مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عن الكاتب :
أحد مراجع التقليد الشيعة في إيران

لو لم يُخلق عليٌّ لم يكن لفاطمة كفوٌ

فاطمة (عليها السلام) زوجة أمير المؤمنين علي (عليه السلام)

(لو لم يُخلق عليٌّ لم يكن لفاطمة كفوٌ).

الزواج الذي عُقد في ملكوت السموات كمالات فاطمة الرفيعة من ناحية، وكونها بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من ناحية أخرى، شرف نسبها من ناحية ثالثة، كان سبباً في سعي الكثير من كبار أصحاب الرسول (صلّى الله عليه وآله) لخطبتها، إلاّ أنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) رفض تزويجها، وغالباً ما يكرّر قوله: (أمرها إلى ربِّها!).

الأعجب من ذلك خطبة (عبد الرحمن بن عوف)، ذلك الرجل الثري الذي كان ينظر إلى الأمور من زاوية مادية، على ضوء التقاليد والأعراف الجاهلية، فكان يعتقد بأنّ المهر الغالي دليل على عِظم موقع المرأة ومكانتها. فعن أنس بن مالك قال: ورد عبد الرحمن بن عوف الزهري، وعثمان بن عفان إلى النبي (صلّى الله عليه وآله)، فقال له عبد الرحمن يا رسول الله، تزوّجني فاطمة ابنتك، وقد بذلت لها من الصداق مِئة ناقة سوداء زرق الأعين، كلها قباطي مصر، وعشرة آلاف دينار، -ولم يكن من أصحاب رسول الله أيسر من عبد الرحمن وعثمان- وقال عثمان: وأنا أبذل ذلك، وأنا أَقدم من عبد الرحمن إسلاماً. فغضب النبي (صلّى الله عليه وآله) من مقالتهما، فتناول كفّاً من الحصى فحصب به عبد الرحمن وقال له: (إنّك تهوّل عليّ بمالك؟) فتحوّل الحصى دراً، فقوّمت درّة من تلك الدرر فإذا هي تفي بكلِّ ما يملكه عبد الرحمن.

بلى... يجب أن تُشخّص وتُطبّق الـمُثل الإسلامية في زواج فاطمة (عليها السلام)، ويتعرّف المجتمع الإسلامي على القيم والمعايير الإسلامية السامية، وتُسحق السُنن البالية من عهد الجاهلية. وبينما كان حديث زواج فاطمة يدور على ألسن أهل المدينة، إذ ذيع فجأةً أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لن يزوّجها من غير علي بن أبي طالب (عليه السلام). علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي خلت يده من المال، ومن كلِّ ثروة دنيوية، ولم يكن يتحلى بأيٍّ من الميزات التي تُقيم لها الجاهلية وزناً، لكنّه كان يتمتع بإيمان وقيم إسلامية أصلية، تملأ كيانه من مفرق رأسه إلى أخمص قدميه.

وعندما تحقّق القوم علموا أنَّ وحياً سماوياً قد أمر الرسول (صلّى الله عليه وآله) بعقد هذا الزواج التاريخي المبارك، إضافةً إلى أنّه (صلّى الله عليه وآله) قال: (أتاني مَلَك فقال: يا محمد، إنّ الله يقرؤك السلام، ويقول لك: إنّي قد زوّجت فاطمة ابنتك من عليٍّ ابن أبى طالب في الملأ الأعلى، فزوّجها منه في الأرض).

 

عندما دخل أمير المؤمنين علي (عليه السلام) على رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وقد أخذ الحياء منه مأخذه، جلس بين يديه (عليه السلام) ولم يستطع التكلّم؛ لجلالة وهيبة صاحب الرسالة (عليه السلام) فقال له (عليه السلام): ما جاء بك ؟ ألك حاجة ؟ فسكت أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال (عليه السلام): لعلك جئت تخطب فاطمة؟ فقال علي (عليه السلام): نعم، فقال الرسول (صلّى الله عليه وآله): يا علي! لقد سبقك آخرون خطبتها مني، وإنّي كلما عرضت الأمر عليها لم تظهر موافقتها، دعني أحدّثها في شأنك.

صحيح أنّ هذا الزواج قد عُقد في السماء ويجب أن يتم، إلاّ أنّ احترام حرية المرأة في اختيار زوجها عموماً، وشخصية فاطمة (عليها السلام) خصوصاً تُحتّم على الرسول (صلّى الله عليه وآله)، أن يتشاور مع فاطمة (عليها السلام) في هذا الأمر قبل البتّ فيه. بعدها ذهب النبّي (صلّى الله عليه وآله) لفاطمة (عليها السلام) وقال لها: إنّ علي بن أبي طالب ممّن قد عرفتِ قرابته وفضله في الإسلام، وإنّي سألت ربّي أن يزوّجك خير خلقه وأحبهم إليه، وقد ذكر من أمرك شيئاً، فما ترين؟ فسكتت، فخرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو يقول: الله أكبر! سكوتها إقرارها. بعدها تمّ عقد القران بواسطة الرسول (صلّى الله عليه وآله).

 

مهر فاطمة:

والآن، لنرَ ما هو مهر فاطمة؟ مما لا شك فيه أنّ زواج أفضل رجال العالم بسيدة نساء العالم وابنة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يجب أن يكون مثلًا رائعاً، مثالًا لكلَّ العصور والأزمنة، لذا توجه الرسول صلى الله عليه وآله إلى أمير المومنين علي عليه السلام بالقول: يا أبا الحسن فهل معك شى‌ء أزوجك به؟ فقال علي عليه السلام: فداك أبي وأمي واللَّه ما يخفى عليك من أمري شي‌ء، أملك سيفى، درعي، وناضحي، وما أملك شيئاً غير هذا، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: يا علي أما سيفك فلا غنى بك عنه تجاهد به في سبيل اللَّه وتقاتل به أعداء اللَّه، وناضحك تنضح به على نخلك وأهلك وتحمل عليه رحلك في سفرك، ولكنّي قد زوجتك بالدرع ورضيت بها منك.

ونقرأ في روايةٍ أخرى أنّ الزهراء عليها السلام طلبت من أبيها عليه السلام، أن يكون مهرها الشفاعة في المذنبين من أمّة محمد صلى الله عليه وآله، فنزل جبرئيل عليه السلام على الرسول عليه السلام مخبراً بتلبية اللَّه سبحانه وتعالى لطلب فاطمة عليه السلام.

ربّما أن أغلى قيمة ذكرها التأريخ لهذا الدرع كانت خمس مائة درهم. هذا من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى نقرأ في الحديث أنّ فاطمة عليه السلام سألت النبى صلى الله عليه وآله أن يكون صداقها الشفاعة لأمته يوم القيامة، فنزل جبريل عليه السلام، ومعه رقعة من حرير مكتوب عليها: جعل اللَّه مهر فاطمة الزهراء شفاعة المذنبين من أمة أبيها.

نعم، وبهذا الشكل يجب أن تحطم القيم الخاطئة، لتحلَّ محلها القيم الأصيلة، وهكذا يجب أن تكون سبل وأعراف ذوي الإيمان من الرجال والنساء، و على هذا النهج تكون حياة القادة الحقيقيين لعباد اللَّه «عزوجل».

 

جهاز فاطمة عليها السلام:

المهر، الجهاز، ومراسم الزفاف هي المشاكل الكبرى الثلاث التي تواجه العوائل بشأن الزواج وهي المشاكل التي تطغى أحياناً على الحياة الزوجية فتجعل الزوجين يعيشان الأمريّن طيلة عمرهما.

وبسبب هذه الأمور الثلاثة نلاحظ أحياناً نشوء مشاجراتٍ لفظيٍة، وأخرى نزاعات دموية، وما أكثر ما أُضيع من الأموال في هذه المجال بسبب التظاهر والتفاخر والمنافسة الطفولية والقبيحة بين العوائل.

والموسف أن ترسبات الأفكار الجاهلية ما زالت عالقة في أذهان من يدعون تمسكهم بالإسلام الحنيف. ولكن يجب أن يكون جهاز سيدة الإسلام كما هو مهرها مثالًا نموذجياً للجميع. وكما أمر رسول اللَّه فقد بيع الدرع بأربعمائة وسبعين درهماً، ثم جاء علي عليه السلام بالمهر إلى الرسول. قسم الرسول صلى الله عليه وآله المال إلى ثلاثة أقسام، حيث قبض قبضةً منه ودفعه إلى بلال وقال له: ابتع لفاطمة طيباً، ثم قبض بكلتا يديه مقدارًا من ذلك المال ودفعه الى جماعةٍ قائلًا لهم: اشتروا به ما يصلح فاطمة من ثيابٍ وأثاثٍ للبيت، ودفع مبلغاً آخر لأمِّ أيمن لتشتري به أمتعةً إلى البيت. من الواضح أن جهاز العرس الذي يُهيّأ بهذا القدر من المال، لا بدَّ أن يكون بسيطاً رخيص الثمن.

وقد ذكرت كتب التأريخ أن جهاز سيدة نساء العالمين قد تكوَّن من ثمانية عشر نوعاً من الحاجيات، كلّها من ذلك المال، ونذكر هنا أهمّها:

قطيفة سوداء خيبرية، قميص بسبعة دراهم،‌ سرير مزمّل بشريط، أربع مرافق من أدم الطائف، حشوها أذخر، ستر من صوف حصير هجير، رحى يدوية، سقاء من أدم،‌ مخضب من نحاس،‌ قعب للبن وشن للماء، جرّة خضراء... وأمثال ذلك.‌ نعم هكذا كان جهاز سيدة نساء العالمين.

 

مراسم الزفاف:

أجرى نبيّ الرحمة احتفالًا لهذا الزواج الذي اختاره اللَّه سبحانه وتعالى، ولهذه العائلة التي كان لها الدور الأهم في تاريخ الإسلام، والتي انحدر منها النسل الطيب وأئمة الهدى، خلفاء اللَّه في أرضه فأغضبت مراسم الاحتفال تلك أعداء المسلمين، ورفعت رأس الموالين عالياً، وجعلت الخصوم يفكرون بمعنى الإسلام.

حضرت كلّ من «أم أيمن» و«أم سلمة» وهما امرأتان ذواتا منزلة رفيعة في الإسلام كما كانتا شغفتين بفاطمة الزهراء، عند رسول اللَّه بيت عائشة مع باقي زوجاته، فأحدقن به وقلن: فديناك بآبائنا وأمهاتنا يا رسول اللَّه وقد اجتمعنا لأمرٍ لو أنَّ خديجة في الأحياء لقرّت بذلك عينها.

قالت «أم سلمة»: فلما ذكرنا خديجة بكى رسول اللَّه ثم قال: خديجة وأين مثل خديجة، صدقتني حين كذَّبني الناس وآزرتني على دين اللَّه وأعانتني عليه بمالها، إنّ اللَّه عز وجلّ أمرني أن أبشر خديجة ببيتٍ ‌الجنة من قصب (الزمرد) لا صخب فيه ولا نصب.

قالت «أم سلمة»: فقلنا: فديناك بآبائنا وأمّهاتنا يا رسول اللَّه إنّك لم تذكر من خديجة أمراً إلّا وقد كانت كذلك غير أنّها قد مضت إلى ربّها، فهنأها اللَّه بذلك وجمع بيننا وبينها في درجات جنته ورضوانه ورحمته، يا رسول اللَّه وهذا أخوك في الدنيا وابن عمّك في النسب علي بن أبى طالب يجب أن تدخل عليه زوجته فاطمة، وتجمع بها شمله. فقال: يا أم سلمة فما بال علي عليه السلام لا يسألنى ذلك؟ فقلت: يمنعه الحياء منك يا رسول اللَّه.

قالت «أم أيمن»: فقال لي رسول اللَّه: انطلقي إلى عليِّ فائتيني به فخرجت من عند رسول اللَّه فإذا عليّ ينتطرني ليسألني عن جواب رسول اللَّه، فلما رآني قال: ما وراءك يا أم أيمن، قلت: أجب رسول اللَّه. قال: فدخلت عليه وقمن أزواجه فدخلن البيت وجلست بين يديه مطرقاً نحو الأرض حياءً منه، فقال أتحبُّ أن تدخل عليك زوجتك؟ فقلت وأنا مطرق: نعم فداك أبي وأمي، فقال: نعم وكرامة يا أبا الحسن أدخلها عليك في ليلتنا هذه أو في ليلة غد إن شاء اللَّه، فقمت فرحاً مسروراً، وأمر أزواجه أن يزين فاطمة ويطيبنها ويفرشن لها بيتاً ليدخلنها على بعلها، ففعلن ذلك.

وأخذ رسول اللَّه من الدراهم التي سلمها الى «أم سلمة» عشرة دراهم فدفعها إليّ وقال: اشتر سمناً وتمراً وأقطا، فاشتريت وأقبلت به إلى‌ رسول اللَّه، فحسر عن ذراعيه ودعا بسفرة من أدم وجعل يشدخ التمر والسمن ويخلطهما بالأقط حتى اتخذه حيساً.

ثمَّ قال يا علي ادعُ من أحببت، فخرجت إلى المسجد وأصحاب رسول اللَّه متوافرون، فقلت: أجيبوا رسول اللَّه، فقاموا جميعاً وأقبلوا نحو النبي، فأخبرته بأن القوم كثير، فجلل السفرة بمنديل، وقال: ادخل عليَّ عشرة بعد عشرة، ففعلت وجعلوا يأكلون يخرجون ولا ينقص الطعام، حتى لقد أكل من ذلك الحيس سبع مائة رجل وامرأة ببركة النبى.

قالت «أم سلمة»: ثم دعا بابنته فاطمة، ودعا بعليِّ، فأخذ عليّاً بيمينه وفاطمة بشماله، وجعلهما إلى صدره، فقبل بين أعينهما، ودفع فاطمة إلى عليٍّ وقال: يا علي نعم الزوجة زوجتك، ثم أقبل على فاطمة وقال: يا فاطمة نعم البعل بعلك ثمَّ قام يمشى بينهما حتى أدخلهما بيتهما الذي هيى‌ء لهما، ثم خرج من عندهما فأخذ بعضادتي الباب فقال: طهركما اللَّه وطهر نسلكما أنا سلم لمن سالمكما وحرب لمن حاربكما، أستودعكما اللَّه وأستخلفه عليكم.

ليعتبر عشاق الدنيا وذوو الإيمان الضعيف المتأثرون بزخارف هذا العالم المادي، الذين يرون كرامة وجلال العائلة في التشريفات القاصمة للظهر التي تقام في العرس، وليستلهموا من هذا البناء التربوي للإنسان الذي يعدّ ثروةً وكنزاً لسعادة كلٍّ من الشباب والشابات، وليتفحصوا صفحات التأريخ ويشاهدوا بأعينهم كيف طبقت تعاليم الإسلام أحداث «خطبة» و«مهر» و«جهاز» و«مراسم حفلة زواج» سيدة النساء فاطمة الزهراء عليه السلام.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد