مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ فوزي آل سيف
عن الكاتب :
من مواليد سنة «1379 هـ» في تاروت ـ القطيف، درس المرحلة الابتدائية في تاروت وهاجر للدراسة الدينية في الحوزة العلمية بالنجف ـ العراق سنة 1391 هـ. التحق في عام 1394 هـ، بمدرسة الرسول الأعظم ودرس فيها الأصول والفقه وتفسير القرآن والتاريخ الإسلامي والخطابة والأدب، في عام 1400 هـ هاجر إلى الجمهورية الإسلامية في إيران وشارك في إدارة حوزة القائم العلمية في طهران، ودرّس فيها الفقه والأصول والثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي، وأكمل دراسة المنهج الحوزوي في الفقه والأصول. انتقل لمتابعة دراساته العالية إلى قم في بداية عام 1412 هـ ودرس البحث الخارج، عاد في نهاية عام 1418 هـ إلى وطنه القطيف. صدر له عدد من المؤلفات منها: "من قضايا النهضة الحسينية أسئلة وحوارات، نساء حول أهل البيت، الحياة الشخصية عند أهل البيت، طلب العلم فريضة، رؤى في قضايا الاستبداد والحرية، صفحات من التاريخ السياسي للشيعة" وغير ذلك..

التوحيد في خطبة السيدة الزهراء عليها السلام (1)

حين ابتدأت بالحديث عن التوحيد قالت:

«الْحَمْدُ للهِ عَلى ما أنْعَمَ، وَلَهُ الشُّكْرُ على ما أَلْهَمَ، وَالثَّناءُ بِما قَدَّمَ، مِنْ عُمومِ نِعَمٍ ابْتَدَأها، وَسُبُوغ آلاءٍ أسْداها، وَتَمامِ مِنَنٍ والاها، جَمَّ عَنِ الإحْصاءِ عدَدُها، وَنأى عَنِ الْجَزاءِ أَمَدُها، وَتَفاوَتَ عَنِ الإدْراكِ أَبَدُها، وَنَدَبَهُمْ لاِسْتِزادَتِها بالشُّكْرِ لاِتِّصالِها، وَاسْتَحْمَدَ إلَى الْخَلايِقِ بِإجْزالِها، وَثَنّى بِالنَّدْبِ إلى أمْثالِها، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، كَلِمَةٌ جَعَلَ الإْخْلاصَ تَأْويلَها، وَضَمَّنَ الْقُلُوبَ مَوْصُولَها، وَأَنارَ في الْفِكَرِ مَعْقُولَها. الْمُمْتَنِعُ مِنَ الإْبْصارِ رُؤْيِتُهُ، وَمِنَ اْلأَلْسُنِ صِفَتُهُ، وَمِنَ الأَوْهامِ كَيْفِيَّتُهُ. اِبْتَدَعَ الأَشَياءَ لا مِنْ شَيْءٍ كانَ قَبْلَها، وَأَنْشَأَها بِلا احْتِذاءِ أَمْثِلَةٍ امْتَثَلَها، كَوَّنَها بِقُدْرَتِهِ، وَذَرَأَها بِمَشِيَّتِهِ، مِنْ غَيْرِ حاجَةٍ مِنْهُ إلى تَكْوينِها، وَلا فائِدَةٍ لَهُ في تَصْويرِها إلاّ تَثْبيتاً لِحِكْمَتِهِ، وَتَنْبيهاً عَلى طاعَتِهِ، وَإظْهاراً لِقُدْرَتِهِ، وَتَعَبُّداً لِبَرِيَّتِهِ، وإِعزازاً لِدَعْوَتِهِ، ثُمَّ جَعَلَ الثَّوابَ على طاعَتِهِ، وَوَضَعَ العِقابَ عَلى مَعْصِيِتَهِ، ذِيادَةً لِعِبادِهِ عَنْ نِقْمَتِهِ، وَحِياشَةً مِنْهُ إلى جَنَّتِهِ». صدقت مولاتنا فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها.

 

الابتداء بالحمد ميزة الخطاب الإسلامي:

تبدأ السيدة الصديقة عليها السلام أولاً بالحمد لله، الحمد لله على ما أنعم.. هذا الابتداء في الخطاب هو أسلوب إسلامي متميز لم يُعهد هذا الأسلوب في الديانات الأخرى السابقة أو في الخطابات بهذا التركيز والكثافة، لكن في الحالة الإسلامية نحن نجد الابتداء بالحمد لله حاضراً في القرآن الكريم فهنالك عدة سور تبتدئ بالحمد لله أولها وأهمها سورة الفاتحة {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} بدء الفاتحة التي هي أم الكتاب وخلاصة القرآن كما يقول المفسرون بدؤها ومطلعها بالحمد، فكان بداية الكتاب الكريم بداية القرآن العظيم هي بداية حمدية لماذا هذا التعبير والاستخدام بالحمد؟ وماذا يعني؟.

 

حضور البداية بالحمد لله عز وجل في الأدعية حضورًا كبيرًا، راجعوا الصحيفة السجادية وغيرها من الكتب المخصصة للأدعية سوف تجدون الأدعية التي تبدأ بالحمد أدعية كثيرة منها دعاء عظيم للإمام الحسين عليه السلام في يوم عرفة بلغنا الله وإياكم موقف عرفات وحج بيت الله الحرام، يبدأ بـ «الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع ولا لعطائه مانع» وهكذا، حينما يخطب أمير المؤمنين عليه السلام نجد الحمد أيضًا حاضرًا في خطبه «الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون ولا يحصي نعماءه العادّون».

 

فالبداية الحمدية التي هي أسلوب إسلامي متميز نجدها في أعظم النصوص وهو القرآن الكريم وهو خطاب الله للإنسان، كما نجدها في الأدعية التي هي خطاب الإنسان لله تعالى، أيضًا جملة وافرة من الأدعية تبدأ بالحمد وخطب المعصومين عليهم السلام كما ذكرنا، بل وغيرهم ممن تأثر بمنهجهم يبدؤون بالحمد، فالسيدة فاطمة تستخدم هذا الأسلوب «الحمد لله على ما أنعم وله الشكر على ما ألهم - من ماذا؟ - من عموم نعم ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها وتمام منن والاها».

 

عموم النعم قد تكون ناظرة إلى عموم المنعم عليهم، وهذا من فضل الله عز وجل إذ لم يجعل نعمته محصورة في طائعيه وعابديه، وإنما فضل الله كان أوسع من ذلك وعطاؤه أعظم، فجعل نعمته عامة لكل من خلق حتى ذلك العاصي بل الملحد، وقد تكون ناظرة إلى نفس النعم، إنها نعم عامة لا تختص بجهة دون أخرى، ليست في جانب دون جانب.

 

وأيضاً «سبوغ آلاء» السبوغ هو الاتساع والانتشار يقال درع سابغة يعني درع واسع منتشر غير ضيق، كذلك آلاء الله سبحانه وتعالى آلاء منتشرة، يعني أنا وأنت حياتنا قد تقوم بالماء وشيء من الرز والخبز وشيء من اللحم، لكن تعال وانظر إلى نعم الله المختلفة، تجد في الطعام الفواكه التي خلقت بأشكال مختلفة وأطعمة متعددة وألوان كثيرة، مع أن الإنسان قد لا يحتاجها كلها حاجة أساسية بمعنى أنه لو انقطعت عنه لا تقوم حياته، ولكن هذا من انتشار النعمة الإلهية وسبوغها في كل شيء فالحمد لله رب العالمين، {وإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}[1].

 

«وتمام منن والاها» نعمة الله حين تأتي إليك تأتي تامة فهي في منتهى الكمال ولا يوجد من ورائها غاية، الخلقة التي أنت عليها أيها الإنسان هي في {فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} جمالًا وكمالًا وأداء، ولو اجتمع البشر لكي يشكلوا آلة تخدم الإنسان بغير هذا الشكل فيها يجتمع جمال الشكل وكمال الأداء والتكامل مع سائر الأجهزة، لا يستطيعون أبدًا، مع أن الله تعالى قادر أن يجعله يؤدي الغرض لكن من غير جمال أو تناسق كأن يجعل أنفًا للتنفس لكن ليس بالضرورة أن يكون جميلًا رائعًا يتغنى به، أو يخلق وسيلة إبصار لكن لا بهذا النحو الجميل والكامل.. إلا أن الله سبحانه جعل نعمه تامة بحيث لا يستطاع القول بأن يا ليت كان هكذا أو على ذلك النحو المختلف! ولك للمقارنة أنك حين تذهب إلى منزل في غاية الجمال، يبقى في ذهنك اقتراح أن لو كان هكذا أو بذلك الشكل أو.. لكان أفضل. لكن في نعم الله سبحانه وتعالى جعل هذا الأنف نقطة جمال وكمال في نفس الوقت، فالنعم هنا تامة لا يوجد من ورائها قول يا ليت كان بهذا الشكل، فمثلاً أنت حينما تذهب إلى بيت وتقول هذا البيت جميل لكن لو كان الترتيب بهذا الشكل لكان أجمل، لكن بالنسبة إلى نعم الله عز وجل لا يوجد لمثل هذا الكلام أبداً.

 

لم أكن أريد أن أطيل في المقدمة لتعداد السيدة الزهراء عليها السلام لهذه النعم بأشكالها المختلفة وبتعبيرات متعددة كل تعبير يفيد معنى غير التعبير السابق وتحمّل الإنسان مسؤولية هذه النعم ثم تأتي في قضية معرفة الله عز وجل. لاحظ أن السيدة الزهراء جاءت تناظر في موضوع الخلافة والإمامة ابتداءً من التعريف بالله عز وجل ثم التعريف بالنبي صلى الله عليه وآله، ثم التعريف بسيرة أمير المؤمنين عليهم السلام ونشأة التشيع ثم تأتي إلى البحث الخاص في الإمامة والميراث.

 

التعريف بالله تعالى: أشهد أن لا إله إلا الله:

«أشهد أن لا إله إلا الله؛ كلمة» تقرأ كلمة بنحوين؛ بالضم؛ وبالفتح «جعل الإخلاص تأويلها وضمّن القلوب موصولها وأنار في التفكر معقولها» أشهد أن لا إله الله: لها جهتان؛ جهة ظاهرية هي هذه الكلمة التي إذا قالها الإنسان وأتبعها بالشهادة لنبينا محمد صلى الله عليه وآله يترتب على هذه الكلمة مجموعة من الآثار، منها أن هذا الإنسان يكون مسلمًا ويكون ماله حرامًا محترمًا وعرضه كذلك، وله ما للمسلمين وعليه ما عليهم، ولكنّ هناك جانبًا أعمق لها، فهذا يحتاج إلى التأويل والغوص في هذه الكلمة وينتهي إلى تخليصها من الشوائب من شوائب المعرفة الخاطئة لله عز وجل، إذا أردت أن تعرف الله معرفة عميقة تحتاج إلى أن تجرد هذه المعرفة من الشوائب، كيف يعرف اليهود ربهم بشكل، ويعرف بعض المسلمين ربهم بشكل آخر؟ كما سيأتي؟ وكيف يَعرف ويُعرّف أهل البيت عليهم السلام ربهم؟ فلا بد أن تكون هذه المعرفة خالصة من الشوائب والمعارف غير الصحيحة.

 

إن اخلاص العبادة لله هي فرع الاعتقاد بأن لا إله إلاّ الله، والاعتقاد بأنه لا مؤثر حقيقة في الكون إلا هو سبحانه وبأنه لا حول ولا قوة إلا به. وهذا الاعتقاد إذا كان عميقًا وحقيقيًّا فإن المعتقد به سوف لا يؤمن بأن قدره ورزقه بيد فلان فيتوسل إليه وبه ما لا يصنع مع خالقه، ويركض وراءه طيلة حياته ما لا يمارسه مع ربه! مع فقدان الإخلاص وإفراد الله بالعبودية والتوجه لا ينفع كثيرًا أن يكرر الشخص قول أشهد أن لا إله إلى الله.. نعم يترتب على مثل هذا القول بعض الآثار الظاهرية التي ذكرناها من تعنون الشخص بعنوان الإسلام، ولكن آثارها الحقيقية لا تحصل إلا بممارستها بصدق والايمان بها بعمق. جعل الإخلاص أوليًّا لها وعمقًا فيها، و«ضمن القلوب موصولها»، بالرغم من أن المعرفة الكاملة والشاملة بالله سبحانه متعسرة على الإنسان، أنّ المعرفة الفطرية بالله موجودة في داخل قلب كل إنسان، قد ضمّن الله سبحانه وتعالى هذه المعرفة قلوب الناس وفطرتهم. وبهذا المقدار يمكن الاحتجاج عليهم فلا يستطيع إنسان أن يقول إن إدراك ومعرفة الله حق المعرفة لا تستطاع فإذن لا يلزم الايمان به لعدم استطاعة ذلك.. كلا بل يقال المعرفة الفطرية والإيمان القلبي موجود في أعماق الإنسان وهو كافٍ.

 

نعم زود الله سبحانه الإنسان بما يستطيع معه أن يصل إلى حقائق في معرفة الله سبحانه بالتفكر وإعمال العقل «أنار في التفكر معقولها» لذلك إذا أراد أحد أن يعرف ربه ينبغي أن يعمل عقله بمقاييسه. «الممتنع من الأبصار رؤيته ومن الألسن صفته ومن الأوهام كيفيته» هي مراحل ثلاث تتحدث عنها الزهراء عليها السلام:

1) أنّ ربنا سبحانه وتعالى يمتنع على بصر كل ذي بصر أن يراه في الدنيا وفي الآخرة إذ لا تدركه الأبصار.

2) أنه يمتنع أن يحيط به وصف الواصفون.

3) أنه يمتنع على التصور والتخيل.

 

لماذا كان هذا الامتناع؟ لأننا لو طبقنا ما دعت الزهراء إليه من «التفكر في معقولها» سيقول التفكر لنا إن هناك شروطًا يفرضها العقل لرؤية أي شيء بالبصر: من تلك الشروط أن يكون في جهتك وأنت في جهته، فلو فرضنا أنك أردت أن ترى الجدار الذي يكون في خلفك فإنك لا تستطيع وهذا واضح فأنت لا تبصره إذ ليس هو في جهتك. وهذا لا يمكن تحققه بالنسبة لرؤية الله بالبصر، وذلك لأنه الشيء الذي يراد النظر إليه وإبصاره لا بد أن يكون في جهة، والله لا يكون في جهة دون أخرى! بل يلزم من ذلك أن يتحيز الله ويتحدد (سبحانه وتعالى عن ذلك).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1). النحل: 18

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد