فيلسوف إسلامي شيعي، ولد في مدينة يزد في إيران عام 1935 م، كان عضو مجلس خبراء القيادة، وهو مؤسس مؤسسة الإمام الخميني للتعليم والبحث العلمي، له مؤلفات و كتب عدیدة فی الفلسفة الإسلامیة والإلهیات والأخلاق والعقیدة الإسلامیة، توفي في الأول من شهر يناير عام 2021 م.
الاعتدال بين الانزواء والعِشرة
من جملة الفوائد التي ذكروها للانزواء والعزلة:
الانزواء عن المجتمع يحقّق الفراغ أو الشوق للعبادة والتفكّر بالأمور الدنيويّة والأخروية والأنس بمناجاة الله والاستعداد لإدراك الأسرار الإلهيّة والتفكّر بعجائب الخلقة...
بالاعتزال يخلص الإنسان من الكثير من المعاصي، تلك المعاصي التي تحدث غالباً في أجواء المخالصة مثل الغيبة والرياء...
الخلاص من النزاعات والاختلافات وحفظ الدين ومنع النفس عن المزالق الاجتماعيّة...
النجاة من أذيّة الناس: فأحياناً يؤذي الناس هذا الإنسان بالتورّط في الغيبة وأحياناً بإساءة الظنّ به وتارة باتّهامه وأخرى بالتعرّض له والطمع فيه...
العزلة والانزواء تجنّب الإنسان طمع الناس فيه وطمعه فيهم، فراحة الإنسان حين يقطع الناس طمعهم فيه، ذلك لأنّ الإنسان لا يمكنه أن يُرضي الناس كلّهم وبشكل دائم، لأنّ توقّعاتهم ستبقى أكثر ممّا يقدر عليه. ولهذا فإنّ القيام بإصلاح النّفس أهمّ من الحصول على رضا الناس...
من يختار الانزواء يكون في راحة من رؤية المغرورين والحمقى الذين يؤذون الإنسان بتصرفاتهم... لهذا، من الناحية الدنيويّة، إنّ مشاهدة الحمقى والمغرورين تترك أثراً سيّئاً في روح الإنسان، ومن الجهة الأخروية، حين ينظر إليهم الإنسان وينزعج فإنّه لن يتوانى عن القيام بغيبتهم...
فوائد العشرة والمخالطة:
إنّ الكثير من الأهداف والحاجات الدينيّة والدنيويّة تحصل بمساعدة الآخرين، وبدون معاشرتهم ومخالطتهم لا مجال لتحققها، فما نناله من هذه العِشرة نُحرم منه بالعزلة والانزواء... وبالتوجّه إلى ما ذكر يُمكن الإشارة إلى بعض أهمّ فوائد العِشرة:
التعلّم والتعليم الذي يعرف الجميع أهميّته، وهو من أجلّ العبادات، وهو لا يتحقق بدون العشرة...
الاستفادة من الآخرين وإيصال النفع إليهم (وما يتوقف على ذلك من الثواب العظيم كخدمة المؤمن وإغاثة المحتاج وغيرها).
التربية والتأديب والتأدّب: فالتأدّب واستقبال التربية أي السعي لعلاج وتحمّل أخلاق الناس السيئة وطبائعهم المنفّرة وأذاهم، له دور كبير في قمع النفس والشهوات...
الرفقة والأنس بالغير: وهذا الأمر المهم يحصل من خلال حضور المجالس والعِشرة والاستئناس بالغير... فينبغي أن نكون بصدد مجالسة من يساعدنا على الرقي في درجات الكمال والمعرفة ولا يُهدر أوقاتنا واستعداداتنا الماديّة والمعنويّة...
تحصيل الثواب وإيصاله للناس، فأمّا تحصيله فذلك من خلال الحضور في تشييع جنائزهم وعيادة مرضاهم وزياراتهم وصلة أرحامه ومشاركتهم في همومهم وأفراحهم... وأمّا إيصال الثواب لهم فذلك يتمّ من خلال فتح باب بيته أمامهم حتى إذا نزلت به مصيبة أسرعوا إليه لتعزيته ومساندته وإذا ألمّت به الأفراح ونزلت عليه النّعم باركوا له ذلك وهذا ممّا يستوجب لهم الأجر والثواب...
التواضع: ومن مجالسة الآخرين ينال الإنسان مقام التواضع والذي يُعدّ من أعلى المقامات وأرفعها، وهو ممّا لا يحصل بالعزلة والخلوة...
اكتساب التجارب: وتحدث التجارب بالمعاشرة والمجالسة وذلك حين يطّلع الإنسان على أحوال الناس وأفكارهم وأعمالهم...
(الخلاصة)
وممّا ذكر يتّضح أنّه لا يُمكن أن ننفي بشكل كامل أهميّة العزلة والخلوة وكذلك لا يُمكن أن نعدّ العِشرة والمخالطة أمراً مطلوباً دائماً، بل بالنظر إلى روحيّة كلّ فرد وحالته وأحوال وروحيّة الآخرين الذين يريد أن يجالسهم وينتخبهم أصدقاء له يختلف حكم المسألة.
وباختصار، إنّ اجتناب الناس يؤدّي إلى تأجيج العداوة، والإفراد من مخالطتهم يؤدّي إلى انحرافاتٍ عمليّة، لهذا، يجب أن يراعي الإنسان مسلك الاعتدال بين الانزواء والعِشرة.