الجزء الثّاني من مقالة "أصفهان مدينة العجائب" للكاتب كمال سنو التي أوردها الشّيخ محمد جواد مغنية في كتابه (الشيعة في الميزان).
مسجد عمره ألف سنة:
وفي أصفهان مسجد قديم قديم، يرجع عمره إلى ألف سنة هو مسجد جمعه. وهذا المسجد يضم عدة أقسام، بنى كل واحد منها فاتح أتاح له القدر فرصة الحكم في أصفهان. ويكاد يتميز كل قسم من هذا الجامع بالطابع الخاص الذي يملكه فنانو كل فتح، ويقول البعض إن هذا المسجد إنما هو في الواقع كتاب تاريخ. فلقد بني هذا المسجد سنة 700 ميلادية، ويقال إنه بني في المكان نفسه الذي كان مصدر المياه الساخنة الأزلية. وقد أعيد ترميم هذا المسجد أيام حكم الخليفة العباسي المعتصم في النصف الأخير من القرن التاسع. ولحق به الدمار في العام 1050 خلال حكم السلجوقيين وأعيد ترميمه في العام 1057.
وترك الأتراك والعرب والمغوليون والفرس آثارهم في هذا المسجد، حتى أن هناك أثراً يعود إلى الأيام التي حكم فيها الأفغان مدينة أصفهان.
ولمسجد جمعه ثمانية أبواب، أجملها مدخل الجنوب الذي ترتفع فوقه مئذنتان وله واجهة آية في النقش الجميل والألوان الجذابة.
وعندما فتح المغول أصفهان أنشأوا قسماً خاصاً في المسجد كتبوا على محرابه صلاة خاصة محفورة في الخشب، كما جاؤوا بمنبر من الخشب حفر بكل إبداع، ولا يزال موجوداً حتى الآن ويعود تاريخه إلى القرن السادس عشر.
وفي مسجد جمعة جناحات مختلفة لتلقي دروس الدين، وللصلاة وفيه باحات كبيرة للصلاة.
ويوم الجمعة من كل أسبوع يغص مسجد جمعه بالمصلين، ويقدر عدد الذين يصلون فيه يوم الجمعة بأكثر من ثلاثين ألف شخص.
مدرسة وأعجوبة هندسية:
وهناك مكان له عدة أسماء: مدرسة جهارباخ، أو المدرسة، أو مسجد جهارباخ، أو المدرسة السلطانية. وهذا المكان آخر ما بناه الحكام الصفويون في أواخر القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر، وقد بنى المكان الشاه سلطان حسين الذي قتل في إحدى غرف هذا البناء الذي يضم 134 غرفة. والذي أقيم في الأساس ليكون مدرسة لاهوتية يتخرج فيها علماء الدين، وقد أنفق على بناء هذه المدرسة ومسجدها مبلغ طائل، وبنيت على أساس تحمل شتى طوارئ الطبيعة وتقلبات الجو، وجعل باب المدرسة من الفضة، وإن كانت تحجب الفضة اليوم قطع خشبية.
وفي مسجد جهارباخ أعجوبة هندسية، ففي قبة المسجد فوهة يدخل منها النور في اتجاه معين منذ شروق الشمس حتى غيابها فلا يتغير. حتى أن هذه الفوهة لا يتسرب منها الماء إلى باحة المسجد إذا أمطرت السماء.
وقد روى لي مرافقي خلال زيارتي لمسجد ومدرسة جهارباخ فقال:
لقد وضع الشاه سلطان حسين كل همه في بناء المسجد والمدرسة، ولم يكن يهمه من شؤون الدولة سوى إنجاز هذا البناء والتفرغ لعبادة اللّه. وعندما بدأت الهجمات على إيران، كان يقول: ليأخذوا إيران وليتركوا لي أصفهان، وعندما بدأ الهجوم على أصفهان قال: ليأخذوا أصفهان وليتركوا لي هذه المدرسة والمسجد، وعندما هجموا على المدرسة لجأ إلى المسجد وقال: ليأخذوا المدرسة وليتركوا لي المسجد، ولكنه قتل في إحدى غرف مدرسته، وحتى الآن لم تعرف الغرفة التي قتل فيها.
قصر الأربعين عموداً:
والمكان العجيب الآخر هو «جهل ستون» أو قصر الأربعين عموداً، وليس في القصر سوى عشرين عموداً، أما الأعمدة العشرون الأخرى فتنعكس صورتها في بركة الماء الفسيحة التي تمتد أمام الأعمدة العشرين بحيث ترى ظلها في أي زاوية تقف عندها من زوايا البركة.
وكان هذا المكان عندما أنشئ استراحة خاصة للشاه عباس، ثم جعله مجلس العرش.
أما اليوم فيستعمل دائرة للآثار ومتحفاً.
وأغلى ما في المتحف وثيقة تعود إلى أيام الفتح الإسلامي الأولى، وقد وقفت أتأمل هذه الوثيقة أكثر من نصف ساعة.
إنها الوثيقة التي أرسلها الإمام علي بن أبي طالب إلى المسيحيين يؤمنهم فيها على حياتهم. ورأيت توقيع الإمام علي وبعضاً من خط يده.
وإلى جانب ذلك نسخ مخطوطة عديدة للقرآن الكريم، مع أنواع قديمة للعملة التي كانت تستعمل في سالف الزمان، ولوحات فنية رسمت منذ أكثر من ثمانمائة سنة تمثل الحروب والفتوحات.
المآذن الهزازة:
والأعجوبة التي لا تكاد تصدق في إيران هي «منارة جمجم»، وفيها مئذنتان، وعندما قال لي مرافقي إن هذه المآذن تهتز إذا هزها الإنسان، ظننته يمزح.
وصعدت إلى المئذنة الأولى، وهززتها، فإذا بالمئذنة المقابلة تهتز أولاً، ثم تهتز المئذنة التي أقف فيها، ثم يهتز البناء كله.
وكدت لا أصدق ما جربت.
ثم صعد مرافقي إلى المئذنة وفعل ما فعلت، ورأيت اهتزاز المئذنتين والبناء. وسر هندسة هذا البناء الهزاز لا يزال مغلقاً حتى اليوم.
المياه الأزلية الساخنة:
ويتحدثون في أصفهان عن المياه الأزلية الساخنة فيقولون إن أصفهان كانت تنعم بالمياه الساخنة دائماً، ولم يستطع أحد أن يعرف سر هذه المياه الساخنة ومن أين تأتي وما الذي يسخنها.
حتى جاءت بعثة من العلماء الإنكليز فاستغربت مصدر المياه الساخنة وأخذت تبحث عنه، حتى وصلت إلى مكان وجدت فيه خزاناً كبيراً يصب فيه الماء، وقد حفر في الصخر، ووضعت تحته شمعة سوداء صغيرة مضاءة، طولها بضعة سنتمترات.
وأطفأ العلماء الإنكليز الشمعة وأخذوها إلى بلادهم ليحللوها، ولكنهم لم يستطيعوا إعادة إشعالها، كما أنهم لم يستطيعوا معرفة المادة التي تتألف منها.
ولا تزال قصة هذه المياه الساخنة لغزاً من الألغاز في تاريخ أصفهان.
جسور قديمة.
وفي أصفهان بعد ذلك جسور قديمة ترجع إلى مئات السنين، وكلها رائعة الهندسة جميلة المنظر، وبعض الجسور أقيمت لتكون معبراً ولتكون استراحات للناس، وتضمنت هذه الجسور غرفاً يجلس فيها المتنزهون أو يقضون سحابة نهارهم، يجري الماء من تحتهم وهم يطالعون أو يمرحون.
وفي أصفهان أماكن أثرية عديدة، معظمها يرتدي الطابع الديني.
وعندما نقول الطابع الديني فلا نقصد بذلك الطابع الإسلامي وحده، إذ إن في أصفهان عدداً كبيراً من الكنائس والمجامع لطوائف عديدة، وقد يستغرب البعض أن توجد حتى اليوم في أصفهان طائفة زارادشتية تعيش في مجتمعات صغيرة، ومركزها الرئيسي في نجف آباد وأرداستان.
طابع أصفهان الجديد:
وإلى جانب طابع أصفهان القديم هناك طابعها الجديد كمدينة صناعية، مشهورة بصناعة النسيج، وبشكل خاص السجاد الفاخر، والنقوش الفضية، وصناعة الدقة في تزيين الأواني الخزفية والزجاجية والخشبية.
وعلى الرغم من أن البناء الجديد أخذ يشق طريقه إلى أصفهان، إلا أن الكثيرين من الأثرياء لا يزالون يتبرعون لإقامة مزارات للأولياء يصرون على أن يكون بناؤها مطابقاً للبناء القديم. وأبرز بناء حديث على الطراز القديم، جامع السيدة زينب الذي بني منذ خمسة وعشرين عاماً.
والظاهرة الكبرى في أصفهان هي الدراجات.
إن الطلاب والعمال والموظفين والتجار كلهم يملكون الدراجات ويعتمدون عليها كوسيلة للتنقل، ويندر أن تجد في أصفهان شخصاً لا يملك دراجة.
السوق القديمة:
ولا تكتمل زيارة أصفهان، إذا لم يقم الزائر بجولة في السوق القديمة.
وتستطيع أن تشم رائحة التاريخ وأنت تجتاز السوق القديمة ماراً بدكاكين تبيع كل المنوعات من الزيت إلى السجاد إلى الخشب المنقوش والفضة المزخرفة والقماش المطبوع (كالأمكار) إلى الأشياء الصغيرة التي يحملها الإنسان معه تذكاراً لزيارته.
ومن خلال السوق القديمة تشاهد بنايات أثرية قديمة: سراي ساروتاغي، سراي غولشان، سراي مقصد باغ، سراي مخلص، سراي تالار، ومسجد جرشي ومسجد ذو الفقار.
وفي طريق العودة، لا بد لك من أن تحمل معك أطيب ما في أصفهان:
من السماء الذي امتازت به هذه المدينة. مدينة العجائب. مدينة المساجد.
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان