من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عن الكاتب :
أحد مراجع التقليد الشيعة في إيران

الولادة الميمونة لفاطمة (عليها السلام)

 (فاطمة بضعة مني، وهي نور عيني، وثمرة فؤادي، وروحي التي بين جنبيّ، وهي الحوراء الإنسية) (1)

 

كان رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) يعيش أصعب الظروف وأعقدها، في العام الخامس من بعثته النبوية الشريفة، فالإسلام في عزلة خانقة، والمسلمون الأوائل قلائل وتصاعد حدة الضغوط، ناهيك عن أجواء الظلام التي كانت ألقت بظلالها على مكة؛ إِثر الشرك والوثنية، والجهل والحروب القبلية العربية، وسيادة منطق القوة، واستشراء الفقر والحرمان في صفوف الناس.

 

كان رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) يتطلع إلى الغد، الغد المشرق الكامن وراء هذه السحب السوداء الداكنة، الغد الذي يبدو صعب المنال، وربّما المحال بالالتفات إلى الأسباب والعلل الظاهرية الاعتيادية.

 

وهنا وقعت حادثة المعراج الكبرى، التي أَذن اللّه فيها لرسوله الأكرم (صلّى الله عليه وآله) بالعروج؛ لمشاهدة ملكوت السماء (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) (2) فيرى عِظم آيات ربّه بعينه؛ لتتسامى روحه العظيمة، ويتأهب لتلقّي ثقل الرسالة المصحوبة بسعة الأمل، فقد روى الفريقان - السنة والشيعة - أنّ رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) وطأ الجنة ليلة المعراج، فناوله جبرئيل (عليه السلام) فاكهةً من شجرة طوبى، فلمّا عاد إلى الأرض انعقدت نطفة فاطمة من تلك الفاكهة؛ ولذلك جاء في الحديث أنّ رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) قال: (إنّ فاطمة حوراء إنسية، فكلما اشتقت إلى الجنة جعلت أقبّلها) (3).

 

وبذلك فإنّ هذه المولودة المباركة التي تمثّل عصارة ثمار الجنة، ولحم ودم رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله)، وتلك الأُمّ الحنون السيدة خديجة الكبرى (عليها السلام)، تكون قد وضعت حداً لطعنهم وغمزهم في النبي (صلّى الله عليه وآله) كونه أبتر لا عقب له، وعلى ضوء سورة (الكوثر) المباركة فإنّ فاطمة (عليها السلام)، هي العين الصافية التي تدفقت منها ذرية النبي (صلّى الله عليه وآله) والأئمة الهداة الميامين عبر القرون حتى يوم القيامة.

 

للحوراء الإنسية تسعة أسماء يرمز كل منها لصفات ومناقب هذه السيدة الطاهرة المباركة، وهي:

 

1 - فاطمة

2 - الصدّيقة

3 - الطاهرة

4 - المباركة

5 – الزكية

6 - الراضية

7 - المرضية

8 - المحدّثة

9 - الزهراء

 

وكفى باسمها (فاطمة) الذي يعني البشارة الكبرى لمواليها ومحبيها، فلفظ (فاطمة) قد أُخذ من مادة (فطم) بمعنى الانفصال، ومنه فِطام الولد بمعنى فصله عن الرضاعة، فقد ورد في الحديث أنّ رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) قال لأمير المؤمنين علي (عليه السلام): (أَتعلم يا علي لِمَ سُميت اِبنتي فاطمة؟. قال (عليه السلام): لِمَ يا رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله)؟ فقال (ص): إنّ اللّه عزّ وجل فطمها ومحبيها من النار فلذلك سُميت فاطمة) (4).

 

ويتألق اسم الزهراء من بين أسمائها، وحين سُئل الصادق (عليه السلام): لِمَ سُميت فاطمة (عليه السلام) بالزهراء؟ قال (عليه السلام): (لأنّ الزهراء كانت زاهرةً كالنور، فإذا وقفت في محرابها للصلاة كانت تزهر لأهل السموات، كما تزهر النجوم لأهل الأرض، ولهذا سُميت بالزهراء).

 

كان زواج تلك السيدة - التي كانت تحظى بشخصية مرموقة في مجتمعها - من النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) سبباً لمقاطعتها من قبل نساء مكة، اللاتي قلنّ: إنّها تزوجت من فتىً فقير ويتيم، فحطّت من قدرها وشأنها، وقد استمرت هذه المقاطعة حتى حملت بالزهراء (عليه السلام)، فلمّا قاربت وضع حملها بعثت خلف نساء قريش؛ ليرافقنها في لحظات الطلق والمخاض العصيبة ولا يتركنها لوحدها، فجوبهت برد باهت قاس: (إنّك لم تسمعي مقالتنا فتزوجت من يتيم أبي طالب، فليس لنا أن نساعدك!).

 

اغتمت خديجة (عليها السلام) لهذا الرد الباطل، لكن قلبها كان يطفح بنور الأمل، الذي يشعرها بأنّ ربّها لن يتركها وحيدة، وبدأت لحظات الوضع الصعبة مع غربتها ووحدتها في البيت، ولم تكن هناك خادمتها التي يمكنها الوقوف إلى جوارها، أملاً فتفتح عينها لترى أربعاً من النساء فينتابها القلق، فنادتها إحداهنّ قائلةً: لا تبتئسي! فقد بعثنا ربك لنجدتك، نحن أخواتك، فأنا سارة وهذه آسية زوجة فرعون وهي رفيقتك في الجنة، وتلك مريم بنت عمران، أمّا هذه فهي كلثوم ابنة موسى بن عمران، وقد جئنا لنلبّي أمرك، فمكثنَ عندها حتى وضعت فاطمة سيدة النساء (5)، ولم يكن ذلك بدعاً فقد قال الحق سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا) (6) إضافةً إلى الملائكة فقد حضرتها أرواح نساء العالم لنجدتها ومعونتها، فسرّ رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) وحمد اللّه وأثنى عليه، وخرست ألسن خصومه ممّن نعتوه بالأبتر؛ حيث بشّره سبحانه بهذه المولودة المباركة (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 - رياحين الشريعة، ج2 ص 21.

2 - رياحين الشريعة، ج2 ص21.

3 - نقل هذا الحديث باختلاف طفيف السيوطي في الدر المنثور، والطبري في ذخائر العقبى، وعلي بن إبراهيم في تفسيره. وإن كان المعروف هو أنّ المعراج وقع في السّنوات الأخيرة من مكة، إلاّ أنّ الذي يستفاد من الرّوايات هو حصول المعراج لأكثر من مرة، وعليه فليس هناك من منافاة في ولادة سيدة النساء في السنة الخامسة من البعثة النبوية المباركة.

4 - ورد هذا الحديث في أغلب كتب العامة من قبيل (تاريخ بغداد) و(الصواعق المحرقة) و(كنز العمال) و(ذخائر العقبى).

5 - سورة فصلت، آية 30.

6 - سورة فصلت، آية 30.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد