قراءة في كتاب

النّاصح: من عرف نفسه فقد عرف ربّه


ربى حسين ..

روي عن الإمام علي بن محمد الهادي (ع) أنّه قال: "لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم من العلماء الداعين إليه، والدالّين عليه، والذابّين عن دينه بحجج الله.... لما بقي أحد إلاّ ارتد عن دين الله، ولكنهم الذين يمسكون أزمّة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكّانها، أولئك هم الأفضلون عند الله عز وجل".
"النّاصح مما علم رشدًا العبد محمد تقي بهجة"، جمعه مركز حفظ ونشر تراث المرجع الأعلى الشيخ محمد تقي البهجة. والناصِح في اللغة الخالِص الصافي، ورجل ناصِح أي نقيّ القلب، وعندما يُطلق الاسم على كتاب نعني أنّ صاحبه فيه هذه الخصال، فهو ناصِح لنفسه من جهة، وناصح ومعلّم لغيره- من خلال سلوكه ووصاياه- من جهة أخرى.


ادخلوها بسلام آمنين
ضمّ الكتاب وللمرّة الأولى رسالة من العالم الرّبّاني السّيد عبد الحسين دستغيب يخاطب فيها العارف الشّيخ محمد تقي بهجة (البالغ مناه). كما وعرض بطاقة تعريف بالشّيخ بهجة الّذي اكتسب من علماء كبار صفات محمودة اشتهر بها سماحته،  كالمعرفة، الاجتهاد، السّير، والسّلوك.


نبذة عن سيرة حياة سماحته
كان والد الشّخ بهجة في السّابعة عشر من عمره وبسبب مرضٍ ألم به نازع سكرات الموت. إلّا أن القدرة الإلهيّة شاءت أن يبقى على قيد الحياة، إثر رؤيا كانت أشبه برؤيا الأنبياء، بشّرت بقدوم هذا الطّفل حيث سمع وقتها صوتًا ينادي: "دعوه إنّه والد محمد تقي".
منذ نعومة أظافره كان بعيدًا عن ملذّات الدّنيا غارقًا في عالمه الإلهي الخاص، معروفًا بحبه العميق لسيّد الشّهداء عليه السّلام الّذي تمنى أن يزوره في حين كان رفاقه يتمنون بعضًا من الألعاب اللّطيفة.


مسيرته العلميّة
ضمن هذا الفصل كان الحديث عن علمه ونبوغه وجدّيته في التحصيل. يذكر في هذا الإطار أنّ أستاذه الشيخ محمد كاظم الشيرازي أفتى عليه بوجوب أن يطرح كل ما يدور في ذهنه من إشكالات ومداخلات أثناء الدرس.
بدأ سماحته دراسته في بلدته (فوهن)، فأنهى في حوزتها ومسجدها المقدّمات، ثم سافر إلى كربلاء المقدسة، حلمه الأكبر، لإكمال مسيرته العلمية عند أكابر العلماء، ومنهم: آية الله السيد محمود الشاهرودي. وآية الله العارف السيد القاضي. ثمّ شرع في دراسة البحث الخارجي عند: آقا ضياء الدين العراقي، والميرزا النائيني وغيرهم.
يحكي الكتاب كيف عاد سماحة الشيخ البهجة إلى إيران عام 1364هـ، ليعالج مرضه الذي ألمّ به، إضافة إلى مرحلة زواجه، وقرار عودته إلى النجف.  اضطّر سماحته إلى البقاء في قم حيث باشر التدريس، وبرز واحداً من الأساتذة الكبار الذين أوصى العلماء، ومنهم الإمام الخميني بحضور درسه. حيث كانت له منهجية علمية خاصة وجديدة في طرح المباحث الفقهيّة والأصوليّة. واشتهر سماحته بفراره الدّائم من الشّهرة الّتي لا تعدّ أمرًا محمودًا لدى أولياء اللّه المخلصين، وهروبه من التّصدي للمرجعيّة وحتّى نشر رسالته العالميّة الخاصّة به.


شهادات بحقّ سماحته
يزخم هذا الكتاب الّذي يوصي بقراءته الكثير من علماء اليوم بالقصص المرويّة عن سماحته والّتي تدل على علو مقاماته العلميّة والعرفانية. وضمن هذا الإطار يذكر الكتاب أنّ الشّيخ بهجة وجد ضالّته عند العارف الأوحد السيد القاضي؛ فحضر درسه ولازمه حتى قال فيه: "لقد أبدى الشيخ البهجة ترقيات استثنائية".
كما وينقل نجل الشّيخ بهجة قصّة أحد المتموّلين في الدّنمارك الّذي قطع المسافات ليأتي إلى قم ليسلّم الأموال الشّرعيّة باليد لسماحته بعد أن كان توسّل بصاحب الزّمان (ع) وسمع بعدها صوتًا واضحًا جدًّا يقول: "توصله ليد خليفتنا الشّيخ بهجة". نعم، لقد منح اللّه لعبده الصّالح الشّيخ بهجة من نوره ما جعله مشكاة للآخرين يفيض عليهم من المعارف الرّبّانية في كل ما يلزمهم من أمور حياتهم.


منهج سماحته في سواء الصّراط
بعد سرد سيرة ذاتيّة لا تشبه أيًّا من نزلاء هذه الأرض يطالعك فصل خصّص للحديث عن العرفان الإلهي في مدرسّة الشّيخ بهجة. كما تطرّق إلى حياته الإلهيّة، ومبادئ عرفان هذه المدرسة، مؤكّدًا أن العرفان الحقيقي يؤخذ من أهل البيت عليهم السّلام فقط.


الحدائق
يحتوي الكتاب على سبعة حدائق. أولى هذه الحدائق تضمّنت البرنامج العبادي اليومي لسماحته والّذي كان له أثار فضلى عليه.
جمعت الحديقة الثّانيّة مجموعة من الرسائل والوصايا لسماحته تحت عنوان: "عسلٌ مصفّى"، مرفقة بصور لبعض الرسائل المكتوبة بخط سماحته. وتضمّنت الحدائق الأخرى بعضًا من المحاضرات التّي اتّسمت بالبساطة، داعيةً إلى التّفكّر أكثر في أمور هذه الدّنيا. كما وضم الكتاب أربع بيانات لسماحته يتحدّث في واحدة منها عن تبيين معنى تعظيم الشّعائر بمناسبة الافتتاح ورفع السّتار عن القبّة المذهّبة لحرم السّيدة المعصومة في قم.

خصّصت الحدائق الأخرى لعرض شيء من حكمه الموجزة، إضافة إلى توصيات لسماحته وردت في موضوعات محدّدة مثل: الحفظ، الشفاء، زيادة الرزق، وإبطال السحر. أكثر ما ميّزها هو أنّها: قصيرة، عميقة، وسهلة، تستند إلى تراث علميّ وعرفاني اكتسبه سماحة الشيخ العارف من أهل البيت (ع) .

القسم الأكبر من الكتاب كان تحت عنوان "رياح لواقح"، وهو يضم باقة من الأسئلة والأجوبة  لسماحته تعرّضت لمختلف المواضيع الحياتيّة، الخارجيّة والباطنيّة. كما تضمّن موضوع الظّهور والانتظار، شؤون الصّلاة وحضور القلب، أهميّة التحصيل، وبلوغ الكمالات. الختام كان للأجوبة العلاجيّة لبعض المشاكل الدّنيويّة الّتي يتعرّض لها المؤمنون في حياتهم الخاصّة كما العامّة.

وعلى الغلاف الخلفي للكتاب، عبارات كتبها أشخاص مقرّبون من سماحته، كافية لتشير إلى أنّ الكتاب- على اختصاره- بمنزلة أستاذ لمن أراد السير والتقرّب إلى الله تعالى وفق منهج القرآن وأهل البيت عليهم السلام.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد