مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد باقر الأيرواني
عن الكاتب :
الشيخ محمد باقر الأيرواني، فقيه وأصولي، ولد عام (1949 م) أستاذ كبير في البحث الخارج وله الكثير من المؤلّفات.

الإمام المهدي (ع) بين التواتر وحساب الاحتمال (2)

أربع قضايا مهمة

 

وقبل أن أشرع بالبحث أود أن أبيّن أربع قضايا كمقدمة لتحقيق الهدف:

 

القضية الأولى:

 

أي مسألة تاريخية إذا ما أردنا إثباتها فهناك طريقان لإثباتها: أحدهما: التواتر. ثانيهما: حساب الاحتمال. والتواتر يعني: أن يخبر بالقضية مجموعة كبيرة من المخبرين بحيث لا نحتمل اجتماعهم واتفاقهم وتواطئهم على الكذب، فإذا أخبرنا خبرًا من الأخبار ثلاثمائة شخص أو مائتا شخص، وكل واحد نفترضه من مكان غير مكان الآخر، في مثل هذه الحالة لا نحتمل تواطؤ الجميع واتفاقهم على الكذب، مثل هذا الخبر يقال له الخبر المتواتر. هذا طريق لتحصيل العلم بالقضية والمسألة التاريخية.

 

الطريق الثاني: أن نفترض أن الخبر ليس متواترًا، كما إذا أخبر به واحد أو اثنان أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة من دون تواتر، ولكن انضمت إلى ذلك قرائن من هنا وهناك، يحصل العلم بسببها على مستوى حساب الاحتمال.

 

فلنفترض أن هناك شخصًا مصابًا بمرض عضال، وجاء شخص وأخبر بأن فلانًا قد شفي من مرضه، يحصل احتمال أنه شفي بدرجة ثلاثين بالمائة مثلًا، لكن إذا انضمت إلى ذلك قرائن فسوف ترتفع القيمة الاحتمالية من ثلاثين إلى أربعين وإلى خمسين وإلى أكثر، افترض أننا شاهدناه لا يستعمل الدواء بعد ذلك وكان حينما يحضر في مكان يستعمل الدواء، فهذا يقوي احتمال الشفاء، وإذا كانت القيمة الاحتمالية للشفاء بدرجة ثلاثين الآن ترتفع وتصير بدرجة أربعين مثلًا، وأيضًا شاهدناه يجلس في المجلس ضاحكًا مستبشرًا، هذه الظاهرة أيضًا تصعّد من القيمة الاحتمالية لهذا الخبر، وهكذا حينما تنضم قرائن من هذا القبيل، فسوف ترتفع القيمة الاحتمالية للخبر إلى أن تصل إلى درجة مائة بالمائة.

 

هذا الخبر هو في الحقيقة ليس خبرًا متواترًا، لكن لانضمام القرائن حصل العلم. فهنا حصول العلم يحصل بحساب الاحتمال، يعني بتقوي القيمة الاحتمالية بسبب انضمام القرائن. إذن، حصول العلم بأي قضية تاريخية يتم من خلال أمرين: من خلال التواتر. ومن طريق حساب الاحتمال بتجميع القرائن.

 

القضية الثانية:

 

لا يلزم في الخبر المتواتر أن يكون المخبر من الثقات، فإن اشتراط الوثاقة في المخبر يلزم في الخبر غير المتواتر، كما إذا جاءنا شخص واحد أو اثنان أو ثلاثة وأخبرونا بقضية، هنا يشترط أن يكون المخبر - لأجل أن يكون هذا الخبر حجة - عادلًا، أما لو أخبر القضية مائة أو مائتان أو ثلاثمائة، يعني العدد كان يشكل التواتر فليس من الضروري عدالة المخبر، فالعدالة والوثاقة هي شرط في الخبر غير المتواتر.

 

لماذا لا نشترط في الخبر المتواتر العدالة والوثاقة؟

 

النكتة هي: أن الخبر المتواتر حسب الفرض يفيد العلم، لكثرة المخبرين، وبعدما أفاد العلم لا معنى لاشتراط الوثاقة والعدالة، إذ المفروض أن العلم حصل، وليس بعد العلم شيء يقصد، فلا معنى إذن لاشتراط الوثاقة والعدالة في باب الخبر المتواتر، وهذه قضية بديهية وواضحة في سوق العلم.

 

وعلى أساس ليس من الحق وليس من الصواب أن نأتي إلى الروايات الدالة على ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) أو أي قضية ترتبط بالإمام المهدي سلام الله عليه ونقول: هذه الرواية ضعيفة السند، الرواة مجهولون، هذا مجهول أو ذاك مجهول، هذا ليس بصحيح، فإن هذا صحيح لو فرض أن الرواية كانت واحدة أو اثنتين أو ثلاثًا أو أربعًا أو خمسًا أو عشرًا، أما بعد فرض أن تكون الروايات الدالة على ولادة الإمام المهدي سلام الله عليه قد بلغت حد التواتر، فلا معنى أن نقول هذه الرواية الأولى ضعيفة السند، والثانية ضعيفة السند لجهالة الراوي والثالثة هكذا، فإن هذه الطريقة وجيهة في الخبر غير المتواتر، أما في الخبر المتواتر فلا معنى لها.

 

القضية الثالثة:

 

إذا فرض أن لدينا مجموعة من الأخبار تختلف في الخصوصيات والتفاصيل، لكن الجميع يشترك في مدلول واحد من زاوية، كما لو فرضنا أنه جاءنا مجموعة كبيرة من الأشخاص يخبروننا عن تماثل ذلك الشخص المريض للشفاء، لكن الشخص الأول جاء وأخبر بالشفاء في الساعة الواحدة، والثاني حينما جاء أخبر بالشفاء أيضًا لكن في الساعة الثانية، والثالث حينما جاء أخبر بشفائه لكن في الساعة الثالثة، فاختلفوا في رقم الساعة، لكن الكل متفق على أنه قد شفي، والخامس أو السادس جاء وأخبر بالشفاء لكن بهذا الدواء، والآخر قال بذلك الدواء، فكان الاختلاف بمثل هذا الشكل، أي: اختلاف في الخصوصيات، لكن الكل متفق من زاوية واحدة، وهي أنه قد شفي. في مثل هذه الحالة هل يثبت الشفاء؟ نعم أصل الشفاء يثبت بنحو العلم.

 

والنكتة في ذلك، أن المخبر الأول في الحقيقة يخبر بخبرين لا بخبر واحد: الخبر الأول الذي يخبر به أنه شفي، والخبر الثاني أنه شفي في الساعة الأولى، الثاني حينما يخبر أيضًا يخبر بأنه شفي، والثالث حينما يخبر أيضًا يخبر بأنه شفي، إذن هم متفقون في الإخبار الأول أنه شفي، لكن يختلفون في الإخبار الثاني، إذن في الإخبار الأول التواتر موجود والاتفاق بين الجميع موجود.

 

ومن هنا نخرج بهذه النتيجة: أن الأخبار الكثيرة إذا اتفقت من زاوية على شيء معين فالعلم يحصل بذلك الشيء، وإن اختلفت هذه الأخبار من الجوانب الأخرى في التفاصيل. وبعد هذا فليس من حقنا أن نناقش في روايات الإمام المهدي (عليه السلام) ونقول: هذه مختلفة في التفاصيل، واحدة تقول بأن أم الإمام المهدي اسمها نرجس والثانية تقول أن أم الإمام اسمها سوسن والثالثة تقول اسمها شيء ثالث، أو أن واحدة تقول ولد في هذه الليلة والثانية تقول ولد في تلك الليلة أو واحدة تقول ولد في هذه السنة والأخرى تقول في السنة الأخرى، فعلى هذا الأساس هذه الروايات لا يمكن أن نأخذ بها، وليست متواترة وليست مقبولة، لأنها تختلف في التفاصيل، ولا تنفع في إثبات التواتر وفي تحصيل العلم بولادة الإمام سلام الله عليه، لأنها مختلفة ومتضاربة فيما بينها حيث اختلفت بهذا الشكل.

 

إنه باطل، لأن المفروض أن كل هذه الأخبار متفقة في جانب واحد، وهو الإخبار بولادة الإمام سلام الله عليه، ولئن اختلفت فهي مختلفة في تفاصيل وخصوصيات أخرى، لكن في أصل ولادة الإمام هي متفقة، فالعلم يحصل والتواتر يثبت من هذه الناحية.

 

القضية الرابعة:

 

وهي الأخيرة التي أردت الإشارة إليها: ليس من حق شخص أن يجتهد في مقابل النص، فإذا كان عندنا نص صريح الدلالة وتام السند من كلتا الجهتين، فلا حق لأحد أن يأتي ويقول أنا أجتهد في هذه المسألة. فالله عز وجل يقول: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة)، وهذه الآية بوضوح تدل على الطلب، غاية ما في الأمر ليست صريحة في الطلب الوجوبي، لكن في أصل الطلب - طلب الصلاة وطلب الزكاة – دلالتها صريحة وسند القرآن لا مناقشة فيه. فلا يحق لأحد أن يقول: أنا أريد أن أجتهد في هذه المسألة وأقول هي لا تدل على الطلب! ليس له هذا الحق، وهذا يسمونه اجتهاد في مقابل النص.

 

نعم إذا كان يجتهد في الدلالة ويقول لا تدل على الوجوب بل تدل على الاستحباب، فهذا جيد، لأن الدلالة ليست صريحة على الوجوب، أما أن يجتهد في الدلالة على أصل الطلب ويقول أنا أجتهد وأقول لا تدل هذه على أصل الطلب في رأيي فهذا لا معنى له، لأن دلالتها على الطلب صريحة والسند أيضًا قطعي.

 

على ضوء هذا أخرج بهذه النتيجة أيضًا: ليس من حق أحد أن يقول في روايات الإمام المهدي أنا اجتهد فيها كما يجتهد الناس في مجالات أخرى، هذا لا معنى له، لأن الروايات حسب الفرض هي واضحة الدلالة صريحة وتامة غير قابلة للاجتهاد، وسندها متواتر، فالاجتهاد هنا إذن لا معنى له أيضًا، فإن للاجتهاد مجالًا إذا فرض أن الدلالة لم تكن صريحة أو السند لم يكن قطعيًّا، أما بعد قطعية السند وصراحة الدلالة، فالاجتهاد لا معنى له، فإنه اجتهاد في مقابل النص، وهذه قضية واضحة أيضًا.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد