مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد باقر الأيرواني
عن الكاتب :
الشيخ محمد باقر الأيرواني، فقيه وأصولي، ولد عام (1949 م) أستاذ كبير في البحث الخارج وله الكثير من المؤلّفات.

الإمام المهدي (ع) بين التواتر وحساب الاحتمال (1)

التشكيك في فكرة الإمام المهدي (عج)

 

التشكيك في فكرة الإمام المهدي صلوات الله عليه يمكن إبرازه في بعدين:

 

البعد الأول:

 

التشكيك في الفكرة من الأساس، فالإمام المهدي سلام الله عليه لم يولد ولا يولد ويرفض القول بأنه سوف يظهر في آخر الزمان رجل يتم إصلاح العالم على يديه، مثل هذا الشخص لم يولد ولا يولد ولا تتحقق مثل هذه الفكرة، هذا بعد من التشكيك في فكرة الإمام المهدي.

 

البعد الثاني:

 

أن يسلم بفكرة الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه في الجملة، ولكن يدعى أن هذه الفكرة بعد لم تولد، وإنما تولد فيما بعد، فشخص بعنوان الإمام المهدي لم يتحقق بعد، وإذا كان هناك مصلح يتحقق على يديه إزالة الظلم فذلك يتحقق ويولد فيما بعد.

 

البعد الأول: التشكيك في أصل الفكرة:

 

إذا لاحظنا البعد الأول من التشكيك، أي: التشكيك في الفكرة من الأساس، فبالإمكان أن نجد المسلمين متفقين تقريبًا على بطلان مثل ذلك، فالإمامية وغيرهم قد اتفقت كلمتهم على أنه سيظهر في آخر الزمان رجل يتم إصلاح العالم على يده المباركة، وقد دلت على ذلك آيات كثيرة، كما دلت على ذلك مجموعة كبيرة من الروايات.

 

الاستدلال بالآيات في بطلان التشكيك:

 

أما الآيات فأتمكن أن أقول هي بين خمس إلى ست، طبيعي الآيات التي لا تحتاج إلى تفسير من قبل أهل البيت سلام الله عليهم والتي هي ظاهرة بنفسها، وواحدة من تلك الآيات الشريفة: (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم)، نور الله هو الإسلام (والله متمّ نوره)، هذا إخبار من الله عز وجل بأن نوره سوف يتمه على جميع الكرة الأرضية، ومصداق ذلك لم يتحقق بعد، وحيث أنه لا يحتمل في حقه سبحانه عز وجل الأخبار على خلاف الواقع، فلا بد وأن إتمام النور سوف يتحقق يومًا من الأيام، ولا يحتمل تحققه إلا على يد هذا المصلح وهو الإمام صلوات الله عليه، هذه الآية بنفسها ظاهرة بلا حاجة إلى تفسير روائي.

 

ومن هذا القبيل قوله تعالى (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) (1)، المقصود من الأرض جميع الأرض، ولحد الآن لم يرث جميع الأرض العباد الصالحون، ولا بد وأن يتحقق هذا فيما بعد في المستقبل، ولا يحتمل تحققه إلا على يد الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه.

 

هذه الآيات لا تدل على أن هذا الشخص قد ولد الآن وهو موجود الآن وغائب عن أعيننا الآن، هذه تدل على أنه سوف يتحقق هذا الحلم وهذه الأمنية في يوم من الأيام، الأرض يرثها العباد الصالحون - جميع الأرض - ومن الممكن أن الإمام لم يولد بعد وسوف يولد في المستقبل، وتتحقق هذه الأمنية على يده في المستقبل من دون أن يكون مولودًا الآن، فمثل هذه الآيات لا تثبت ولادة الإمام وأنه غائب، بل من المحتمل أنه سوف يولد مثل هذا الشخص في المستقبل.

 

الاستدلال بالروايات على بطلان التشكيك:

 

الروايات أيضًا في هذه المجال - في أصل فكرة الإمام المهدي، وأنه سوف تتحقق هذه الأمنية، ولو من دون دلالة على أن هذا الشخص مولود بالفعل - كثيرة وسلم بها غير الإمامية أيضًا، وألفوا كتبًا في جمع هذه الروايات الدالة على الإمام المهدي وأنه سوف يظهر في آخر الزمان شخص باسم المهدي، والذي اطلعت عليه أنا أكثر من ثلاثين كتابًا للإخوة من العامة غير الإمامية في هذا المجال.

 

ومن باب المثال هذه بعض الروايات:

 

عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: "لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي" (2). حديث آخر: "لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلمًا وجورًا وعدوانًا ثم يخرج من أهل بيتي من يملأها قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا" (3). وعلى هذا النسق روايات أخرى كثيرة موجودة.

 

وقد سلم بهذه الروايات وبهذه الفكرة في الجملة غيرنا من العامة، بما فيهم ابن تيمية وابن حجر (4)، بل في الآونة الأخيرة سلم بها عبد العزيز بن باز كما ورد في مجلة الجامعة التي تصدر من المدينة المنورة (5) وذكر أن هذه الفكرة صحيحة والروايات صحيحة ولا يمكن إنكار هذه الفكرة. فالمسلمون إذن بشكل عام قد سلموا بهذه الفكرة، للآيات والروايات.

 

وإذا كان هناك منكر فهو قليل، ويمكن أن يعد شاذًّا، من قبيل ابن خلدون في تاريخه (6) وأبو زهرة في كتابه الإمام الصادق (7) ومحمد رشيد رضا في كتابه تفسير المنار (8) في قوله تعالى: (يريدون ليطفئوا نور الله) (9)، فإنه حينما يمر بها هناك يقول: الروايات ضعيفة، فهو يحاول تضعيف الروايات بمجرد دعوى ذلك لا أكثر.

 

على أي حال أصل فكرة الإمام المهدي وأنه سوف يتحقق هذا الحلم وتتحقق هذه الأمنية مسلمة من قبل عامة المسلمين تقريبا إلا من شذ، وقد دلت عليها الآيات والروايات الكثيرة التي جمعت في ثلاثين كتابًا أو أكثر للإخوة العامة فقط.

 

البعد الثاني: التشكيك في الولادة:

 

البعد الثاني للتشكيك هو التشكيك في ولادة الإمام سلام الله عليه، بمعنى أن يقال: نحن نسلم بهذه الفكرة وأنه سيظهر شخص، لكن هذا الشخص لا يلزم أن يكون هو الإمام المهدي، ولا يلزم أن يكون مولودًا الآن، ولا يلزم أن يكون قد غاب، ولعله يولد في المستقبل والآن غير موجود، ولا توجد غيبة، فكيف نتمكن أن نثبت ولادة الإمام المهدي الآن وأنه قد تحققت ولادته؟ إن المهم في هذه هو إثبات هذا الموضوع، وذلك من خلال هذين الطريقين، أي: طريق التواتر مرة، وطريق حساب الاحتمال أخرى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- الأنبياء: 105.

2 - مسند أحمد 1: 377 ح 3563، ونحوه الصواعق المحرقة: 249.

3 - مسند أحمد 3 : 36 ح 10920، كنز العمال 14: 271 ح 38691، وفيه: "رجل من عترتي".

4 - الصواعق المحرقة: 249.

5 - مجلة الجامعة الإسلامية العدد 3 من السنة الأولى 161 - 162.

6 - تاريخ ابن خلدون 1 : 199.

7 - الإمام الصادق: 199.

8 - تفسير المنار 10: 393، سورة التوبة، وله مناقشات حول روايات الإمام المهدي عليه السلام راجع 9 : 499 - 507.

9 - التوبة : 32

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد