مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد عادل العلوي
عن الكاتب :
السيد عادل العلوي، عالم فاضل وخطيب وشاعر، ولد في السادس من شهر رمضان 1375ﻫ في الكاظمية المقدّسة بالعراق. درس أوّلاً في مسقط رأسه، قبل أن يسافر مع أفراد عائلته إلى قمّ المقدّسة عام 1391ﻫـ ويستقرّ فيها مكبًّا على الدّرس والتّدريس والتأليف، له كثير من المؤلّفات منها: دروس اليقين في معرفة أصول الدين، التقية بين الأعلام، التوبة والتائبون على ضوء القرآن والسنّة، تربية الأُسرة على ضوء القرآن والعترة، عقائد المؤمنين، وغير ذلك. تُوفّي في السابع والعشرين من ذي الحجّة 1442ﻫ في قمّ المقدّسة، ودفن في صحن حرم السيّدة فاطمة المعصومة (عليها السلام).

من أسرار عاشوراء الحسين (ع)

إن عاشوراء الحسين (ع) الخالدة بكلّ معالمها وعوالمها، ومظاهرها وظواهرها تعني الصراع بين الحق والباطل، بين الأخيار والأشرار، بين الرذائل والفضائل، بين النور والظلام، بين جنود الرحمن وجنود الشيطان، بين الإيمان والنفاق، وذلك منذ هبوط آدم على الأرض وإلى يوم القيامة، فإنّها وإن وقعت حقيقة عاشوراء في اليوم العاشر من محرم الحرام سنة 61 من الهجرة النبوية في كربلاء المعلّى، وفي عصر بني أميّة، وخليفة الفسق والفجور شارب الخمور السّفاك يزيد بن معاوية، والراضين بفعله من قبله ومن بعده، وإنهم يستحقون العذاب واللّعن الأبدي كما في زيارة عاشوراء نشید السّماء، فإنّه يتقرّب بلعنهم والتبري منهم، إلاّ أن هذا لا یعني أنّه يختص بهم ولا يتعدی إلى غيرهم، بل يعمّ ويشمل كل من رضي بفعلهم الظالم قولاً وعملاً، وكلّ من سلك مسلكهم في إقامة الحكومة والدولة، ولم يؤمن بإمام عادل، وولي صادق وخليفة حق، نصّ عليه الله سبحانه ونصيبه رسول الله.

 

فالتّبرى وشعاره اللّعن يشمل الجميع (اللّهم العن بني أُميّة قاطبة) وإن لم ينتسبوا إليهم نسباً وصهراً، فمن ينتسب إليهم نسباً وصهراً وحسباً وقبيلة، إلاّ أنه لم يكن على مذهبهم وفي خطّهم وعقائدهم ولم يرضَ بفعلهم وعملهم بل يتبرأ منهم، كما يتبع مذهب الحق ويؤمن بإمام زمانه المعصوم (ع)، فهذا لا تشمله اللّعنة وما ورد في زيارة عاشوراء (اللّهم العن بني أمیّة قاطبة) أي جميعاً. كما ورد هذا المعنی في رواية سعد الأموي وكان من أصحاب الإمام الصادق (ع)، فإنّه بكى في حضرته، وأنّه هل تشمله اللعن الأموي قاطبة الوارد في الزيارة؟! فالإمام الرؤوف (ع) طمأنه بأنه لا تشمله ما دام هو من أهل البيت عليهم ‏السلام وليس من الشجرة الملعونة في القرآن الكريم، ما دام لم يواليهم ولا يحبّهم ولا یتبعهم، بل كان من أتباع أهل بيت رسول الله والعترة الطاهرة.

 

وقد ورد في الحديث الشريف: إن أعدائنا من الفراعنة، فاللّعن ولعن الظالمين من أدب الله في كتابه المجيد على طول الخط والمسار، منذ أول جريمة في العالم يوم قتل قابيل أخاه هابيل وإلى يوم القيامة. فاللّعنة الإلهيّة على الظلم والظالمين ومن كان مخالفاً للدين وأهله وهذا ممّا ثبت رجحانه عقلاًَ ونقلاً بالكتاب والسّنة.

 

سبحانه وتعالى أراد نصر دينه برجاله وبالمؤمنين والمؤمنات، وإنّ الأرض سيرثها عباد الله الصالحون، ومن وعده الصادق أنّه سيظهر دينه على الدين كلّه، ولو كره المشركون.

 

والعالم بانتظار ذلك اليوم الموعود، ولابدّ لأصحاب الحق وأرباب الحقيقة وأتباع مذهب أهل البيت عليهم ‏السلام من الانتظار الإيجابي للدولة الكريمة التي يعزّ الله فيها الإسلام وأهله، ويذلّ فيها النفاق وأهله، وهذا يعني بوضوح انتظار المستقبل المشرق بنور الله (وأشرقت الأرض بنور ربّها) بإقامة العدل في أرجاء المعمورة بإمام عادل ومعصوم، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً. ولا ريب أن العالم في واقعه وضميره ينتظر المصلح العالمي ويوم الخلاص وإن كان أكثرهم من الفاسقين والضالين والمضّلين إلاّ أن الأجواء الإنسانيّة والحكومات الظالمة والجائرة في سحق الكرامة الإنسانيّة والحريات المعقولة، تجعل البشرية كلّها تنتظر ذلك اليوم الموعود، يوم الخلاص من الظلم والجور والفسق والفجور.

 

وهذا الانتظار العالمي والانتظار الشيعي الخالص إنّما هو مقدّمة من مقدّمات تحقّق الوعد الإلهي وتشكيل حكومته، الذي لا يزال العالم بانتظاره ولم یحكم الأرض بتمامها، وإن نزلت كتب السماء، وبعث الله الأنبياء والرسل والأوصياء، ولكن لم تكن الأرض يوماً مظهراً تاماً لعدل الله سبحانه.

 

ثم الانتظار والمنتظر بمعناهما الخاص كما في الثقافة الشيعيّة ممّا يتجلّى في مدرسة أهل البيت وعند أتباعهم بالشوق والعشق، والبكاء والندبة، وتهذيب النفوس والإيمان بالغيب والعمل الصالح والعلم النافع والمعرفة الصادقة والقرب الروحي والمعنوي. ومن المنتظرين المؤمنين من صلح نفسه ويمهدّها ليوم الظهور وفي خدمة مولاه وإمام زمانه من منطلقات العاشوراء الحسيني والانتظار المهدوي، أولئك من خواص أصحاب الحجة المنتظر(عج).

 

إنّ المنتظرين في عصر الغيبة الكبرى وفي دائرة الانتظار وفي أيام عاشوراء في كل عام، وتفاعلهم مع قضية سيّد الشهداء (ع) في كل عصر وعصر، وبمظاهر الحزن والأسى، إنّما هم على أصناف ثلاثة:

 

فمنهم من يعصي الله ورسوله وإمام زمانه، ولم يأخذ العبر والدروس من عاشوراء الحسين (ع).

 

ومنهم من يواظب على نفسه صابراً محتسباً، يحبس النفس عن المعاصي، ويصبر على إتيان الطاعات كما يصبر في المصائب.

 

ومنهم وهم الأقلّون (وقليل من عبادي الشكور) من يزيد في ذلك بتهذيب نفسه بالجهاد الأكبر، ويبالغ في جهده وجهاده في كسب رضا مولاه إمام زمانه.

 

ومن الواضح أنه ليس كل شيءٍ يكون بنحو الإعجاز، وإن كانت حياة الإمام المهدي ـ روحي فداه وعجّل الله فرجه الشريف ـ وطول عمره من الإعجاز. فعاشوراء اليوم لها علاقة وطیدة مع الانتظار ومع المهدوية ومستقبل العالم.

 

عن مولانا سيّد الشهداء الإمام الحسين (ع) قال: «منّا إثنا عشر مهدياً، أوّلهم أمير المومنين، وآخرهم التاسع من ولدي يُحيي الله به الأرض بعد موتها، ويظهر الدين على الدين كلّه، ولو كره المشركون».

 

وهذا يعني أن الهدف المنشود في ثورة الإمام الحسين (ع) ونهضة عاشوراء الخالدة، إنّما يكون بظهور الحجة (ع)، وإنّ استراتيجية هذا الصراع البشري في التاريخ الإنساني على مرّ العصور والدهور، وإلى عصرنا هذا وغداً وإلى يوم الظهور، إنّما هو إيصال البشر إلى كما لهم وسعادتهم، وهو العبودية لله سبحانه، خالصاً من الشرك والرياء، والتحرّر عن آفات النّفس الأمارة بالسّوء، وكسر القيود وسلاسلة الجاهلية الأولى والثانية، والوصول إلى السعادة الأبدية ولقاء الله في دار كرامته، في معقد صدق في ظلّ عرش الله عند مليك مقتدر.

 

وثورة الإمام المهدي (ع) في آخر الزمان إنّما هي استمرار وديمومة للثورة الحسينية ومنطلقاتها العاشورية وهذا الأمر جاء على ضوء فلسفة التاريخ، كما هو كذلك على ضوء الأحاديث الشريفة من بيت الوحي والعصمة. فإنّ المـُنتقم الحقيقي لدم الشهداء في كربلاء وولي السلطان لدم القتل ظلماً في نينوى، إنّما هو ولي الله الأعظم ومن ثم ستكون رايته الخفاقة يوم الظهور يلوح منها الشعار الحسيني "يا لثارات الحسين(ع)".

 

كما أنه عند ظهوره بين الركن والمقام ينادي بنداءات خمسة: 1 ـ ألا يا أهل العالم أنا الإمام القائم. 2 ـ ألا يا أهل العالم أنا الصمصام المنتقم. 3 ـ ألا يا أهل العالم إنّ جدّي قتلوه عطشاناً. 4 ـ ألا يا أهل العالم إنّ جدّي طرحوه عرياناً. 5 ـ ألا يا أهل العالم إنّ جدّي الحسين سحقوه عدواناً.

 

وفي زيارة الناحية قال (ع): (فلئن أخرتني الدهور، وعاقني عن نصرك المقدور، فلأندبنّك صباحاً ومساءً لأبكينك بدل الدموع دمًا) إن الأنبياء وأوصیاءهم من آدم إلى الخاتم، إنّما هم بمنزلة العلة المحدّثة للإسلام، بمعناه العام، من التوحيد والتسليم والإيمان بالمبدء والمعاد.

 

وأما العلة المبقية للنبوة والإمامة والوصاية، وحلقة الوصل بين الماضي والمستقبل، إنّما هو الإمام الحسين سيّد الشهداء (ع) ويوم عاشوراء، فهو حلقة وصل بين الصالحين في الماضي والصالحين في المستقبل، وزبدة العلتين المحدّثة والمبقية للإسلام إنّما تتجلّى في آخر الأوصياء، فإنّه بظهوره يتحقّق حلم الأنبياء الأوصياء.

 

إنّ دم سيّد الشهداء ودم أهل بيته وأصحابه روّى شجرة التوحید ودوحة المعاد (إن كان دين محمد لم يستقم إلاّ بقتلي فيا سيوف خذيني). وإذا انتصر الإسلام في يوم الخندق وكان ضربة أمير المؤمنين أفضل من عبادة الثقلين، فإنّه برز الكفر كلّه للإسلام كلّه، وبقتل عمرو بن ود العامري انتصر المسلمون، وأعزّ الله الإسلام وأهله، فإنّه في يوم عاشوراء برز الإيمان كلّه للنفاق كلّه المتمثل بعد رحلة رسول الله بالخط الغاصب وبخلافة يزيد الفاجر، الّذي كانت جذور خلافته الجائرة منذ أن كان رسول الله (ص) مطروحاً على الأرض، ولما يُدفن، وقامت الفتنه على قدم وساق وإلى عصر بني أُميّة وبني العباس وإلى يومنا هذا، فإن يزيد ومن على شاكلته أراد طمس معالم الدين الإسلامي ومحوه، وإنّه (لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل).

 

فبين سيّد الشهداء زيفهم للتاريخ فثار ضد الظلم والفساد وأراد الاصلاح في أمّه جدّه محمدﷺ إلى يوم القيّامة، فلم يبق من بني أميّة إلاّ لعنة التاريخ علیهم ولعنة الله والأنبياء والبشرية جمعاء إلاّ شرّ ذمة قليلة ممّن من كان في نهجهم اليزيدي ورضى بفعلهم من المنافقين المعاصرين، ومن يعرفهم الناس على منابرهم وفي فضائیاتهم ودفاعهم عن يزيد الملعون، حتى قالوا عنه إنه من الخلفاء الإثنی عشر، الذين بشرّ بهم رسول الله من النقباء الصلحاء الذي يشيّد الله ويقوّم الدين بهم.

 

وسيبقى الإمام الحسين (ع) مصباح الهدى وسفينة النجاة، ومشعل الحرية والكرامة لكلّ الأجيال وعلى مرّ الدهور والعصور. فمن رضي بفعل يزيد الأموي قولاً وعملاً، وكان في خطّه ودینه ومرامه وحكومته الأمويّة وإلى يوم الظهور فإنّه لا محالة يدخل في المعسكر اليزيدي، فإنّه من أحب عمل قوماً شاركهم.

 

فالأمويون والعبّاسيون ومن يحذو وحذوهم، فإنّه سينتقم الله منهم في يوم الظهور، كما إنّه ملعون على لسان الله رسوله والصالحين على طول التاريخ. ثم على ضوء الدين والسياسة والدولة والأمّة، والعلاقة بين الأهداف والآليات الموصلة إليها، نجد ما به الاشتراك واضحاً ما بين الثورة المهدوية العالمية في آخر الزمان والثورة الحسينية العاشورائيّة في السنة 61 من الهجرة وهو وحدة الأهداف والآليات الموصلة إليها، فهما من مبدأ ومصدر واحد، ولهدف وغاية موحّدة، وهي إقامة العدل الإلهي في الأرض كلّها.

 

ومن ثمّ كان كمال وجمال الأهداف والبرامج في يوم الظهور يتمحور في اللّوحات التالية، التي هي لوحات حسينية على مرّ التاريخ، ولكلّ الأجيال المتلبّسة بثوب الانتظار، لقيام دولة الحق العالميّة. وأهم اللوحات كما يلي:

 

أوّلاً: الحرب مع الطغاة والظالمین.

 

وثانياً: طلب العدل ومطالبة الإصلاح في الأمّة والبشرية.

 

وثالثاً: محاربة الظلم والجور والفساد في كل مجالات الحياة وحقولها وفي كل طبقات المجتمع وأطيافه.

 

ورابعاً: تهذيب النفوس وتربية الإنسان تربية إسلاميّة وصنعه صنعاً الهياً، عارفاً وعالماً ربانيّاً، ومؤمناً أميناً ومجاهداً مخلصاً.

 

وخامساً: تشكيل حكومة عالمية عادلة يسودها العدل والإحسان والعزّة والكرامة. فانتظرو إنا معكم من المنتظرين، أليس الصبح بقريب، نصر من الله وفتح قريب.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد