الإمام الخميني "قدس سره"
لا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ أَنَّ الغِنَى مِنَ الأَوْصافِ الكَمالِيَّةِ للنَّفْسِ، بَلْ هوَ مِنَ الصِّفاتِ الكَمالِيَّةِ للمَوْجودِ بِما أَنَّهُ مَوْجودٌ. وَلِهَذا، يَعَدُّ الغِنَى مِنَ الصِّفاتِ الذّاتِيَّةِ للذّاتِ الحَقِّ المُقَدَّسِ جَلَّ وَعَلا.
وَلا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ أنَّ ثَرْوَةَ المَالِ لا توجِبُ الغِنَى في النَّفْسِ، بَلْ نَسْتَطيعَ القَوْلَ: إِنَّ مَنْ لا يَمْلِكُ غِنىً في النَّفْسِ، يَكونُ حِرْصُهُ تِجاهَ المالِ وَالثَّراءِ أَكْثَرَ، وَحاجَتُهُ أَشَدَّ.
وَلمّا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ غَنِيّاً حَقيقِيّاً أَمامَ ساحَةِ الحَقِّ، جَلَّ جَلالُهُ، وهوَ الغَنِيُّ بِالذّاتِ، وَلمّا كانَتِ المَوْجوداتُ كُلُّها مِنْ أَدْناها - وَهُوَ التُّرابِ - إِلى ذُرْوَةِ الأَفْلاكِ، وَمِنَ الهَيُولى الأُولى إِلى الجَبَروتِ الأَعْلى، فَقيرَةً وَمُحتاجَةً، فلِهَذا كُلَّما كانَ تَعَلُّقُ القَلْبِ إلى غَيْرِ الحَقِّ، وَتَوَجُّهُ الباطِنِ نَحْوَ تَعْميرِ المُلْكِ وَالدُّنْيا، أَشَدَّ، كانَ الفَقْرُ وَالحاجَةُ أَكْبَر.
أَمّا الحاجَةُ القَلْبِيَّةُ، وَالفَقْرُ الرُّوحِيُّ، فَواضِحٌ جِدّاً، لِأَنَّ التَّعَلُّقَ وَالتَّوَجُّهَ نَحْوَ الدُّنْيا فَقْرٌ بنفسه. وَأَمّا الحاجَةُ الخارِجِيَّةُ الّتي تُؤَكِّدُ بِدَوْرِها الفَقْرَ القَلْبِيَّ، فَهِيَ أَيْضاً أَكْثَرُ، لِأَنَّ أَحَداً لا يَسْتَطيعُ النُّهوضَ بِأَعْمالِهِ بِنَفْسِهِ، فَيَحْتاجُ في ذَلِكَ إِلى غَيْرِهِ؛ وَالأَثْرِياءُ، وَإِنْ ظَهَروا في مَظْهَرِ... الأَغْنِياءِ، إِلّا أَنَّهُمْ فُقَراءُ وَمُحْتاجونَ في زِيِّ مَنْ لا يَحْتاجُ.
وكُلَّما اتَّجَهَ القَلْبُ نَحْوَ تَدْبيرِ الأُمورِ وَتَعْميرِ الدُّنْيا أكْثَر، وَكانَ تَعَلُّقُهُ أَشَدَّ، كانَ غُبارُ الذُّلِّ وَالمَسْكَنَةِ عَلَيْهِ أَوْفَرَ، وَظَلامُ الهَوانِ وَالحاجَةِ أَوْسَعَ. وَعَلى العَكْسِ، كُلَّما رَكَلَ بِقَدَمِهِ التَّعَلُّقَ بِالدُّنْيا، حَوَّلَ بِوَجْهِ قَلْبِهِ إِلى الغِنَى المُطْلَقِ، وَآمَنَ بِالفَقْرِ الذّاتِيِّ للمَوْجوداتِ، وَعَرَفَ بِأَنَّ أَحَداً مِنَ الكائِناتِ لا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ شَيْئاً، وَأَنَّ جَميعَ الأَقْوِياءِ وَالأَعِزّاءِ وَالسَّلاطينِ قَدْ وَعوا بِقُلوبِهِمِ... الآيَةَ الكَريمَةَ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ فاطر:15. ".."
يَقولُ الإمامُ عَلِيُّ بْنُ أَبي طالِبٍ، عَلَيْهِ السَّلامُ، لابْنِ عَبّاسٍ: «وَإِنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لَأَهْوَنُ مِنْ وَرَقَةٍ فِي فَمِ جَرادَةٍ تَقْضمُهَا»، ويقول الإِمامُ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ: «أَسْتَنْكفُ أَنْ أَطْلُبَ الدُّنْيا مِنْ خَالِقِها، فَكَيْفَ بِطَلَبِهَا مِنْ مَخْلُوقٍ مِثْلي».
إِنَّ أَهْلَ الحَقِّ يَعْرِفونَ أَيَّ نَوْعٍ مِنَ الكُدورَةِ وَالظَّلامِ يُسَبِّبُها، في القَلْبِ، التَّوَجُّهُ نَحْوَ خَزائِنِ الدُّنْيا، وَالمالِ، وَالجاهِ، وَالمُجالَسَةِ مَعَ أَهْلِها، وَكَيْفَ يَبْعَثُ عَلى الوَهْنِ وَفُتورِ العَزيمَةِ، وَيُوجِبُ الفَقْرَ وَالحاجَةَ في القَلْبِ، وَيَصْرِفُ العبدَ عَنِ الانْتِباهِ إِلى النُّقْطَةِ المَرْكَزِيَّةِ الكامِلَةِ بِصورَةٍ مُطْلَقَةٍ.
وَلَكِنّك، أيُّها العَزيز، عِنْدَما سلَّمتَ القَلْبَ إِلى أَهْلِهِ، وَالبَيْتَ إِلى صاحِبِهِ، وَأَعْرَضْتَ عَنْ غَيْرِهِ، وَلَمْ تُبِحِ البَيْتَ للغاصِبِ، تَجَلَّى فيهِ صاحِبُهُ.
وَمِنَ المَعْلومِ أَنَّ تَجَلِّيَ الغَنِيِّ المُطْلَقِ، يُفضي إِلى الغِنَى المُطْلَقِ، وَيُغْرِقُ القَلْبَ في بَحْرِ العِزَّةِ والغِنى، فَيَمْتَلِئُ مِنَ الغِنى وَعَدَمِ الاحْتِياجِ: ﴿وَللهِ العِزَّةُ وَلِرَسولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ المنافقون9، فيَنْهَضُ صاحِبُ البَيْتِ بِإِدارَةِ أُمورِهِ، وَلا يُتْرَكُ الإِنْسانَ إِلى نَفْسِهِ، وَإِنَّما يَتَدَخُّلُ وَيَتَصَرَّفُ في جَميعِ شُؤونِ عَبْدِهِ، بَلْ يُصْبِحُ هُوَ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَيَدَهُ، وَتَتَحَقَّقُ ثَمَرَةُ التَّقَرُّبِ بِالنَّوافِلِ، كَما وَرَدَ في الحَديثِ الشَّريفِ... عَنْ أَبي جَعْفَرٍ البَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلامُ: «وَإِنَّهُ لَيَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّافِلَةِ حَتّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَع بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَلِسَانَهُ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا»، فَيوصَدُ بابُ فَقْرِ العَبْدِ وَفاقَتِهِ نِهائِيّاً وَيَسْتَغْني عَنِ العالَمينَ.
وَمِنَ المُؤَكَّدِ أَنَّهُ يَرْتَفِعُ مِنْ وَراءِ هَذا التَّجَلّي الخَوْفُ مِنْ جَميعِ الكائِناتِ، وَيَحُلُّ الخَوْفُ مِنَ الحَقِّ المُتَعالِ مَحَلَّهُ، وَتَمْلَأُ القَلْبَ عَظَمَةُ الحَقِّ وَهَيْبَتُهُ، وَلا يَرَى لِغَيْرِ الحَقِّ عَظَمَةً وَاحْتِشاماً وَتَصَرُّفاً، وَيُدْرِكُ، بِكُلِّ قَلْبِهِ، حَقيقَةَ أنْ «لا مُؤثِّرَ فِي الوُجودِ إِلَّا اللهُ».
حيدر حب الله
عدنان الحاجي
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد باقر الصدر
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
النّسخة الألمانيّة من كتاب الجشي (ألواح الطّين في كهف نيتشه)
الشّيخ صالح آل إبراهيم: الاحتياجات الزّوجيّة
إشارة وتواصل.. بالأنامل
الشيخ عبد الجليل البن سعد: الحياة عدو وصديق
الشيخ عبد الجليل البن سعد: حبّ الله ورسوله
الشيخ عبد الجليل بن سعد: الدور المنسي في التعاون
فلسفة العمل ومبدأ التنمية المتواصلة
كيف يسمح الدّماغ بشعورين متناقضين؟
المعروف والمنكر والأكثريّة الصّامتة
الإسلام ونظريّة الأخلاق