رضي العسيف
الإنسان في هذه الحياة إما أن يكون رابحاً أو خاسراً، ولا يوجد حالة وسطية بينهما، وحين يقول ربنا ﴿...وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ (1) فإنه يعني بذلك الإنسان الذي لم يأخذ بعوامل الربح من إيمان بالله والعمل الصالح والتواصي بالحق و الصبر، كما ذكرتها سورة العصر.
وإن من يعي هذه الحقيقة فإنه يبقى مجاهداً لأن يربح الحياة، ويستفيد من كل الفرص المتاحة له حتى لا يخسر ولا يدرج اسمه ضمن قائمة الفاشلين في الحياة.
ولعل شهر الله، هو أثمن فرصة للربح، وللنجاح في هذه الحياة، ولعله المحطة التي يتزود منها الإنسان ما يفيده، ويؤهله لأن يخوض صراع الحياة، ويربح فيه، ولعله الجسر الموصل للآخرة، والفوز فيها بجنة الرضوان. ولكن السؤال الذي أحب إثارته هنا هو: كيف يمكننا أن نربح في هذا الشهر الفضيل؟
والإجابة على هذا تكمن في النقاط التالية:
أولاً: ضرورة الوعي
حين نتملك جوهرة نفيسة، ولكن لا نعي قيمتها، فإننا ربما نبيعها بأبخس الأثمان!! والسبب في ذلك هو جهلنا لقيمتها، كذلك بالنسبة لشهر رمضان فمن يعي أنه شهر مغفرة، ورحمة، وأن الإنسان في ضيافة الله، وفيه تفتح أبواب الرحمة، وتغلق أبواب النيران… وغيرها كما فصلها رسول الله (ص) في خطبته الشهيرة، من يعي هذه الأمور فإنه يسعى لأن يستفيد من هذا الشهر الكريم.
كذلك علينا أن نعي فلسفة الصوم، فلماذا شرع الله الصوم، ولماذا هذا الجوع، والعطش؟ وما الحكمة في ذلك؟ حين نعي هذه الفلسفة والتي منها خلق شخصية قادرة على خلافة الأرض ﴿...إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً...﴾ (2)، والصوم هو طريق لصناعة هذا الخليفة، فهو يزوده بالتقوى، التي هي من أهم الشروط الواجب توفرها في الخليفة، وهذه الحكمة تتكرر في سائر التشريعات الإسلامية كالصلاة والحج، والصدقات وغيرها.
من هنا فإن ضرورة وعي شهر رمضان من الأمور المطلوبة للفوز والربح في هذا الشهر المبارك.
ثانياً: ضرورة تنظيم الوقت
لا شك أن كل فرد منا قد قرأ هذه الآية ﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ...﴾ (3) والتي جاءت في سياق الحديث عن شهر رمضان والتشريعات الخاصة به، إن شهر رمضان هو فترة زمنية محددة بـ (30) يوماً، وتنقضي بصورة أسرع من البرق حين لا نخطط لها التخطيط السليم.
لذا فإن ضرورة تنظيم الوقت هي من الأمور الواجبة لكي نستفيد من كل لحظة من لحظاته، ومن لا يقوم بهذا التخطيط المسبق سيجد نفسه بعد هذه الأيام لم يكتسب أي شيء ما عدا أنه أتعب نفسه وأجهدها بالجوع والعطش، لأنه لم يع الفلسفة الأولى، ولم يخطط لأن يكتسب أكبر قدر ممكن من الإيجابيات في هذا الشهر.
يقول الإمام علي (ع) في وصيته الأخيرة لأهل بيته "ونظم أمرك" حيث أن التنظيم لا يختص بجانب واحد من جوانب الحياة، بل يتعدى ذلك لأن تكون حياتنا مصطبغة بصبغة (التنظيم) وعلى رأسها تنظيم الوقت، وبالخصوص أننا في معركة (هدر الوقت) وهناك أعداء يرغبون في سلبنا أعز وأثمن أوقاتنا وهم (أصحاب المسلسلات).
لنكن ممن ينظم وقته، لنجعل لنا أوقاتاً لقراءة القرآن، والدعاء، وزيارة الأصدقاء، والأرحام، والمطالعة، والتعرف على أخبار العالم، لنصع برنامجاً شخصياً نشعر من خلاله أننا نستفيد من كل دقيقة، بل من كل ثانية.
ثالثاً: لا... للروتين
جاء في الحديث: "من تساوى يوماه فهو مغبون…". حين تجري الأمور على وتيرة واحدة، فإننا نصاب بالملل والسأم، وربما نرفض التعامل مع هذا البرنامج المقترح، لذا علينا حين نخطط لبرامج معينة نهدف منها الاستفادة من شهر رمضان، أن نكسر الروتين، وذلك عبر التجديد… ليكن لدينا في كل يوم عمل جديد…، وأن نحدث تغييراً في مسيرتنا اليومية نجعلها تختلف عن الأمس.
رابعاً: نعم ... للتنويع
أرأيت حين تتكرر الأطعمة، كيف يرفضها الإنسان… ولكن حين تتنوع فإنه يقبل عليها بكل شهية… وهكذا هي برامج شهر رمضان حين تتنوع… فإنها لا تشعر المرء بالملل كما ذكرنا سابقاً.
وإني أنصح الأصدقاء بأن ينوعوا في (مجالس شهر رمضان الخطابية) وأن لا يحددوا من مجالسهم، بل عليهم أن يذهبوا إلى جميع المناطق، ففي كل منطقة برنامجاً مغايراً عن برنامج المنطقة الأخرى.
والتنويع يفيد الإنسان، وذلك من حيث تزويده بالخبرة، وخصوصاً إذا كان ممن يحمل الهم الاجتماعي، ولديه مشروع معين (ثقافي، اجتماعي) فإنه من خلال هذا التنويع يصقل من تجربته، وينميها.
خامساً: تثقف بالثقافة الإسلامية
شهر رمضان هو في حقيقته شهر الروحانيات، فهو شهر الدعاء، وهو شهر القرآن بل هو ربيع القرآن، لذا علينا أن لا ندع هذا الشهر دون قراءة القرآن كاملاً، ودون قراءة الأدعية المخصوصة، هذا على الصعيد الروحي.
أما على الصعيد الثقافي فلا بد من تحديد أحد الكتب وقراءته من ألفه إلى يائه… وفي هذا الجانب أقول علينا أن لا ندع أحد الأيام يمر علينا دون أن نقرأ… حتى ولو كانت صفحة واحدة… ولنحدد وقتاً معيناً للقراءة… وأن نحرص عليه أشد الحرص، ونحارب من أجله…
وتذكر أن القراءة هي غذاء العقل، ومن يقرأ اليوم فإنه يعيش حياته واعياً، بخلاف الذين نصبوا العداء للقراءة فإنهم يغلقون منافذ الوعي من عقولهم… ويحكمون عليها بالإعدام.
سادساً: إياك و مجالس البطالين
وهي الديوانيات التي تمتاز بالسخرية، والغيبة، أو مشاهدة التلفاز… هي مجالس فارغة، تقتل عقل الإنسان، تسلبه روحه، وتجعله يخسر هذه الفرصة الذهبية.
ابحث عن مجالس الوعي، مجالس الذكر، مجالس المؤمنين، وأكثر من الاتصال بها… وكن عضواً نشطاً فيها، كن فاعلاً في صناعة أجواء إيمانية… فهذه رسالة المؤمن.
مسك الختام
هذه مجموعة من الأفكار من وحي التجربة، ولعلها للمؤمنين مجرد تذكرة، وفي حقيقة الأمر إننا مطالبون بالتذاكر يوماً بعد آخر… لنسأل بعضنا بعضاً، وللكي نوصي بعضنا بعضاً حتى نربح في هذا الشهر الكريم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. القرآن الكريم: سورة العصر (103)، من بداية السورة إلى الآية 2، الصفحة: 601.
2. القرآن الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 30، الصفحة: 6.
3. القرآن الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 184، الصفحة: 28.
السيد عبد الأعلى السبزواري
عدنان الحاجي
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ مرتضى الباشا
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ محمد صنقور
الشهيد مرتضى مطهري
السيد عباس نور الدين
السيد منير الخباز القطيفي
الشيخ محمد مصباح يزدي
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
الشيخ عبد الحميد المرهون
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
ياسر آل غريب
بحث تاريخي عن الصوم
الأسس المحتملة للذكاء البشري ترصد لأول مرة
شهر رمضان شهر الربح لا الخسارة
العدالة الاجتماعية في القرآن الكريم
صم بصحّة، فعاليّة من أجل صيام صحيّ
كيف تصوم بأمان؟ فعاليّة صحيّة في القطيف
كيف نعرف إيمان أبي طالب؟ (2)
التفقّه في الدعاء (7)
عمدة البيان في ترتيب القرآن
إنشاد الشعر في المساجد والجمعة وشهر رمضان