إيمان شمس الدين
الأدوات والآليات:
في إحياء مناسبة كمناسبة واقعة كربلاء فإننا أمام خيارين هما الشعائر والطقوس، فهل ما نقوم بإحيائه هي شعائر حسينية أو طقوس عاشوراء؟
واقعا إن إحياء عاشوراء يتضمن شعائر وطقوسًا، فالشعائر كل شيء لله تعالى فيه أمر أشعر به وأعلم يقال له شعار أو شعائر، وقال الشّعار: العلامة، وأشعرت أعلمت، الشعيرة العلامة وشعائر الله أعلام دينه . وفي الاصطلاح شعائر الإسلام هي ماذهب الشرع إليه وأمر القيام به كالفرائض من صلاة وحج وزكاة وغيرها، والشعيرة كذلك ناقة الهدى ونحوها مما يهدي لبيت الله . فالشعيرة في الإسلام يجب القيام بها.
أما الطقوس فيعرفها ليج leach بأنها نوع من أنواع السلوك الاجتماعي له صفة رمزية تنعكس في صورة الشعائر والممارسات الدينية، وأحيانًا يعبر عنها في سياق العادات والتقاليد، كما توضح الطقوس بحسب آراء ليج معالم التركيب الاجتماعي، إذ تتعدد أنماط العلاقات الاجتماعية المتناسقة بين الأفراد والجماعات، إذن الطقوس ليست نوعًا من أنواع الحدث وإنما هي وسيلة إعلامية تعبر عن أنواع الأحداث والتصرفات الاجتماعية، وذلك لخاصيتها الإعلامية البارزة، هذا فضلًا عن وجود طقوس لا تتميز عن خاصيتها الإعلامية .
لذا فالطقوس هي ممارسات ثقافية منها ديني ومنها اجتماعي، وهذه الطقوس إما نابعة من تاريخ المجتمع أو مستوردة من الخارج.. وتكاد أغلب المجتمعات في العالم تمارس الطقوس في حياتها لكن تختلف الممارسات من مجتمع إلى آخر. ففي المجتمعات المتمدنة تكون الطقوس جزءًا من هويتها الثقافية وتراثها الثقافي فيمارسون الطقوس كاعتزاز بتاريخهم الثقافي، فيشكل الطقس لهم مظهرًا خارجيًّا ليس إلا. أما في المجتمعات البدائية فالطقوس تشكل عندهم هويتهم الدينية وروح التضامن والقداسة، فلم تشكل الطقوس لهم مظهرًا خارجيًّا بل جزء مهم من تكوينهم الوجودي. إن هذا الفرق بين الطقوس والشعائر يجعلنا ندرك أهمية الآلية التي علينا أن نمثل بها الحسن ع وثورته الخالدة عبر التاريخ، وكيفية إيصالها للأجيال اللاحقة بروح عصرية نهضوية تحتفظ في عمقها بأصالة الحدث وأهدافه ومقاصده وعمق الشخصيات التي مثلته ورساليتهم.
ونحن دومًا ما كنا نقرأ ونسمع عن حاجتنا للتجديد في طرح عاشوراء كشعائر وكخطاب وضرورة المواءمة والعصرنة مع الراهن، وقد طرحت محاولات عديدة ومهمة في الآليات والأدوات في حركة التطوير، جلها كمي لا نوعي.
فتم على سبيل المثال لا الحصر استغلال الفضاء مع ثورة الإعلام، ففتحت الفضائيات كوسيلة لنشر الثورة الحسينية، وكثرت المجلات التي تناقش ملف عاشوراء وتستفيد منه، وبات لدينا مسرح حسيني يجسد لنا المعركة حسيًّا.
لكن جل ما سبق مازال يعاني نوعيًّا مما عانى منه الخطاب المنبري، من حيث الطرح الشعائري الطقوسي فقط للقضية، وعدم التدقيق في الواقعة من حيث مصداقية وسند ما تم سرده من أحداث حصلت والنصوص التي وردت عن المعصوم عليه السلام. فالسبق إلى الفضيلة مهم، لكن العبرة في مدى ما قدمته بعض الأدوات للثورة.
فالفضائيات والمسارح والمجلات التي تحاكي الثورة أهميتها تحدد من خلال ما قدمته هذه الأدوات من سعة إدراك في وعي الناس، وما قدمته من قيم ومعايير إلهية يفترض أن تنعكس على سلوك الناس ومدى مواجهتهم للظلم والظالمين ورفضهم للاستبداد، وقدرتهم في الدفاع عن حقوقهم وإرسائهم للعدالة وقبولهم لها وللحق ومعاييره.
ولا أحد هنا ينكر أي جهد يقدم في سبيل الارتقاء، مهما كان بسيطًا شريطة أن تنطبق عليه معايير العقل والشرع.
فالفوضى باسم الشعائر الحسينية ليست فقط مرفوضة عقلًا بل شرعًا، وما نعنيه بالفوضى هو الاستمزاجات والاستحسانات الفردية التي لا تنطبق عليها معايير العقل والشرع، والتي لمجرد ورودها عن السابقين تحولت لشرع يُدان به مقدس فوق النقد والتقييم، والخلط بين الشعائر والطقوس أدى لإسباغ حالة القداسة على كل الممارسات دون السماح حتى لمحاولات النقد والتقييم وهي محاولات عقلية صحية تحتاجها الثورات خاصة التاريخية منها لأنها تبقيها في دائرة الضوء وتؤكد على ديمومتها.
المطلوب هو التنضيج دومًا لما يقدم هذه الثورة بطريقة يتم الاستفادة منها كونها ثورة خالدة أصيلة، وهو ما يعني قدرتها على تقديم نموذج دائمي متحرك في كل زمان ومكان.
وهنا تكمن قدرتنا على جعلها كمدرسة حيوية تحاكي واقعنا وتكون قادرة لأن تعالج إشكالياتنا الراهنة لا أن تعمقها وتعقدها من خلال ممارسات منتسبيها. فالحسين عليه السلام خرج للإصلاح الذي شرَطَه بأنه لا أشر ولا بطر. كلما كانت الأهداف سماوية عالية اعتقد يفترض أن تكون آلياتنا المحققة لتلك الأهداف ترتقي لمستوى سماويتها وعالميتها.
فنحتاج لذلك ضبط ومنهجة مستديمتين من خلال التقييم والنقد، وانفتاح أفق دون تحسسات تيارية أو حزبية أو مدرسية حوزوية، بل تحت عنوان اعرف الحق تعرف أهله ويعرف الرجال بالحق، وعنوان الحكمة ضالة المؤمن. مع قدرتنا على فهم سعة استيعاب الثورة للجميع من خلال تنوع الشخصيات التي انضوت تحت راية الإمام الحسين عليه السلام وسعة استيعابها لكل تلك التنوعات الفكرية والمرجعية.
ودون أن يعتقد أحدنا أنه هو فقط حامي الحمى عن الحسين ع، فحب الحسين اخترق قلوب العالم المسلم وغيره لأنه عالمي وليس مذهبي.
فالعالمية تتطلب رسالة عالمية وأدوات عالمية، وإلا الاستمرار في مذهبة القضية الحسينية هو قتل لها متجدد، وهي كل متكامل لا يمكن أن يُؤْتي الثمار المرجوة منه في حال تم تجزأته ومذهبته.
الموضوع ليس رفضًا وقبولًا لجزئيات هي محل اختيار الناس ومحترمة فلكل طريقته في التعبير، إنما الموضوع في تحويل طرح ثورة عاشوراء من طرح عالمي متكامل إلى طرح شعائري طقوسي فقط أو شعائري استمزاجي غير منضبط شرعًا وعقلًا، وهذا لا يعني انتقاصًا بالشعائر أبدًا ولكن هو اعتراض على اقتصار الطرح فقط بالشعائر مع مزجها بطقوس كانت صالحة في زمن وهي الآن مع الثورة التكنلوجية وزمن الصورة باتت غير صالحة، أو عدم حتى انضباط الشعائر وفق معايير الشعائر الإلهية، ومواءمتها مع ما ذكرناه مقدمًا.
فلو استطعنا اليوم تطوير الشعائر وغربلة الطقوس وفق معطيات العصر الحديث - وهذا طبعًا من باب مخاطبة الثورة بلغة الزمان والمكان - ودون أن ندعي مصاديق الشعائر المطلوبة فما ينفع في دولة قد لا ينفع في دولة أخرى ومع الالتفات لعدم التخلي عن الأصيل فيها والأساسي الثابت.
إضافة إلى القدرة على تشخيص المصلحة والمفسدة في ممارسة بعض الشعائر من عدمها وفق معطيات الواقع المحيط.
فلا ضير بما يعبر عن رمزية الحدث، ولكن أن تتحول عاشوراء فقط إلى رموز أو أي شكل من أشكال التعبير العاطفي وتفرغ من الفكرة والعقل، هو ما نتمنى أن نبتعد عنه ليس كممارسة شعائرية فقط، وأنما كمنهج طرح للثورة العاشورائية.
فكل زمان ومكان له ما يناسبه وما يحاكي به الثورة ويطرحها بشكل عالمي وهو ما يتطلب دمج الفكرة مع العاطفة. فإذا ما امتلكنا فكرًا استراتيجيًّا عاشورائيًّا، استطعنا الخروج برؤية حول الشعائر الأنسب ممارسة في إيصال فكرة عاشوراء بما يتناسب ومقومات الوضع المحيط.
إذا نحن نحتاج واقعًا إلى:
١- تطوير المنهج بعد مراجعته مراجعة منهحية علمية موضوعية أحد مراجعها النص الثابت والممارسات المنضبطة عقلًا وشرعًا.
٢- مناغمته مع الواقع المحيط
٣- طرحه بما يليق بعالميته
٤- الأخذ بالحسبان كلا بعديه العاطفي والفكري
٥- محاكاة وضع البلد وما يناسبه ونحتاج واقعًا تقييمًا مستمرًّا مع الالتفات للمجتمع وليس فقط للفرد وهذا مهم.
٦.ضرورة ربط إشكاليات الواقع وأهم التحديات الثقافية وأهم التساؤلات المطروحة على مائدة الفكر خاصة فيما يتعلق بالهوية الدينية والقومية، والتحديات التي يواجهها الأجيال بعد العولمة وطرح معالجاتها العميقة التي تسقط الشبهات واستلها منهج الحجة والدليل الذي استخدمه سيد الشهداء مع أعدائه لإزالة الشبهات ودرء الفتن. مع الأخذ بالحسبان الوسائل العصرية والانتقال من أسلوب التلقين والإلقاء إلى أسلوب الندوات الحوارية التي يعبر فيها الشباب والشابات عن وجهات نظرهم لتسليحهم بالمنهج القويم في كيفية معالجة الشبهات والأسئلة والشكوك التي تطرحها النفس عليهم.
وهو ما يتطلب تسلح الخطيب أو الخطيبة المنبرية بثقافة عالية واتساع واسع على الشبهات العصرية والثقافة الغربية لفهم عمق التشابكات وكيفية حلها والإجابة على إشكالياتها العميقة.
فقضية الحسين عليه السلام عليها أن تستمر وتصل للأجيال دون تشويه وتحريف لفكرها وأهدافها ومساراتها، فاليوم هناك استهداف حقيقي لثورة عاشوراء، لأنها المعين المستديم الصافي الذي عَبَر الزمن ومستمر في العبور للتاريخ وللزمان والمكان ليواجه كل ديكتاتور وطاغية واستعمار وكل محاولات سلب إنسانية الإنسان، وسلب عزته وكرامته، بل يواجه كل طغيان باسم الدين، فثورة عاشوراء هي ثورة عالمية لتحقيق العدالة ونفي كل أنواع العبوديات لغير الله تعالى، وأي تشويه لها هو واقعًا اعتداء لا يقل عن اعتداء جيش بن سعد على الحسين عليه السلام في يوم العاشر من محرم.
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد باقر الصدر
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
الشيخ عبدالكريم الحبيل: أخلاق فاطمة الزهراء عليها السلام
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (5)
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (4)
مقدّمات البحث
تأبين الشّيخ الحبيل للكاتب الشّيخ عباس البريهي
حاجتنا إلى النظام الإسلامي خاصّة
القرآن يأسر القلب والعقل
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (3)
تقييم العلمانية في العالم الإسلامي
ضرورة الإمامة