مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد مصباح يزدي
عن الكاتب :
فيلسوف إسلامي شيعي، ولد في مدينة يزد في إيران عام 1935 م، كان عضو مجلس خبراء القيادة، وهو مؤسس مؤسسة الإمام الخميني للتعليم والبحث العلمي، له مؤلفات و كتب عدیدة فی الفلسفة الإسلامیة والإلهیات والأخلاق والعقیدة الإسلامیة، توفي في الأول من شهر يناير عام 2021 م.

المنّ يزيل الأجر

هناك في أعمالنا التي نقوم بها ـ سواء كانت واجبة أو مستحبة ـ شروطٌ ترتبط بصحّة العمل وشروط ترتبط بقبوله. فمثلًا هذه الصلاة التي نصلّيها والصوم الذي نصومه لهما شروطٌ للصحّة إذا لم تتحقّق يبطلان ويجب إعادتهما.

 

هناك شروطٌ أيضًا مؤثّرة في قبول العمل، بمعنى أنّ أداء هذا العمل على فرض صحّته لن يؤدّي لزومًا إلى الثواب الأخرويّ، بل يحتاج إلى شروط أخرى غير شروط الصحّة حتى يُقبل.

 

والآن إذا كانت عباداتنا مثلما بيّنت الرّوايات، وأدّيناها بكامل شروط الصحّة والقبول، فهل ينبغي أن يرتاح بالنا بأنّنا أدّينا تكليفنا بحسب الجانب الفقهيّ وكذلك بحسب الجانب المعنويّ للصحّة والقبول وضمنّا الثواب الأخرويّ، ولهذا لن نواجه بعدها أيّ مشكلة يوم القيامة؟

 

الأمر المهم هنا هو لماذا لا نعتبر عملنا مصونًا من المخاطر حتى لو أدّيناه وفق شروط الصحّة والقبول؟ فقد تحصل أمورٌ بعد أداء هذا العمل تُزيل تلك الآثار المعنويّة السابقة. فالأعمال السيّئة في المستقبل يمكن أن تُحبط الأعمال الحسنة السابقة، مثلما أنّ الأعمال الحسنة أو التوبة يمكن أن تجبر بعض ذنوبنا.

 

فالإنسان الذي يسعى بكلّ جهدٍ لكي تكون أعماله مطابقةً للشروط الفقهيّة ويراعي شروط قبولها مثل الإخلاص واجتناب الرّياء والعجب و... فإنّه يمكن أن يقوم بعد مدّةٍ بعملٍ يحبط هذه الأعمال الحسنة. حتى أنّه في بعض الأمور مثل الارتداد تحبط كلّ الأعمال السابقة.

 

وعلى كلّ حال يجب الالتفات إلى أنّه من الممكن أن يصدر من الإنسان أعمالٌ تُفسد عمله أو أعماله السابقة. يقول القرآن في سورة الحجرات: {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِه‏}، {لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِي‏}. فهذا الذي لا يُعدّ احترامًا يؤدّي إلى إحباط الأعمال السّابقة التي أدّاها الإنسان مع رعاية شروط الصحّة والقبول.

 

من الممكن أن يساعد الإنسان محتاجًا بدافع الإخلاص لأجل أداء التكليف، لكنّه بعد مدّة يُظهر هذا العمل أمامه ويؤدي إلى إحباطه. يقول القرآن الكريم في هذا المجال: {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى‏}. وفي موضعٍ آخر يقول تعالى: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذًى}. 

 

فلو أنّ الإنسان ردّ على سؤال المحتاج بلسانٍ طيّب، فإنّ ذلك أفضل من أن يساعده ولكن يمنّ عليه بعد ذلك. فإنّ هذه المنّة تُبطل أصل العمل.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد