إلى العراق، وكان ذلك سنة 70 هـ.
عبيد الله بن زياد: قال إبراهيم الأشتر، القائد العسكري لجيش المختار الثقفي، بعد انتهاء المعركة بينهم وبين جيش ابن زياد في سنة 67 هـ: قتلت رجلاً شرّقت يداه وغرّبت رجلاه تحت راية منفردة على شاطئ نهر خازر فالتمسوه، فإذا هو عبيد الله بن زياد قتيلاً، ضربه فقدّه نصفين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). سورة الطلاق / 9.
(2). سورة القصص / 83.
(3). سورة النمل / 69.
(4). اللهوف في قتلى الطفوف (فارسي) / 263، مع أنّ الكاتب قد نقل الرواية عن أبي مخنف إلاّ إنّنا لم نجد في الطبري الذي ينقل عن أبي مخنف أكثر روايات المقتل ما هو مذكور أعلاه.
(5). فيض القدير بشرح الجامع الصغير ج 6.
(6). تاريخ الطبري ج 4.
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
محاضرة للمهندس العلي حول الأنماط الحياتيّة من التّراث الدّينيّ
المعنى في دُنُوِّهِ وتعاليه (2)
الأمّة المستخلفة
المعنى في دُنُوِّهِ وتعاليه (1)
نظرة إجماليّة في السّير المعنوي
علوم القرآن
يا طفل غزّة
كيف يُظهِر القرآن كلّ خفيّ ويحلّ كلّ مُعضل؟
الإله الذي نعبد
الزهراء للإمام عليّ: اشتملت شملة الجنين (2)