مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عن الكاتب :
أحد مراجع التقليد الشيعة في إيران

سيدة نساء العالمين

من الطبيعي أن تختلف منزلة البشر من واحد لآخر، فمنهم مَن علا بفضيلته على الملائكة المقرّبين، ومنهم مَن هو أحطّ من الحيوانات، وطبقاً لِما ينصُّ عليه القرآن ويوصي به الإسلام، فإنَّ (العلم والإيمان والتقوى والصفات الإنسانية الفاضلة) هي التي ترفع من مقام الإنسان وقيمته، وبالاستناد إلى هذه المعايير فإنّ السيدة فاطمة الزهراء - وعلى لسان رسول الله - سيدة نساء العالمين.

لقد ورد في مصادر أهل السنة المعروفة كثير من الروايات تنصُّ على أنّ فاطمة الزهراء أفضل نساء العالمين؛ حيث تحدث الرسول، بهذه لعدة مرات وبتعابير مختلفة.

 

1- قال:

(إنّ أفضل نساء الجنة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم) (1).

2- ونقرأ في حديث آخر للرسول حين اعتلّ علة الموت، عندما شاهد قلق واضطراب فاطمة أنّه قال:

(يا فاطمة، أَلا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين، وسيدة نساء هذه الأمّة، وسيدة نساء المؤمنين) (2).

وهنا تظهر أفضلية فاطمة المطلقة؛ حيث لم يورد الرسول في حديثه اسماً آخر.

 

3- نقل أبو نعيم الأصبهاني عن جابر بن سمرة، قال: جاء نبيّ الله فجلس وقال:

إنّ فاطمة وَجِعة، فقال القوم: لو عدناها؟

فقام فمشى حتى انتهى إلى الباب - والباب عليها مصفق - قال، فنادى: شُدّي عليك ثيابك فإنّ القوم جاؤوا يعودونكِ. فقالت: يا نبيّ الله، ما عليَّ عباءة. قال: فأخذ رداءً فرمى به إليها من وراء الباب، فقال: شُدّي بهذا رأسك، فدخل ودخل القوم، فقعد ساعةً فخرجوا، فقال القوم: تالله بنت نبيّنا على هذا الحال؟

قال فالتفت فقال:

(أَما إنّها سيدة النساء يوم القيامة) (3).

4 - وبتعبير آخر رواه صحيح (4) البخاري - وهو من أشهر مصادر الحديث عند العامة - نقلاً عن عائشة أنّها قالت: أقبلت فاطمة كأنّ مشيتها مشية رسول الله فقال: مرحباً بابنتي، ثمّ أجلسها عن يمينه، ثم أسرَّ إليها حديثاً فبكت، فقلت استخصك رسول الله وأنت تبكين؟ ثمَّ أنّه أسرَّ لها فضحكت.

قالت: فقلت لها ما رأيت كاليوم أقرب فرحاً من حزن، ما أسرّ إليك؟

فقالت فاطمة: ما كنت لأفشي سرّ رسول الله.

حتى إذا قُبض الرسول سألتها، فقالت:

(إنّه أسرّ إليّ وقال: كان جبرئيل يعارضني بالقرآن في كلّ عام، وإنّه عارضني به هذا العام مرتين، ولا أراه إلاّ قد حضر أجلي، وإنّكِ أوّل أهلي لحوقاً بي، ولنِعمَ السلف أنا لكِ، فبكيت لذلك، فقال: أَما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة ونساء المؤمنين؟! فذلك الذي أضحكني).

ويُتضح جيداً من التأمل في هذه الأحاديث، أنّه إذا قيل إنّ فاطمة واحدة من أربع من النساء الفاضلات، فإنّ ذلك لا ينافي كونها أفضل تلك النساء الأربع.

 

ودليلنا على هذا ما يفيده الحديث التالي:

5 - نُقل في كتاب (ذخائر العقبى) عن ابن عباس أنّ الرسول الكريم قال: (أربع نسوة سيدات سادات عالمهنَّ: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وأفضلهنّ فاطمة) (5)، وبالطبع فإنّ كلمة (أفضلهنّ) تشتمل على عدة معان، وتشير إلى المنزلة العلمية، والتقوى والإيثار، وسائر الـمَلَكات الفاضلة.

لقد صرّح القرآن قائلاً: إنّ الملائكة كانت تكلّم مريم، كما في الآية الشريفة: (إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ) (6).

وقد كلّمت مريم الملائكة، وهذا ما تنصّ عليه آية 16 والى آية 21 من سورة مريم، وينص القرآن على أنّه كان يؤتى لمريم بطعام من الجنة، حيث نقرأ في الآية الشريفة: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُول حَسَن وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمَحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَاب) (7).

 

ويصفها في مكان آخر بأنّها (صدّيقة)، كما في الآية الشريفة:

(مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (8).

وغير ذلك من الفضائل التي يثبتها للسيدة مريم وباقي النساء الفاضلات كآسية بنت مزاحم، وكذلك يثبت النبي مثل هذه الفضائل والكرامات للسيدة خديجة الكبرى.

ومن هذا المنطلق نعرف أنَّ لفاطمة مقامُا عاليًا أو منزلة رفيعة مكرّمة، خصوصاً ما جاء في رواية (الأفضلية) التي تدل على أنَّ هذه المفاخر والمناقب، هي في الواقع جزء ممّا تتحلّى وتتميّز به فاطمة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1).. نقل هذا الحديث في مستدرك الصحيحين، ج 2، ص497 ثمّ صرّح بأنّ سنده صحيح.

(2). مستدرك الصحيحين، ج3، ص156، كما صرّح بصحة سند هذا الحديث.

(3). حلية الأولياء، ج2، ص42.

(4). صحيح البخاري كتاب بدء الخلق.

(5). خائر العقبى، ص44، وأيضاً السيوطي في ( الدر المنثور ) ذكر هذا الحديث في أسفل آية 42 من سورة آل عمران.

(6). سورة آل عمران، آية 42 كذلك آية 43و45.

(7). سورة آل عمران، آية 37.

(8). سورة المائدة، آية 75.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد