مقالات

وعجّل فرَجه

الشيخ محسن قراءتي

"وَعَجِّلْ فَرَجَهُ"
إنّ الدعاء بتعجيل الفرج هو إحدى علامات الحياة المهدويّة؛ ومن هنا، فإنّ هذا الطلب سيتكرّر في المقاطع اللاحقة، كما سنقوم بتوضيحه إن شاء الله.

"وَسَهِّلْ مَخْرَجَهُ"
بما أنّ خروج الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وحاكميّته أمران عالميّان، فإنّ ما سيواجهه الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف من صعوباتٍ، له مجاله الواسع، ويحتاج إلى بذلٍ للطاقة؛ ولهذا، فإنّ الداعي العاشق لإمام الزمان يسأله تعالى أن يجعل خروجه سهلاً.

"وَأَوْسِعْ مَنْهَجَهُ"
أوّل ظهوره عجل الله تعالى فرجه الشريف سيكون صعباً، ثمّ تأتي السهولة بعد ذلك، ومن ثمّ تنتشر ثقافته، وطريقه، ونهجه.

في هذا المقطع، نطلب من الله تعالى مطالب عدّة على الترتيب. وطريقة التعريج في الدعاء طريقة رُوعِيَ فيها الشرافة والقداسة، فاحتراماً لإمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف، نطلب بدايةً ظهوره، ثمّ نطلب أن تنتشر وتتّسع سيرته.

ويستفاد من هذه المقاطع الثلاثة، أنّ من علامات الحياة المهدويّة في هذه المرحلة أنّ على المنتظِر أن يتوجّه إلى هموم إمام العصر ويعتني بها.

"وَاسْلُكْ بِي مَحَجَّتَهُ"
طريق الإمام طريق طاهر. وسلوك الطريق المستقيم من أكثر البرامج أصالةً في الحياة المهدويّة. ومن يقرأ دعاء العهد، يخطُ خطوةً على الطريق التي يريدها الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، ولكنّ الداعي بذكره لهذه الجملة، يطلب دوام الاستمرار في تلك الطريق، والعاقبة الحسنة.

في هذا المقطع، يقع المضي في طريق وليّ العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف في عصر ظهوره مورداً للتأكيد، كمن يسير في حياته بشكل مستقيم ويصلّي، ومع ذلك فإنّه يقول في صلاته: ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾ (الفاتحة: 6)، والمراد دوام الهداية والعاقبة الحسنة.

"وَأَنْفِذْ أَمْرَهُ"
المنتظِر قلبه معلّق بإمام زمانه، لذا يطلب من الله تعالى أن يكون عصر ظهوره عصر نفوذ أحكامه عجل الله تعالى فرجه الشريف. ففي عصر أهل البيت عليهم السلام، لمّا كانت الحاكميّة بيد أهل الباطل، لم تكن تُنفَّذ أوامر هؤلاء العظماء وأحكامهم. والمنتظِر يعلم أنّ الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف لا يقبل بأيّ بيعةٍ لظالم، وسيزول بظهوره الطواغيت كلّهم، وستكون أوامره عجل الله تعالى فرجه الشريف وحدها هي النافذة والحاكمة.

"وَاشْدُدْ أَزْرَهُ"
في الآيتين (31-32) من سورة طه، يقول تعالى حكايةً لطلب موسى عليه السلام منه سبحانه: ﴿اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾.

الوزير من الوزر، بمعنى الحمل الثقيل، ويُطلق أيضاً على من يحمل ثقل مسؤوليّة غيره على ظهره.

إنّ موسى عليه السلام لم يكن يواجه مشكلة في تلقّي الوحي، وطلبه للوزير كان لأجل ثقل مسؤوليّة الرسالة وصعوبات التبليغ. وفي زمان ظهور الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف أيضاً، سيُلقى على عاتقه عمل ثقيل، وعليه أن يبذل طاقةً كبيرةً في هذا المجال؛ لذا، فإنّ المنتظِر له يطلب من الله قائلاً: اللهمّ اشدد أزره، لكي يقوم بما عليه تجاه هذه المسؤوليّة الاستثنائيّة.

برنامج الظهور
أمّا المقطع التالي من دعاء العهد، فهو قسم فيه واحد وعشرون مقطعاً، ثلاثة عشر منها تتحدّث عن نتائج الظهور: "وَاعْمُرِ اللَّهُمَّ بِهِ بِلادَكَ وَأَحْيِ بِهِ عِبَادَكَ ... مِمَّنْ حَصَّنْتَهُ مِنْ بَأْسِ الْمُعْتَدِينَ".

1- "وَاعْمُرِ اللَّهُمَّ بِهِ بِلادَكَ"
يعتني الإسلام بعمارة الأرض عناية خاصّة، ففي القرآن الكريم قال تعالى: ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ (هود: 61). كما يأمر أمير المؤمنين عليه السلام مالكاً الأشتر بـ: "جباية خراجها، وجهاد عدوها، واستصلاح أهلها، وعمارة بلادها، وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج"(1).

إنّ أحد معالم حكومة إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف هو أنّ جميع المدن في عصره ستصبح عامرة بوساطته؛ لأنّ ثروات الأرض والسماء كلّها ستكون تحت يده.

وبشكلٍ عامّ، فإنّ أحوال وأعمال الأفراد والمجتمع لها دور أساس في الاستفادة من النعم الإلهيّة أو زوالها، ففي سورة الأعراف (الآية: 96)، نقرأ قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ﴾.

كما ورد في الحديث عن عبد الله بن أبي يعفور أنّه قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "من زرع حنطة في أرض فلم يزكِّ زرعه، أو خرج زرعه كثير الشعير، فبظلم عمله في ملك رقبة الأرض، أو بظلم لمزارعه وأكرته، لأن الله يقول: ﴿فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ﴾ (النساء: 160)؛ يعني لحوم الإبل والبقر والغنم"(2).

وقد ذكر القرآن الكريم تأثير الإيمان على عمارة الأرض: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ﴾ (المائدة: 66). ففي دولة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، حيث تكون جميع الموجودات قد تحلّت بالعبوديّة لله تعالى، ستكون الأماكن كلّها عامرة، وخضراء، ومبهجة.

ونقرأ في الروايات أنّه عجل الله تعالى فرجه الشريف: "يملأ الأرض عدلاً وقسطاً"(3)، ويفهم من الألف واللام في كلمة "الأرض" أنّ المراد هو الأرض كلّها.

ولوصيّة أمير المؤمنين عليه السلام بعمارة الأرض أهميّة كبيرة، حيث يقول لحاكمه: "وليكن نظرك في عمارة الأرض"(4)، يعني لا يكن اهتمامك بجمع المال، بل اسعَ أن يكون اهتمامك في الأرض ببناء الدور وزيادة المزارع. كما يوصي أمير المؤمنين عليه السلام لتكون الحكومة إسلاميّة، بأن يصل لأبعد الناس ما يصل لأقربهم: "وتفقد أمورهم بحضرتك وفي حواشي بلادك"(5). لو كان هناك شيء متوافراً في العاصمة وغير متوافر على الحدود، فمن الواضح أنّنا لم نصل إلى العدالة بعد.

ـــــــــــــــــــــ

1.بحار الأنوار، المجلسيّ، ج33، ص599.
2.مستدرك الوسائل، الميرزا النوريّ، ج13، ص372.
3.بحار الأنوار، (م.س)، ج24، ص241.
4.نهج البلاغة، الرسالة: 53.
5.مستدرك الوسائل، (م.س)، ج13، ص167.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد