مقالات

الزهراء (عليها السلام) الكوثر المتدفّق


الإمام الخامنئي (دام ظله) ..

إن ذكرى ميلاد فاطمة الزهراء (عليها السلام) فرصة ثمينة للنساء المسلمات ليبدين اهتماماً أكبر بهوية المرأة المسلمة وبمكانة المرأة الراقية في الإسلام وفي ظل النظام الإسلامي ([1]).
اليوم يوم عظيم، فهو يوم ولادة سيّدة نساء العالمين وبضعة الرسول المكرمة والعظيمة وقدوة النساء والرجال على امتداد تاريخ الإسلام، وولادة الصديقة الكبرى والمجاهدة في سبيل الله والشهيدة المظلومة، وتقترن معها ولادة شخصية من الشخصيات الكبرى اللامعة التي برزت في تاريخ الإسلام من تلك الذرية الطاهرة. فهو يوم ولادة كوثر الزهراء، وولادة كوثر روح الله([2]).
بعد أن توفي أبناء الرسول في مكة الواحد تلو الآخر، شَمَت الشامتون - الذين انحصرت الفضائل عندهم في المال والثروة والأولاد والجاه والجلال الدنيوي - برسول الله ونعتوه بالأبتر؛ أي الذي لا عقب له ولا ذرية، وأنه إذا مات ستندثر بموته كل معالمه وآثاره، فأنزل الله عليه هذه السورة لسلوى قلب الرسول ولإيضاح حقيقة كبرى له وللمسلمين، فقال سبحانه وتعالى ﴿إنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾([3]) أي تلك الحقيقة العظيمة والكثيرة والمتزايدة.
ومصداق الكوثر بالنسبة للرسول (صلى الله عليه وآله) يمثل أشياء مختلفة، وأحد أبرز المصاديق هو الوجود المقدس لفاطمة الزهراء التي جعلها الله خلفاً مادياً ومعنوياً للرسول.
وخلافاً لأوهام الأعداء الشامتين أصبحت هذه الإبنة المباركة والوجود السخي سبباً لتخليد اسم الرسول وذكره ونهجه ومعارفه بشكل لم يشهد له نظير لدى أي ولد بارز وعظيم؛ فمن ذريتها أحد عشر إماماً وكوكباً مشرقاً شعّوا بالمعارف الإسلامية على قلوب أبناء البشرية، وأحيوا الإسلام، وبيّنوا القرآن، ونشروا المعارف الإلهية، وأزالوا التحريف عنها، وأغلقوا سبل استغلالها.
أحد هؤلاء الأئمة الأحد عشر هو الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) الذي قال عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله): "أنا من حسين"([4])، و"الحسين سفينة النجاة ومصباح الهدى"([5])، الذي ترتّبت على شخصيته وثورته وشهادته آثار وبركات جمّة في تاريخ الإسلام.
هو أحد ذراري فاطمة الزهراء (عليها السلام)، ومن جملة تلك الشموس المُنيرة الإمام الباقر (عليه السلام)، والآخر هو الإمام الصادق (عليه السلام) اللذين يعود إليهما الفضل في نشر المعارف الإسلامية، لا المعارف الشيعية فحسب، بل حتى أن مشاهير أئمة أهل السنة قد اقتبسوا من فيض علومهم بشكل مباشر أو غير مباشر.
وأخذ هذا الكوثر المتدفق الذي يزداد تألّقاً يملأ أقطار العالم الإسلامي بنسل الرسول؛ حيث توجد اليوم آلاف بل آلاف الآلاف من الأُسر البارزة المعروفة في العالم الإسلامي كلّه، وهي تعكس بقاء ذرية تلك العظيمة، كما أن وجود الآلاف من مشاعل الهداية في العالم ينمّ عن البقاء المعنوي لهذا النهج وذلك الوجود المقدس، إنها كوثر فاطمة الزهراء، فسلام الله وأنبيائه وأوليائه وملائكته وخلائقه عليها إلى قيام يوم الدين.
كما وأن حفيدها الجليل أصبح هو الآخر كوثراً روح اللهيّاً؛ إذ إنه نزل إلى ميدان الصراع وحده، واستطاع أن يستميل إليه القلوب بفضل الجاذبية الكبرى التي منّ الله بها عليه إنطلاقاً مما كان يتمتع به من خصائص ذاتية ومكتسبة.
فأثار الحركة في الأيدي والأرجل، ودفع العقول إلى التفكير، وأحدث هذه الحركة العظيمة في هذا البلد فضلاً عن النهضة الإسلامية العالمية، ثم إن نهج الإمام ومدرسته وفكره سيكون له من بعد هذا دور فاعل في العالم كلّه وستجرّب الأجيال ذلك بنفسها ([6]).
ــــــــــــــــ
([1]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 20 جمادى الثانية 1424 ﻫ ق، 20/09/2000م.
([2]) الإمام روح الله الموسوي الخميني (قدسره).                                 
([3]) سورة الكوثر.
([4]) كامل الزيارات، ص 53.
([5]) في بحار الأنوار، ج‏36، ص 205: عن الرسول(صلى الله عليه وآله): >.. والذي بعثني بالحق نبيا إن الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض وإنه لمكتوب عن يمين عرش الله مصباح هدى وسفينة نجاة وإمام غير وهن - وإمام خير ويمن - وعز وفخر وعلم وذخر وإن الله عز وجل ركب في صلبه نطفة طيبة مباركة زكية..<.
([6]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 20 جمادى الثانية 1420ﻫ.ق 1/10/1999م.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد