
الشيخ جعفر السبحاني ..
في السنة التي شدّ فيها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الرحال مهاجراً من مكة إلى المدينة، وقبل أن يرد المدينة المنوّرة حطّ رحاله في منطقة «قبا» منتظراً الإمام علياً(عليه السلام) للدخول معاً إلى المدينة . وفي هذه الفترة بنى الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في تلك المنطقة ـ والتي يفصلها عن المدينة اثنا عشر كيلومتراً ـ مسجد «قبا» لقبيلة «بنو عمرو بن عوف» أبناء عم «بنو غنم بن عوف» و جعل ذلك المسجد محلاً للعبادة لأبناء «عوف» بسبب بعدهم عن المدينة المنورة.
وكان لحزب النفاق في تلك المنطقة البعيدة عن المركز، حركة فاعلة دؤوبة، ومن كبار المنافقين وقادتهم«أبو عامر» الذي كان يقود الحركة ويوجهها من خارج المدينة، وكان هذا الرجل يفكّر على غرار تفكير أعداء الإسلام والحركات التخريبية والهدامّة المعاصرة، حيث إنّ الأُسلوب الأمثل يكمن في ضرب الإسلام وتقويض أركانه وتوجيه الطعنة القاتلة له من خلال اعتماد نفس مفاهيم الإسلام أو نفس سلاح الإسلام، ولذلك وجّه رسالة إلى حزبه من المنافقين يدعوهم فيها إلى التجمّع في هذه المنطقة الآمنة لتكون منطلقاً لهم في أعمالهم التخريبية، والتحرّك منها في الفرصة المناسبة للقضاء على الإسلام وقلع شجرته الفتية من جذورها.
وهكذا بقي هذا الحزب يحيك المؤمرات ويدبّر الخطط إلى الوقت الذي كان رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) يتجهّز إلى «تبوك»، حيث أتاه جماعة من المنافقين وطلبوا منه أن يسمح لهم ببناء مسجد في محلّتهم بقباء بحجة أنّ ذوي العلّة والحاجة لا يمكنهم أن يقطعوا المسافة إلى مسجد النبي للصلاة فيه في الليلة المطيرة والليلة الشاتية، فأوكل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أمر النظر في طلبهم إلى ما بعد العودة من تبوك.( [1])
ولقد ذكر لنا التاريخ أسماء اثني عشر شخصاً من أعمدة حركة النفاق التي سعت في تأسيس وكر التجسّس المذكور، منهم: «نبتل بن الحارث» و الذي أُوكلت إليه مهمة التجسّس لصالح المشركين والكافرين، و«وديعة بن ثابت» الذي يُعدّ من رؤوس النفاق المعروفين لدى المسلمين.
وعلى كلّ حال لم ينتظر حزب النفاق عودة الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) من سفره الذي دام أربعة أشهر فبدأوا في بناء المسجد، ومن أجل التقليل من قيمة ومنزلة مسجد «قبا» الذي بناه الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) من قبل، أشاعوا انّ أرض المسجد كانت مربط حمار أحد النساء، ولذلك لا يليق بالمسلمين الصلاة وأداء عبادتهم في أرض هي مربط حمار!!
وبعد أن أتمّوا بناء المسجد والإشاعة التي أثاروها ضد مسجد «قبا» حاولوا أن يحكموا خطتهم من خلال الدين أيضاً حيث اختاروا مجمع بن حارثة ـ و هو أحد الشباب الصالحين والمؤمنين ـ ليكون إماماً للمسجد لتنطلي الحيلة على المسلمين ويتحقّق هدفهم الذي يسعون لأجله حيث ينجذب الشباب إلى مسجدهم أو ينقسم المسلمون إلى مجموعتين، ومن هنا يكونوا قد بذروا البذرة الأُولى للتفرقة والتشتّت.
وحينما عاد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) من سفره من تبوك حاولوا استغلال الفرصة لإكمال الخطة على أحسن وجه، فحضروا عنده، وطلبوا منه أن يصلّي في مسجدهم ركعتين ليُسبغوا بذلك الشرعية على مركزهم، ولتكون تلك الصلاة ذريعة لهم في مواجهة أيّ محاولة تشكيكية أو مواجهة يتعرّضون لها، وفي تلك الأثناء نزل أمين الوحي جبرئيل(عليه السلام) على الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ليطلعه على حقيقة الأمر، وليكشف له جميع خطوط المؤامرة والأهداف المشؤومة التي تكمن وراء هذا العمل الذي هو في الظاهر عمل حسن، ومن هذه الأهداف:
1. بثّ الفرقة بين المؤمنين: ( وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنينَ ) .
2. انّ هذا المركز في حقيقته يمثّل وكراً للتجسّس ضد المسلمين ولصالح عدو الإسلام«أبي عامر»: ( وَارْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْل ) .
وحينما اطّلع النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) على المؤامرة الخبيثة أمر بحرق سقف المركز المذكور، ثمّ أمر بنقض جدرانه وتسويتها بالأرض، ولم يكتف الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك بل أمر المسلمين بأن يتّخذوا من ذلك المكان محلاً لجمع القمامة والنفايات تحقيراً وتوهيناً لذلك الوكر الذي أُريد له أن يكون وسيلة لضرب الإسلام من خلال سلاح الدين نفسه.
ولقد أشارت آيات الذكر الحكيم إلى تلك الحادثة وأهدافها بما لا مزيد عليه، وها نحن نذكر تلك الآيات المباركة: ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْريقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ) .( [2])
وقال تعالى:
( لا تَقُمْ فيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْـوى مِنْ أَوَّلِ يَوْم أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فيهِ فيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرينَ ) .( [3])
وقال سبحانه:
( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللّهِ وَرِضْوان خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ على شَفا جُرُف هارفَانْهارَ بِهِ في نارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لايَهْدِي الْقَومَ الظّالِمينَ ) .( [4])
وفي آية رابعة:
( لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا ريبَةً في قُلُوبِهِمْ إِلاّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللّهُ عَليِمٌ حَكِيمٌ ) .( [5])
ومن هنا نعرف أنّ المنهج الذي يعتمد في العصر الحاضر ـ وفي الكثير من الدول التي ينتشر فيها الإسلام ـ من خلال ضرب الدين بسلاح الدين لم يكن من مبتكرات ذهنية رجال السياسة والجاسوسية المعاصرة، بل سبقهم إلى ذلك وبزمن طويل جدّاً خط النفاق ورجاله والذين كان مسجد ضرار المثال البارز لحركتهم الهدّامة.( [6])
[1] . راجع المغازي:3/ 1046.
[2] . التوبة: 107.
[3] . التوبة: 108.
[4] . التوبة: 109.
[5] . التوبة: 110.
[6] . منشور جاويد:4/123ـ 127.
هل حان الوقت لتصنيف مرض الزهايمر على أنه مرض السكري من النوع الثالث؟
عدنان الحاجي
معنى (قضى) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
النّفاق والتّظاهر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
في رحاب بقية الله: عقيدة النجاة
الشيخ معين دقيق العاملي
حياتنا بين البخل والترف
الشيخ حسين مظاهري
التمهيد إلى ميتافيزيقا إسلاميّة بَعديّة (4)
محمود حيدر
ما الذي ينقصنا في عصر المعرفة؟
السيد عباس نور الدين
انظر.. تبصّر.. هو الله
الشيخ شفيق جرادي
قرية كافرة بأنعم الله
الشيخ محمد جواد مغنية
لا مُعين سواه
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيدة الزهراء: وداع في عتمة الظلمات
حسين حسن آل جامع
واشٍ في صورة حفيد
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
هل البكتيريا تأكل البلاستيك حقًّا؟
هل حان الوقت لتصنيف مرض الزهايمر على أنه مرض السكري من النوع الثالث؟
(ما رأيت إلّا جميلاً) باكورة أعمال الكاتبة نور الشخص
معنى (قضى) في القرآن الكريم
النّفاق والتّظاهر
في رحاب بقية الله: عقيدة النجاة
حياتنا بين البخل والترف
ندوة بعنوان: كيف تؤثّر الفلسفة في الأدب؟ لنادي أطياف الأدبيّ
تجهيز البيت: بين البساطة والتكلّف
الإيمان والعمل الصالح