الشيخ فوزي آل سيف
نص الشبهة:
كيف توفّقون بين كون جابر بن عبدالله كفيف البصر في كربلاء حيث كان يقوده خادمه أو غلامه عطية، وبين كونه قد رأى الإمام الباقر عليه السلام في المدينة وهو صغير فقال شمائل كشمائل رسول الله صلى الله عليه وآله ثم بلغه سلام النبي؟ فإن كان كفيفًا، فكيف رأى الباقر؟ وإن كان مبصرًا حينئذ فكيف كان كفيفًا في الأربعين (العشرين من صفر)؟
الجواب:
في البداية نحب أن نوضح جانبًا من حياة الراوي الثقة عطية العوفي، فإنه يغمط حقه عادة مع أهمية دوره وربما لا يذكر اسمه في المحافل إلا في مرة واحدة هي كونه غلامًا أو خادمًا لجابر، ولم يكن غلامًا، وإنما هو تلميذ نجيب لجابر وراوٍ واع لأحاديثه وصاحب مواقف وإليك بعض الكلمات عنه، ثم نجيب عن السؤال الأصلي:
عطية بن سعد بن جنادة العوفي توفي سنة 111 هـ
كان أبوه سعد بن جنادة وهو من بني جديل أول من أسلم من أهل الطائف (1)، وصحب النبي صلى الله عليه وآله، وروى عنه عددًا من الأحاديث (2)، وبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله كان ممن عرف أمير المؤمنين عليه السلام، ووالاه وشارك معه في حروبه، وروى عنه بعض الأحاديث (3).
وربما كان في أواخر خلافة أمير المؤمنين عليه السلام عندما ولد له ابن، جاء به إلى الإمام عليه السلام لكي يسميه، فقال هذه عطية الله، وسماه عطية.
ونشأ عطية في الكوفة، ولذا لقبه بعضهم بالكوفي (إضافة إلى العوفي). وتشرب التشيع من أجوائها، وممن صحبهم فيها، ولعل أكثرهم تأثيرًا فيه جابر بن عبد الله الأنصاري وأبو سعيد الخدري (أو الكلبي).
ولعل الناظر إلى نوعية الأحاديث التي رواها، وأكثر منها يعرف سر تضعيف رجاليي الجمهور لعطية، فإنه قد روى حديث الثقلين (4)، وأن الأئمة اثنا عشر (5)، وحديث سفينة نوح (6)، وتفسير آية ﴿... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ ...﴾ (7) في أهل البيت (8)، وحديث الغدير، والمنزلة وسد الأبواب غير باب علي عليه السلام، وحديث إعطاء النبي صلى الله عليه وآله فدكًا، وروى خطبة الزهراء الفدكية (9) وروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله في المهدي أنه (رجل من أهل بيتي) (10).. وغيرها.
لم يكتف عطية فيما يظهر من حياته بمجرد الولاء النفسي والموقف الفكري، بل كان لديه رؤية واضحة في المجال السياسي، تجلت في موقفه المضاد للحكم الأموي معتمدًا على ما رواه من أصحاب رسول الله، عنه صلى الله عليه وآله: (إذا بلغ بنو العاص أربعين رجلًا اتخذوا دين الله دغلًا وعباد الله خولًا و مال الله دولًا..) (11).
وهو وإن لم يلحظ له ذكر في أيام الحسنين عليهما السلام، إلا ما يروى عن ذهابه مع شيخه جابر بن عبد الله إلى كربلاء يوم العشرين من صفر وافتراقه عنه بعد ذلك كما يظهر من ذيل الرواية التي نقلها عماد الدين الطبري في كتابه بشارة المصطفى، إلا أننا نلاحظ له دورًا فيما بعد كربلاء، فقد شارك بدور فاعل في ثورة المختار الثقفي، وكان على رأس الجماعة الطليعيين والأقوياء الذين أرسلهم المختار إلى مكة المكرمة، لإنقاذ الهاشميين الذين سجنهم عبد الله بن الزبير بعد أن رفضوا مبايعته، وعزم على إحراقهم في خندق إن لم يستجيبوا لبيعته.
(... فقطع المختار بعثًا إلى مكة فانتدب منهم أربعة آلاف فعقد لأبي عبد الله الجدلي عليهم وقال له سر فإن وجدت بني هاشم في الحياة فكن لهم أنت ومن معك عضدًا وأنفذ لما أمروك به وإن وجدت ابن الزبير قد قتلهم فاعترض أهل مكة حتى تصل إلى بن الزبير ثم لا تدع من آل الزبير شفرًا ولا ظفرًا ...
فسار القوم ومعهم السلاح حتى أشرفوا على مكة فجاء المستغيث اعجلوا فما أراكم تدركونهم فقال الناس لو أن أهل القوة عجلوا فانتدب منهم ثمانمائة رأسهم عطية بن سعد بن جنادة العوفي حتى دخلوا مكة فكبروا تكبيرة سمعها ابن الزبير فانطلق هاربًا حتى دخل دار الندوة ويقال بل تعلق بأستار الكعبة وقال أنا عائذ الله !!
قال عطية ثم ملنا إلى ابن عباس وابن الحنفية وأصحابهما في دور قد جمع لهم الحطب فأحيط بهم حتى بلغ رؤوس الجدر لو أن نارًا تقع فيه ما رئي منهم أحد حتى تقوم الساعة وعجل علي ابن عبد الله بن عباس وهو يومئذ رجل فأسرع في الحطب يريد الخروج فأدمى ساقيه . وأقبل أصحاب ابن الزبير فكنا صفين نحن وهم في المسجد نهارنا ونهاره لا ننصرف إلا إلى صلاة حتى أصبحنا وقدم أبو عبد الله الجدلي في الناس فقلنا لابن عباس وابن الحنفية ذرونا نريح الناس من ابن الزبير فقالا هذا بلد حرمه الله ما أحله لأحد إلا للنبي عليه السلام ساعة ما أحله لأحد قبله ولا يحله لأحد بعده ... ) (12).
ولما عادت الأمور إلى سيطرة بني أمية، وعاث الحجاج في الأرض فسادًا يتطلع إلى الرؤوس اليانعة، ويسكر بمنظر الدماء ترقرق بين العمائم واللّحى!! وضج الناس من عموم الظلم وشموله، حتى الذين كانوا محسوبين تاريخيًّا على بني أمية كبني الأشعث لم يتحملوا ذلك المقدار فكان أن أعلن عبد الرحمن بن الأشعث تمرده على الحجاج، بعدما جمّرهم في البعوث، لا يهمه غير الانتصار على عدوه لجلب الغنائم، ولا يخسر شيئًا على التقديرين، فإن قُتل هؤلاء فقد استراح من (همّ القلب) وإن قتل أولئك جاءت غنائمهم وجواريهم!!
وكان عطية من جملة الثائرين.. قال بن سعد (..خرج عطية مع ابن الأشعث على الحجاج، فلما انهزم جيش ابن الأشعث هرب عطية إلى فارس، فكتب الحجاج إلى محمد بن القاسم: أن ادع عطية فإن لعن علي بن أبي طالب وإلا فاضربه أربعمئة سوط!! واحلق رأسه ولحيته، فدعاه فأقرأه كتاب الحجاج، فأبى عطية أن يفعل، فضربه أربعمئة سوط، وحلق رأسه ولحيته، فلما ولي قتيبة خراسان خرج عطية إليه، فلم يزل بخراسان حتى ولي عمر بن هبيرة العراق، فكتب إليه عطية يسأله الإذن له في القدوم، فأذن له، فقدم الكوفة، ولم يزل بها إلى أن توفي سنة إحدى عشرة ومئة.. وكان ثقة وله أحاديث صالحة..).
وأما الإجابة على السؤال السابق : فإنه من التتبع للروايات التاريخية، وفي كتب الحديث يظهر أن هناك عدة احتمالات في وقت فقدان جابر لبصره : ـ ونحن نرجح أنه لم يكن كفيف البصر في يوم الأربعين ـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. أسد الغابة ـ 2 .
2. منها قوله صلى الله عليه وآله (إن الله زوجني في الجنة مريم ابنة عمران، وامرأة فرعون، وأخت موسى..) وفي حديث آخر يخاطب فيه خديجة، زوجني معك ...
3. منها قوله عليه السلام: أمرت بقتال القاسطين والناكثين والمارقين.. كما في تاريخ دمشق ج 42.
4. ففي مسند أحمد ج 3: حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا عبد الملك يعني ابن سليمان عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله أني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله عزوجل حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ألا إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.
5. في كفاية الأثر للخزاز القمي: أخبرنا أبو المفضل رضي الله عنه، قال حدثنا الحسين بن زكريا العدوي، عن سلمة بن قيس، عن علي بن عباس، عن ابن الحجاف، عن عطية العوفي، عن ابي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: الأئمة بعدي تسعة من صلب الحسين عليهم السلام والتاسع قائمهم، فطوبى لمن أحبهم والويل لمن أبغضهم.
6. أخرجه الطبراني في المعجم الصغير ج 2 ص 22 :
حدثنا محمد بن عبد العزيز بن ربيعة الكلابي أبو مليل الكوفي حدثنا أبي حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد المقري عن أبي سلمة الصائغ عن عطية عن أبي سعيد الخدرى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم يقول إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له.
7. القرآن الكريم : سورة الأحزاب ( 33 ) ، الآية : 33 ، الصفحة : 422 .
8. المعجم الأوسط ـ الطبراني ج 2 ص 229 :
حدثنا أحمد قال حدثنا محمد بن عباد بن موسى قال حدثنا أبو الجواب الأحوص بن جواب عن سليمان بن قرم عن هارون بن سعد عن عطية العوفي قال سألت أبا سعيد الخدري من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا فعدهم في يده خمسة رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين قال أبو سعيد في بيت أم سلمة أنزلت هذه الآية.
9. بلاغات النساء لابن طيفور.
10. كتاب الفتن للمروزي.
11. البداية والنهاية لابن كثير ـ 10.
12. الطبقات الكبرى 5.
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان