مقالات

معنى الحسد


الفيض الكاشاني ..
معنى الحسد كراهة النعمة على المحسود ، وحب زوالها منه ، فإن من لم يحب زوالها ، ولا يكره دوامها عليه ، ولكن يشتهي لنفسه مثلها يسمى غبطة ، وقد يسمى منافسة قال اللّه تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين : 26] ، والغبطة إن كانت في الدّنيا فمباح ، وإن كانت في الدين فمندوب اليها.
قال النبي (صلى الله عليه وآله): «المؤمن يغبط و المنافق يحسد»(1) ، وقال «لا حسد إلا في اثنين رجل آتاه اللّه مالا فسلطه على هلكته في الحق ، ورجل آتاه اللّه علما فهو يعمل به ويعلمه الناس»(2) ، سمّي الغبطة حسدًا وهذا كما قد يسمى الحسد منافسة فإن أصاب النعمة كافر أو فاجر وهو يستعين بها على تهيّج الفتنة ، وإفساد ذات البين ، وإيذاء الخلق فلا يضر كراهتها عليه ، وحب زوالها منه من حيث إنه آلة للفساد لا من حيث إنها نعمة.
وأسباب الحسد المذموم العداوة ، والتعزز ، والكبر، والتعجب ، والخوف من فوت المقاصد المحبوبة ، وحب الرياسة ، وخبث النفس وبخلها ، فإنه إنما يكره النعمة عليه إما لأنه عدوّه فلا يريد له الخير ، وإما أن يكون من حيث يعلم أنه سيتكبر بالنعمة عليه ، وهو لا يطيق احتمال كبره وتفاخره لعزة نفسه وهو المراد بالتعزّز ، وإما أن تكون في طبعه أن يتكبر على المحسود ويمتنع ذلك عليه بنعمته وهو المراد بالتكبر ، وإما أن تكون النعمة عظيمة والمنصب كبيرًا ، فيتعجب من فوز مثله بمثل تلك النعمة وهو المراد بالتعجب ، وإنما يخاف من فوات مقصده بسبب نعمته بأن يتوصل بها إلى مزاحمته في أغراضه ، وإما أن يكون بحبّ الرياسة التي يبتني على الاختصاص بنعمة لا يساوى فيها ، وإما أن لا يكون بسبب من هذه الأسباب بل لخبث النّفس وشحّها بالخير لعباد اللّه ، وإن كانت النعمة لا تنتقل إليه.
وقد تجتمع هذه الأسباب أو أكثرها في شخص واحد ، فيعظم الحسد لذلك ، ويقوي قوة لا يقدر معها على الاختفاء والمجاملة ، فيهتك حجاب المجاملة ، ويظهر العداوة بالمكاشفة.
_____________
1- الكافي : ج 2 ، ص 307 ، و فيه « المؤمن يغبط و لا يحسد و المنافق يحسد و لا يغبط».
2- أخرجه ابن ماجة تحت رقم 4208 من حديث عبد اللّه بن مسعود.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد