مقالات

دلالة التوقيت في الصلاة

الشيخ علي الكوراني

 

يتفاوت إحساس الناس بالوقت هذا المحيط الزمني الذي يعيش فيه الإنسان وما حوله من أحياء وأشياء وتنظيمهم له واستفادتهم منه، ففي المجتمعات البدائية التي يمثلها في عصرنا بعض مناطق القارة الإفريقية، وبعض القبائل المنعزلة في أمريكا اللاتينية وبعض جزر المحيط الهادي، يعيش الإنسان في هذه المجتمعات بذهنية مسطحة لا عمق فيها، وأبرز ما في حياة أفرادها الكسل والتراخي وإهمال الوقت.

 

وفي المجتمعات المادية المتخلفة كما في أمريكا الجنوبية والمجتمعات البوذية والهندوسية في آسيا عدا اليابان هذه البلاد يعيث فيها الاستعمار فسادًا فوق فسادها ويسيّرها حسب مصالحه بنهب ثرواتها الخام ويستغل مواقعها الجغرافية ويفترس جهود أبنائها.. مقابل السلع الاستهلاكية التي يصدرها إليهم، الوقت في هذه المجتمعات رخيص يهدر من قبل الأكثرية بالتوافه من الأمور، ويصرف من قبل الحكام والمثقفين لخدمة الاستعمار، ولا تجني بلادهم من وقتهم إلا التبعية والخضوع.

 

يقول أحد شعراء أمريكا اللاتينية: الوقت نهر يجرفني وأنا النهر، إنه نمر يمزقني وأنا النمر، إنه النار تأكلني وأنا النار.

 

أما الوقت في مجتمعات المسلمين المتخلفة فهو يشبه الوقت في المجتمعات المادية المتخلفة مع اختلاف في وجود بقايا المفاهيم والعادات الإسلامية ووجود محاولات إسلامية جادة للخروج من المأزق الاستعماري ومن دوامة التخلف بكل أبعادها.

 

وأما مجتمعات الحضارة المادية المتقدمة وهي مجتمعات أمريكا وأوروبا واليابان فقد اندفع الناس فيها للاستفادة من الوقت في الحصول على السلع والمتع الجسدية بأوسع نطاق، ونمت عندهم الأشياء بما لم يسبق له مثيل في المجتمع البشري، فلا يمر يوم لديهم إلا ويزداد انتاج السلع البسيطة المعقدة، من وسائل الرفاهية إلى أسلحة الدمار والحرب.

 

ويتميز المجتمع الشيوعي بالمركزية، والمجتمع الرأسمالي بالانطلاق الفردي، وكلاهما يعملان في اتجاه واحد اتجاه الترف واللهو والركض وراء السلع والانتاج والربح والسيطرة.

 

إن توقيت الصلاة اليومية الذي يبدو عملية تعدادية أو تقسيمية بسيطة، هو إحدى العمليات التغييرية الكبرى التي يحدثها الإسلام في حياة الإنسان وحضارته. فقد بني هذا الدين الإلهي الخالد بناء محكمًا للإحاطة بحياة الإنسان وتنظيمها تنظيمًا شاملاً ودقيقًا، وجعل لحياته محطات رئيسية تكون مصدرًا حيويًّا للتنبيه للوقت إلى الخط السليم. ومن أهم هذه المحطات الصلاة اليومية، علامة المؤمن التي تنهاه عن الفحشاء والمنكر.

 

إن توقيت الصلاة عملية رائعة يتذكر الناس من خلالها بصورة أكيدة ودائمة، وعلى أحسن وجه، صلتهم بربهم على مدار اليوم من الفجر إلى العشاء (وإلى الثلث الأخير من الليل).

 

وإن التزام مجتمعاتنا الإسلامية بأداء الصلاة اليومية لهو واحد من أهم الأعمال والظواهر المؤثرة في كفاحنا لإقامة الحياة الإسلامية والحضارة الإسلامية، هذه الحضارة الربانية المعنوية المادية التي تخرجنا من حالة الخضوع والتخلف وهدر الأوقات والأعمار، كما تنجينا من الوقوع في مستنقع مجتمعات الحضارة المادية التي تستفيد من الوقت ولكن ركضًا وراء ترفها وإمعانًا في استعباد الشعوب المستضعفة.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد