السيد محمد باقر الحكيم
يعدّ الإعلام من أهمِّ الأعمال السياسية والجهادية التي يقوم بها الداعية إلى الله سبحانه وتعالى ، وهو أيضاً عمل رئيسي لكل الأنبياء كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى : ( الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ ... ) (1) . وهي أيضاً مهمّة النبي (صلّى الله عليه وآله) : ( وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ ) (2) ، بل هي مهمّته الرئيسية ضمن مجمل مسؤولياته ؛ ولقد قال الله تعالى في سورة الجمعة : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ ) (3) .
تلاوة الآيات هي البلاغ وإيصال الرسالة وشرح مداليلها وأبعادها ؛ لذلك يحتاج البلاغ إلى دراسة تتناول مجمل أبعاده المختلفة وخصائصه الرسالية ، لأنَّه بلاغ رسالي يرتبط بالله تعالى وبالمبادئ الإلهية ، فهو عمل هادف ينزع لتحقيق أغراض خاصة ومحدَّده ، وبذلك افترق عن الإعلام الغربي وليد الحضارة المادية ، الذي تُشكِّل فيه الإثارة وتحريك العواطف والغرائز سبيلاً للارتباط بالمخاطب ، فكان مروِّجاً لنفسه قبل أيِّة قضية أخرى .
بَيْد أنَّ الإعلام الإسلامي هادف ، ويمكن أن تتجلَّى هدفيَّته إذا ما درسنا الثورة الحسينية كنموذج كما مارسها الإمام الحسين (عليه السلام) .
الثورة الحسينية والإعلام :
لقد كان للثورة الحسينية ـ كأيّ ثورة أخرى ـ بُعد إعلامي ذا طبيعة خاصة ، يمكن دراستها من زوايا ثلاث ، هي :
1 ـ الهدف الذي سعى إلى تحقيقه .
2 ـ الخطاب السياسي الذي اعتمده وصولاً إلى الهدف .
3 ـ الوسائل التي لجأ إليها لتبليغ الرسالة إلى الناس .
ولقد اهتمَّ الإمام الحسين (عليه السلام) بهذه الأبعاد في ثورته التصحيحية ، التي كانت سبيله لبلوغ الهدف وإنجاز المهام التي رمت إليها الثورة . ولهذا فإنَّنا بدءاً نتسائل عن هذا الهدف الذي سعت الثورة إلى تحقيقه :
الهدف :
أ ـ إيقاظ ضمير الأُمَّة .
ونحن نتسائل عن الهدف الذي حاول الإمام (عليه السلام) تحقيقه من خلال الثورة ، فإنّ أوَّل ما يطرأ على الذهن سؤال هو : هل سعى الإمام إلى الوصول إلى السلطة ، أم إنَّه لم ينزع إليها ؟ فإذا لم يهدف الوصول إليها فإلى أيّ هدف كان نزوعه ؟
من الواضح أنَّ الإمام لم يكن يروم الوصول إلى السلطة رغم شرعية هذا السعي والاستهداف ، بل وكونه واجباً ملقىً على عاتق الإمام وعاتق كل الدعاة إلى الله ؛ ولذا فهو حق للإمام (عليه السلام) باعتباره منصَّباً من الله تعالى لإقامة سلطة العدل والحق .
غير أنَّ الإمام أشاح عن هذه السيطرة ؛ لإدراكه العميق عدم إمكانية تحقيق الأمر في تلك الظروف . وقد شارك الإمام في إدراكه هذا كل الذين رافقوه ولحقوا بركبه وانضموا إلى ثورته ، وبعض أصحاب الرأي والبصيرة ، ممَّن يعرفون في اصطلاحنا الحاضر بـ ( الخبراء ) من ذوي الدراية ، أمثال : عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن جعفر أو غيرهم ، كمحمد بن الحنفية .
هؤلاء أخبروا الإمام بما يعرفونه من أنَّ انتزاع السلطة من بني أُميَّة غير مقدور وغير ممكن في هذه الظروف ، والإمام نفسه كان أكثرهم خبرة ودراية بأوضاع زمانه ، وكان عالماً مسبَّقاً بعدم إمكانية إقصاء بني أُميَّة من على دفَّة السلطة في تلك الفترة بالذات .
هناك نصوص تدلِّل على إدراك الإمام هذه الحقيقة ، وتشير في نفس الآن إلى عدم استهداف السلطة بناءً على ذلك الإدراك ؛ ولهذا فإنَّ الهدف كان إيقاظ ضمير الأُمَّة الذي تخدّر وكاد يموت عند عامّة الناس . أو بتعبيرٍ آخر : كسر الأغلال وتحطيم القيود عن إرادة الأُمَّة ؛ تلك القيود التي صنعها معاوية وسار عليها ابنه يزيد ؛ قيود القهر والبطش والخدر الحضاري من كثرة الأموال ، وكثرة الشهوات ، وانشغال الناس بالدنيا ، والسعي للحصول على أكبر نصيب منها بعد إن فُتحت البلاد وجُبيت الأموال ، حتى أمست هذه هي هموم المسلمين التي تشغلهم وتفقدهم الحركة وتكبِّل إرادتهم .
ب ـ إثبات الحكم بوجوب القيام بوجه الظالم .
هناك جانب آخر يساوق ما ذكرناه في الثورة الحسينية ، وهو جانب إقامة الحجة الشرعية على المسلمين من خلال تجسيد النموذج وأداء القدوة . فالمسلمون الأوائل واجهوا حالة تُوجب الوقوف بوجه الحاكم الظالم ، وهي قضية طُرحت في تلك الفترة ولا زالت مطروحة إلى هذا اليوم : هل يجوز للمسلمين أن يقاوموا أو يقاتلوا الحاكم الظالم ؟ إذا بلغ الحاكم الظالم في ظلمه درجة معينة من الظلم ، وصفها بقوله (عليه السلام) : ( اتّخذوا مال الله دولاً ، وعباده خولاً ، ودين الله دغلاً ) (4) ففي حالة كهذه ما الذي يجب فعله ؟
طبعاً كانت السلطة تبثُّ مفهومها الخاص بهذه الحالة وتروِّج له ، حتى شاع عند العامة عدم جواز الخروج على الحاكم الظالم ، وتَنسب إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله) روايات كثيرة بهذا المضمون ، يتعهَّد إشاعتها في أوساط المسلمين بعض المأجورين ممَّن يُسمُّون أنفسهم بالصحابة ، وينسبون أنفسهم إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) . لقد نشروا بين الناس حرمة القيام بوجه الحاكم الظالم مهما تجبّر وتعدّى حدود الله ؛ بحجّة أنَّ ذلك شقَّاً لعصا المسلمين ، ويجب التسليم لظلم الحاكم مهما بلغ ؛ وأقصى ما يحق للمسلمين فعله هو النُّصح .
لقد وجد الإمام نفسه إزاء حكم شرعي يعجز عن تبليغه أحد سواه ، لِمَا كان ينفرد به من خصائص يفتقر إليها أمثال عبد الله بن عباس أو عبد الله بن جعفر أو أي إنسان آخر .
وتبليغ الحكم الشرعي لا يقل أهمية عن إيقاظ الأُمَّة ، بل إنَّهما يتكاملان .
وهناك أيضاً أهداف أخرى يطول الحديث عنها ، لكن إعلام الثورة ركّز على ما أسلفناه في مجمل حركته لِمَا له من أهمية كبيرة .
الخطاب السياسي :
أ ـ تجنُّب المفاهيم النظرية .
إنَّ اقتضاء الوصول إلى أهداف خاصة ، يستلزم امتلاك خطاب سياسي خاص أيضاً ؛ يُؤدِّي إلى خلق التفاعل بين الأُمَّة وحركة الإمام ، وينتهي إلى إنجاز الأهداف .
وقد حرص الإمام في مجمل حركته على عدم طرح المفاهيم النظرية ، من قبيل الحديث عن إمامته وكونه منصوباً من قبل الله تعالى وقد نصَّت عليه أحاديث واردة عن الرسول (صلّى الله عليه وآله) وأحاديث عن أبيه (عليه السلام) .
فالنبي (صلّى الله عليه وآله) نصَّ على إمامة الحسين (عليه السلام) فقال : ( الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ) (5) ، وهناك أيضاً (حديث الثقلين) الذي تضمَّن تأكيد دور أهل البيت وإمامتهم ، وغير ذلك من النصوص الكثيرة الأخرى .
ويمكن أن نرى في خطابات الإمام التي ألقاها منذ بداية نهضته وحتى سقوطه صريعاً في أرض كربلاء تأكيداً على ضرورة إقامة الحكم العادل ، والحكم بالحق وبما أنزل الله سبحانه وتعالى ، بحيث استغرقتْ كل الخطاب السياسي وبرزت بقَّوة فيه .
ب ـ واقعية الخطاب السياسي .
ولمَّا تجنَّب الإمام المفاهيمية في الخطاب السياسي ، فإنَّه انتهج خطاباً واقعياً بعيداً عن الأبحاث النظرية ، فعندما تحدَّث في مكَّة وفي المدينة وفي الطريق إلى كربلاء ، وعندما واجه جيش ابن زياد ، كانت قضية ( العدالة ) هي محور الأحاديث ، مبرِّزاً ما تميّز به الحكم الأُموي من الظلم والاضطهاد ، وخصوصاً الفترة التي حكم فيها يزيد ، ملفِتاً أنظار الأُمَّة إلى ما يتوجَّب عليها إزاء حكم من هذا النوع ، ومبرِّزاً كل ذلك بقالب عاطفي مؤثِّر في نفوس وأحاسيس المسلمين التي سعت السلطة إلى فرض البلادة عليها .
ــــــــــــ
(1) الأحزاب : 99 .
(2) المائدة : 99 .
(3) الجمعة : 2 .
(4) أخرجه الحاكم بالإسناد : 4 / 480 .
(5) بحار الأنوار : 43 / باب فضائلهما ومناقبهما / 264 / ح 4 / ط طهران ـ 1390 ، منشورات المكتبة الإسلامية . (قال أمير المؤمنين ( صلوات الله عليه ) للحسن والحسين : ( أنتما إمامان بعقبي ، وسيِّدا شباب أهل الجنة ) ) (ح 18) . قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : ( أبناي هذان إمامان قاما أو قعدا ) .
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
التمثيل بالمحقَّرات في القرآن
الشّيخ صالح آل إبراهيم: ميثاقنا الزّوجي
اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا
المادة على ضوء الفيزياء
المعرض الفنّيّ التّشكيليّ (أبيض وأسود) بنسخته الثّالثة
القرآن وجاذبيّته العامة
القرآن الكريم وأمراض الوراثة
اعتبار الإسلام لرابطة الفرد والمجتمع
لا يدرك الخير إلّا بالجدّ
الوصول إلى حالة الانغماس وقياس مستواها