قال بعض المخالفين مخاطباً الشيعة: أنتم تصرخون في عاشوراء من كل عام: (يا لثارات الحسين) بإشارة واضحة منكم للانتقام ممن قتل الحسين!
السؤال هنا: لماذا لم يأخذ الأئمة بثأر أبيهم من قتلته كما تزعمون؟
فهل أنتم أكثر شجاعة منهم؟
إن قلتم: نحن أكثر شجاعة انتهى الأمر.
وإن قلتم: لم يقدروا بسبب الأوضاع السياسية، فسأقول لكم وأين الولاية التكوينية التي تخضع لسيطرتها جميع ذرّات الكون؟ أم هي خرافة فقط في رؤوسكم؟
ثم من هم الذين ستأخذون ثأر الحسين منهم؟
إن المخالف إذا كان يعيب من يقول: (يا لثارات الحسين) فإن بعض الصحابة قالوها، بل تعبّدوا بها، ومنهم: سليمان بن صرد الخزاعي رضي الله عنه.
قال الذهبي: وقد كان سليمان بن صرد الخزاعي، والمسيب بن نجبة الفزاري - وهما من شيعة علي ومن كبار أصحابه - خرجا في ربيع الآخر يطلبون بدم الحسين بظاهر الكوفة في أربعة آلاف، ونادوا: يا لثارات الحسين، وتعبدوا بذلك(1).
وأما قول المخالف: «وأين الولاية التكوينية التي تخضع لسيطرتها جميع ذرات الكون؟ أم هي خرافة فقط في رؤوسكم؟». فجوابه: إن الله تعالى هو المتصرف في جميع ذرات الكون، وهو المسيطر عليه سيطرة تامة، إلا أن الله سبحانه يمكن أن يجري الكرامات على أيدي حججه وأوليائه، فيُقْدرهم على ما لا يقدر عليه غيرهم، كما أقدر الله تعالى نبيّه عيسى بن مريم عليه السلام على إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى، وكما أقدر آصف بن برخيا عليه السلام على الإتيان بعرش بلقيس في طرفة عين، وكما أقدر موسى بن عمران عليه السلام على شق البحر بعصاه، وهكذا.
فكما أقدر الله تعالى أنبياءه وحججه على تلك الأمور، فإن الله تعالى أقدر أئمة الهدى عليهم السلام على أمثالها. وهذا المعنى ذكره ابن تيمية في مجموع الفتاوى، فإنه قال: وفي الأثر: «من سرَّه أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله»، وعن سعيد بن جبير: التوكل جماع الإيمان، وقال تعالى: ﴿... وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ...﴾ (2)، وقال: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ ...﴾ (3)، وهذا على أصح القولين في أن التوكل عليه بمنزلة الدعاء على أصح القولين أيضًا سبب لجلب المنافع ودفع المضار، فإنه يفيد قوة العبد وتصريف الكون، ولهذا هو الغالب على ذوي الأحوال: متشرعهم وغير متشرعهم، وبه يتصرفون ويؤثرون، تارة بما يوافق الأمر، وتارة بما يخالفه(4).
إذا ثبت ذلك نقول: إن استخدام هذه القدرات مرتبط بمصالح نحن لا نعلمها، والأنبياء والأئمة عليهم السلام لا يستخدمون هذه القدرات والكرامات في كل مورد، ولهذا لم يستخدم موسى عصاه في إهلاك فرعون إلا بعد أن أمره الله تعالى بأن يضرب بعصاه البحر، فقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَىٰ﴾(5)، وقال سبحانه: ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾(6).
ولا شك في أن جملة من أنبياء الله تعالى قتلهم سفهاء أقوامهم كما قال تعالى: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ (7) وقوله سبحانه: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ (8)، وقوله عز من قائل: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ (9).
ولا شك في أن أنبياء الله تعالى وحججه عليهم السلام كانوا قادرين على دفع القتل عنهم بالمعجزات والكرامات، إلا أنهم عباد مخلصون، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، فهل عدم دفعهم القتل عن أنفسهم يدل على أن الله تعالى لا يجري الكرامات أو المعجزات على أيديهم في ذلك الوقت لو شاؤوا؟
وأما لماذا لم يثأر أئمة أهل البيت عليهم السلام للإمام الحسين عليه السلام، فنحن أوضحنا فيما تقدم أنهم عليهم السلام عباد مكرمون، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، وهم لم يؤمروا بأخذ الثأر بالسيف في زمانهم ممن قتل الإمام الحسين عليه السلام، لأي سبب كان، وسواء أكانت لهم ولاية تكوينية كما يقول الشيعة أم لم تكن لهم تلك الولاية فإنهم إذا لم يؤمروا بأخذ الثأر ممن قتل الإمام الحسين فلا حاجة للبحث في أنهم لماذا لم يُعملوا ولايتهم في أخذ الثأر.
وكذلك الشيعة لم يؤمروا بأخذ الثأر ممن قتل الإمام الحسين عليه السلام في عصر الغيبة، وإنما أمر بذلك الإمام المهدي عليه السلام بعد ظهوره كما دلت على ذلك روايات الشيعة التي دلت على أن شعار أصحاب الإمام المهدي عليه السلام هو يا لثارات الحسين.
فقد روى الشيخ الصدوق قدس سره في عيون أخبار الرضا عليه السلام بسند صحيح عن الريان بن شبيب عن الرضا عليه السلام أنه قال في حديث: يا ابن شبيب، إن كنت باكيًا لشيء، فابك للحسين بن علي بن أبي طالب، فإنه ذبح كما يذبح الكبش، وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلًا ما لهم في الأرض شبيه، ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله، ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره، فوجدوه قد قتل، فهم عند قبره شعث قبر إلى أن يقوم القائم، فيكونون من أنصاره، وشعارهم: يا لثارات الحسين...(10).
وفي كتاب الغيبة للفضل بن شاذان بإسناده إلى الفضيل بن يسار، عن أبي عبد الله - في حديث في أصحاب القائم - قال: وهم من خشية الله مشفقون، يدعون بالشهادة، ويتمنون أن يقتلوا في سبيل الله، شعارهم: يا لثارات الحسين، إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر(11).
وأما الذين سيأخذ الإمام المهدي عليه السلام ثأره منهم فهو يعرفهم، ولا حاجة لأن يعرفهم المخالف، نسأل الله تعالى ألا يكون هذا المخالف منهم؛ لأن من رضي بعمل قوم شرك معهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. تاريخ الإسلام حوادث سنة 55هـ، ص 46.
2. القرآن الكريم: سورة الطلاق (65)، الآية: 3، الصفحة: 558.
3. القرآن الكريم: سورة الأنفال (8)، الآية: 9، الصفحة: 178.
4. مجموع الفتاوى 10/310.
5. القرآن الكريم: سورة طه (20)، الآية: 77، الصفحة: 317.
6. القرآن الكريم: سورة الشعراء (26)، الآية: 63، الصفحة: 370.
7. القرآن الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 112، الصفحة: 64.
8. القرآن الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 181، الصفحة: 74.
9. القرآن الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 155، الصفحة: 103.
10. عيون أخبار الرضا عليه السلام 2/268.
11. مستدرك الوسائل 11/114.
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
الإسلام وميول الإنسان
شروط البحث
الزهراء للإمام عليّ: اشتملت شملة الجنين (1)
التمثيل بالمحقَّرات في القرآن
الشّيخ صالح آل إبراهيم: ميثاقنا الزّوجي
اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا
المادة على ضوء الفيزياء
المعرض الفنّيّ التّشكيليّ (أبيض وأسود) بنسخته الثّالثة
القرآن وجاذبيّته العامة
القرآن الكريم وأمراض الوراثة