مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ جعفر السبحاني
عن الكاتب :
من مراجع الشيعة في ايران، مؤسس مؤسسة الإمام الصادق والمشرف عليها

الرجعة


الشيخ جعفر السبحاني ..
«الرَجعَة» في اللغة تعني العَودة، والمقصود منها في الثقافة الشيعيّة هو عودة جماعةٍ من الأمّة الإسلاميّة إلى الحياة بعد ظهور الإمام المهديّ عجّل اللهُ فرجَه الشريف، وقبل قيام القيامة.
ويَشهَد القرآنُ الكريمُ قبل أيّ شيءٍ بوجود مسألة الرَّجعة في الثقافة الإسلاميّة.
فقد قال سبحانه وتعالى في سورة النَّمل الآية 83 :
{وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ}.
وفي الآية 87 من سورة النمل يقول:
{وَيَومَ يُنْفَخُ في الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلاّ من شاءَ الله وكُلٌّ أتَوْهُ داخِرينَ}.
أي بعد النفخ يفزع كل الناس جميعاً ومن دون استثناء.
إنّ الآية الأولى تتحدّث عن إحياء فريقٍ خاصٍّ في اليوم الأوّل بينما تتحدث الآيةُ الثانيةُ عن إحياء جميع الناس مّما يكشف عن أنّ اليوم الأوّل هو غير يوم القيامة وإنّهما يختلفان.
فالقرآنُ يتحدَّث كما نرى بوضوحٍ عن يومين، وقد عطف اليوم الثاني على اليوم الأوّل، ممّا يكشف عن أن هناك حَشرين وإعادتين إلى الحياة بعد الموت.
ونُذكِّر ثانيةً بأنّ الآية الأولى تتحدّث عن إحياء طائفة من الناس ومن الطبيعي أن مثل هذا اليوم لا يمكن أن يكون يوم القيامة، لأنّ الناس في ذلك اليوم يُحشرون بأجمعهم، كما قال أيضاً في الآيات 93 ـ 95 من سورة مريم:
{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا}.
وكما يقول تعالى في آية أُخرى في وصف يوم القيامة:
{وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا } [الكهف: 47].
فيُستنتج من المقارنة بين الآية 83 من سورة النمل وبين الآيات 93 إلى 95 من سورة مريم و 47 من سورة الكهف الاختلاف بينها في المضمون: أنّ العالم البشري ينتظر يومين يُحشَر في أحدهما بعضُ الناس ، ويُحشَر في الآخر جميعهم بلا استثناء.
وروايات الشيعة التي ترتبط بالرجعة، تتعلق بما يقع بعد ظهور الإمام المهدي عليه السلام، وقبل يوم القيامة.
إنّ عودة جماعة من الصالحين، والظالمين قبل يوم القيامة ليس بالأمر العجيبِ أبداً لأنّه قد وَقَع مثلُ ذلك في الأممَ السالفة حيث عاد بعضُ الناس إلى الحياة مرةً أُخرى ثم ماتوا بعد ذلك ثانية.(1) إنّ عودةَ البعض إلى الحياة في هذا العالَم (الدنيويّ) بعدَ الموت لا هو مخالف لحكم العقل، ولا هو معارضٌ للنقل، لأنّه كما أسلفنا مّما صرّح القرآنُ الكريمُ بوقوع نظيره في الأمم السالِفة، وهذا هو خير دليلٍ على إمكان وقوعه.
على أنّ «الرَّجَعةَ» تختلف عن «التَّناسخ»، وتشبيه الأوّل بالثاني تشبيهٌ خاطىٌ جِداً، وذلك لأنّ «التناسخ» يعني عودة الرُّوح والنفس إلى الحياة بعد الموت مرّةً أُخرى إبتداءً من مرحلة النطفة، أو تعلّقها بِبَدنٍ آخر، والحال أنّه لا يَحدُث مثلُ هذين الأمرين الباطلين في «الرجعة» قط.
إنَّ حكمَ الرَجعة ـ من هذه الجهة ـ أشبه ما يكون بعودة الموتى إلى الحياة في الأمم السابقة وبالمعادِ الجِسمانيّ الذي يقع في القيامة.
وفي الحقيقة إنّ «الرَّجعة» هو مظهرٌ مصغَّرٌ مِن القيامة النهائية الحقيقيّة الكبرى التي يُحشَر فيها الناسُ أجمعون، وبلا استثناء.
إنَّ البَحث المفَصَّل حول «الرَّجعة» والحديث حول جزئيّاتها، وتفاصيلها، موكول إلى: كتب التفسير، والحديث، والكلام، الشيعية، وقد بَلَغت رواياتُ الشيعة في هذا المجال حدَّ التَّواتر، وثمّة ما يفوق ثلاثين حديثاً رويت في أكثر من خمسين مؤلَّفاً(2) .
_____________
(1) مِثل إحياء فريق من بني إِسرائيل، كما في سورة البقرة الآيات 55 ـ 56، وإحياء المقتول من بني إسرائيل بواسطة بقرة بني إسرائيل، كما في سورة البقرة الآيات 72 و 73، وموت جماعة من الناس وإحيائهم كما في سورة البقرة الآية 243، وإِحياء عزير بعد مائة عام، كما في سورة البقرة الآية 259، وإحياء الموتى بإعجازٍ من السيد المسيح كما في سورة آل عمران الآية 49.
(2) لاحظ بحار الاَنوار: 53 | 136 .

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد