مقالات

الإمام الحسين (ع) إمام الحوار

الشيخ حسين المصطفى 

 

لأنّ الإمام الحسين عليه  لسلام صاحب رسالة، فيد كان عليه السلام إمام الحوار، كان يريد أن يحاور هؤلاء الذين جاؤوا لقتاله ممن كانت قلوبهم معه وسيوفهم عليه، كان يريد أن يهديهم وأن يعرِّفهم الحق، وكان يدعوهم من وقتٍ لآخر من أجل أن يحاورهم ليبينَّ لهم الحقيقة، ولكنّهم باعوا أنفسهم للشيطان، وقالوا له: ما ندري ما تقول يا ابن فاطمة، ولكن انزل على حكم ابن عمك. كانوا يريدون له أن يعترف بشرعية يزيد وابن زياد، بشرعية هذا الحاكم الجائر الذي استولى على الأمّة.

 

لذلك، عندما وصلت القضية إلى الخطِّ الأحمر، وهي قضية أن يُعطي الشرعية لمن لا شرعية له، وهو الذي ثار من أجل تأكيد الشرعية، قال لهم حينها الكلمة التي لا تزال تعيش في عقول كلِّ الأحرار في مدى الزمن: "لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقرّ إقرار العبيد"، "ألا وإنّ الدعي ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين؛ بين السّلّة والذلة، وهيهات منّا الذلة! يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت، وجدود طهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية، من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام".

 

وهكذا، أبى الحسين عليه السلام أن يعيش إلاّ عزيزاً، وانطلق عليه السلام ليؤكّد للجميع ولكلّ الأجيال، أنّه رفض اللاشرعية، ورفض الظلم والانحراف عن سنّة رسول الله صلى الله عليه وآله، لتسير الأمّة بسيرته ولتحمل شعاراته، لتجعل في كلِّ مرحلة من المراحل عاشوراء جديدة من أجل الرسالة، وكربلاء جديدة من أجل الحرية.

 

ولذلك، عندما تمرّ بنا ذكرى الحسين عليه السلام، فإنّ علينا أن نعرف كيف نحتفل بها، لأنّ الحسين عليه السلام انطلق من أجل رسالة جدّه، ومن أجل الإصلاح في أمّة جده، ونحن نعيش في الواقع الإسلامي كلّه الفساد والإفساد، ونعيش الحكم الجائر والظالم الفاقد للشرعية، ونعيش الحكام الذين نصّبهم المستكبرون في العالم من أجل أن يحرسوا مصالحهم. إنّ ما نعيشه الآن هو ما عاشه الإمام الحسين عليه السلام في الواقع الإسلامي، فما عمل على تغييره وإصلاحه، هو ممّا ينبغي أن نعمل على تغييره وإصلاحه.

 

لذلك، ينبغي أن يكون اهتمامنا نحن شيعة الحسين عليه السلام، وأنصاره المخلصين له، هو كيف نحمل رسالته في عملية الإصلاح.. وعلينا كأمّة إسلامية، وخصوصاً الّذين يقولون إنّهم يخلصون للإمام الحسين عليه السلام، أن نرتفع إلى مستوى القضية التي ضحَّى الإمام الحسين عليه السلام من أجلها.

 

لقد كان الحسين عليه السلام صادقاً وسعيداً عندما قال: "شاء الله أن يراني قتيلاً" وكأنّه عليه السلام يريد أن نتنبه إلى أهمية الوصول إلى الغايات العظيمة. ورغم أنّ جميع الأنبياء عليهم السلام كانوا مكلَّفين بإقامة حكم الله في الأرض، إلا أنهم لم يجعلوه هدفاً نهائياً لبعثتهم. فالأنبياء مكلفون بهداية البشر، سواء كانت هناك حكومة إلهية أم لا. ولو كان النصر الظاهري هو الذي كلفنا به الله، لكان الإمام الحسين عليه السلام مقصِّراً، فسيد الشهداء قد انتصر حين أدَّى ما عليه: "شاء الله أن يراني قتيلاً"، وأمير المؤمنين عليه السلام انتصر حين أدّى ما عليه: "فزت ورب الكعبة".

 

يبين لنا الإسلام بأنّ حياتنا عبارة عن سفر ينبغي أن ينتهي إلى الله {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ}. فإما أن يبايع الحسين عليه السلام يزيد ويحفظ نفسه وأهل بيته، وقد رفض الحسين عليه السلام بقوة حيث قال: "هيهات من الذلة". وإما أن يلجأ إلى اليمن ويتحصن فيها، وهو خيار راجح في العديد من النواحي. أو أن يقاتل ويستشهد هو وأهل بيته وأصحابه. وهو الموقف الذي اختاره سيد الشهداء عليه السلام.

 

إنّنا نريد أن نجعل من أمتنا أمة تنطلق في طريق الحق، وبهذا نخلص للإمام الحسين عليه السلام، ونرتفع إلى الأفق الذي ارتفع إليه الحسين عليه السلام، وإلاّ كنا كما قال عليه السلام: "إنَّ الناس عبيد الدنيا، والدين لعقٌ على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معايشهم، فإذا محصِّوا بالبلاء قلّ الديّانون". ذاك هو الحسين، فيه وبموقفه تمثلت الشهادة وتمثل الشهيد.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد