مقالات

العجب


الشيخ محمد مهدي النراقي

وهو استعظام نفسه لأجل ما يرى لها من صفة كمال، سواء كانت له تلك الصفة في الواقع أم لا. وسواء كانت صفة كمال في نفس الأمر أم لا، وقيل "هو إعظام النعمة والركون إليها مع نسيان إضافتها إلى المنعم" وهو قريب مما ذكر، ولا يعتبر في مفهومه رؤية نفسه فوق الغير في هذا الكمال وهذه النعمة، وبذلك يمتاز عن الكبر، إذ الكبر هو أن يرى لنفسه مزّية على غيره في صفة كمال، وبعبارة أخرى هو الاسترواح والركون إلى رؤية النفس فوق المتكبر عليه، فالكبر يستدعى متكبراً عليه ومتكبراً به.
والعجب لا يستدعى غير المعجب، بل لو لم يخلق الإنسان إلا وحده تصور أن يكون معجباً، ولا يتصور أن يكون متكبراً، إلا أن يكون مع غيره وهو يرى نفسه فوق ذلك الغير في صفة الكمال ولا يكفى أن يستعظم نفسه ليكون متكبراً، فإنه قد يستعظم نفسه، ولكن يرى في غيره أعظم من نفسه أو مثل نفسه فلا يتكبر عليه، فهو معجب وليس متكبراً ولا يكفى أن يستحقر غيره، فإنه مع ذلك لو رأى نفسه أحقر أو رأى غيره مثل نفسه لم يكن متكبراً، بل المتكبر هو أن يرى لنفسه مرتبة والغيره مرتبة، ثم يرى مرتبة نفسه فوق مرتبة غيره.
والحاصل: أن العجب مجرد إعظام النفس لأجل كمال أو نعمة، وإعظام نفس الكمال والنعمة مع الركون ونسيان إضافتهما إلى الله. فإن لم يكن معه ركون وكان خائفاً على زوال النعمة مشفقاً على تكدرها أو سلبها بالمرة، أو كان فرحاً بها من حيث أنها من الله من دون إضافتها إلى نفسه لم يكن معجباً، فالمعجب ألا يكون خائفاً عليها، بل يكون فرحاً بها مطمئناً إليها، فيكون فرحه بها من حيث أنها صفة كمال منسوبة إليه، لا من حيث أنها عطية منسوبة إلى الله تعالى. ومهما غلب على قلبه أنها نعمة من الله مهما شاء سلبها زال العجب.
ثم لو انضاف إلى العجب ـ أي غلب على نفس المعجب ـ أن له عند الله حقاً، وأنه منه بمكان، واستبعد أن يجري عليه مكروه، كان متوقعاً منه كرامة لعمله، سمى ذلك (ادلالاً) بالعمل، فكأنه يرى لنفسه على الله دالة فهو وراء العجب وفوقه إذ كل مدل معجب، ورب معجب لا يكون مدل!ًا، إذ العجب مجرد الاستعظام ونسيان الإضافة إلى الله من دون توقع جزاء على عمله، والادلال يعتبر فيه توقع الجزاء بعمله، إذ المدل يتوقع إجابة دعوته ويستنكر ردها بباطنه ويتعجب منه، فالادلال عجب مع شيء زائد.
وعلى هذا، فمن أعطى غيره شيئاً، فإن استعظمه ومن عليه كان معجباً، وإن استخدمه مع ذلك أو اقترح عليه الاقتراحات واستبعد تخلفه عن قضاء حقوقه كان مدلًّا عليه وكما أن العجب قد يكون مما يراه صفة كمال وليس كذلك العجب بالعمل قد يكون بعمل هو مخطىء فيه ويراه حسناً، كما قال سبحانه:
" أفمن زيّن له سوء عمله فرآه حسناً "
وقال أبو الحسن (ع): "العجب درجات: ومنها أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسناً، فيعجبه ويحسب أنه يحسن صنعاً. ومنها أن يؤمن العبد بربه، فيمن على الله ـ عز وجل ـ ولله عليه فيه المن".

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد