تعرض الإمام الحسن المجتبى عليه السلام لحملة ظالمة وتشويه مركز حول شخصيته وذاته فضلاً عن سيرته وأعماله من قبل عدد من المستشرقين الذين كتبوا في السيرة والتاريخ.
ولولا أن تلامذتهم والراضعين أثداء أفكارهم، قاموا بتكرار أقوالهم بأسلوب أو بآخر وتم بث تلك الأقوال والأفكار وكأنها قرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لما كانت حاجة إلى تسليط الضوء على منبعها الأصلي وهو أقوال هؤلاء المستشرقين. وسنعرض لها في شكل نقاط:
1/ إننا لا نستغرب أن يتخذ المستشرقون هذا الموقف، حتى لو حسنت نيات بعضهم – وقليل ما هم – لأننا نعتقد أن هناك فواصل كبيرة تفصل أولئك عن إدراك البيئة الإسلامية وعقائدها وبالتالي سلوك المؤمنين فيها، مهما استخدموا مناهج متقدمة لديهم. فهم في أصل الدين وهو القرآن لم يستطيعوا أن يهضموا أنه كلام الله والوحي الذي جاء به الأمين جبرئيل إلى نبيه، فطفقوا يشرقون ويغربون وينجدون ويتهمون لصياغة نظريات كلها تنتهي إلى تأكيد أنه صناعة بشرية، وأن محمدًا – وهو التعبير الذي يصر عليه بعضهم – جمع ذلك من كتب العهدين! أو كانت تعتريه حالات غير طبيعية من الصرع أو كان يأخذها من غلام رومي أو من ورقة بن نوفل أو غير ذلك.
فالذي لا يستطيع أن يهضم في عقليته مسألة الوحي، هل نتوقع منه شيئًا معقولًا في سيرة النبي صلى الله عليه وآله؟ هذا إذا تجرد عن عصبياته الدينية اليهودية أو المسيحية! فكيف إذا اجتمعت هذه العصبيات مع عدم القدرة على تعقل ذلك الأساس في الدين! الذي ينتهي إلى أن النبي المصطفى لم يكن رسولًا من الله حقيقة!
وإذا لم نتوقع أن ينتج هؤلاء شيئًا في هذا المستوى بالنسبة لرسول الله وهو سيد الخلائق! هل سنتوقع منهم كلامًا معقولًا في شأن علي أمير المؤمنين عليه السلام أو فاطمة أو الحسنين؟
إن هؤلاء وهم يعيشون الحالة المادية، ونوازع الشهوات سيتصورون أن أزكياء البشر ونخبة الباري لهداية الإنسان، تحركهم شهواتهم ونوازع أنفسهم كما يرون ذلك واضحًا في ذواتهم – أي المستشرقين – فلماذا يحللون حركاتهم وأعمالهم خارج هذا الإطار، من الهداية الربانية تارة أو العصمة المطلقة أخرى!
لا نتوقع منهم غير هذا، ولو جاؤوا بغيره – كما فعل بعضهم القليل جدًّا - فإنه عادة ما يكون في طريقه إلى الإيمان بالدين الإسلامي وعندها لا يكون مستشرقًا ينظر إلى الدين وشخصياته من الخارج بل يكون من أهل الدار والذين تبوأوا الإيمان.
2/ إن قسمًا من هؤلاء المستشرقين لم يكتفوا في تحليل الصراع بين الأئمة والحاكمين، بأخذ جانب الحاكم والسلطة الرسمية تبعًا لما تمليه عليهم ثقافتهم التي تقدس الدولة والنظام القائم، وإنجازات الحاكم في الاقتصاد والسياسة والأرقام بغض النظر عن كيفية وصول هذا الشخص إلى السلطة، بينما في المجتمع الإسلامي يولي الدين الأهمية الكبرى لقضية الولاية، والإمامة فقد يكون شخص حسن الفعل على الأرض لكنه غاصب للمنصب فيكون مبغوضًا من أهل السماء!
وقد أغرق بعضهم نزعًا فانحاز إلى الحاكمين وصار ملكيًّا أكثر من الملوك أولئك، وكأنه يود لو كان له سيف ليقاتل إلى جانبهم ضد من خالفهم! فتبنى منطقهم وردد كلماتهم، وتجلّى هذا عند بعضهم فيما يرتبط بالحديث عن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، فإنك وأنت تقرأ كلمات بعضهم تتصور نفسك تسمع خطاب المنصور العباسي مهاجمًا أحفاد الإمام الحسن بنفس العبارات والكلمات! فهل أنت تعيش في القرن الخامس عشر أو أنك تعيش في منتصف القرن الثاني؟ حوالي سنة 145 هـ تسمع خطاب المنصور في أهل الهاشمية؟
3/ قد نقل غير واحد من الباحثين الشيعة كلمات بعض المستشرقين وردوا عليها تفصيلًا أو إجمالًا، ونحن ننقل عنهم ما ذكروه من كلمات أولئك المستشرقين لكي يتبين للقارئ العزيز أن مجرد الكتابة بالإنكليزية أو الفرنسية أو الألمانية لا يعني أنها علمية ولا أنها غير منحازة، وأن تقديم لقب (دكتور) لشخص لا يعني سلامة كلامه من الخطل الفكري بل تعمد قلب الحقائق، فإن بعض هذه الكلمات تخالف ما يشبه البديهيات والمسلمات في التاريخ، والتي يعرفها كل من نظر فيه!
وسننقل ما ذكره العلامة المعاصر السيد سامي البدري حيث أفرد لها فصلًا خاصًّا في كتابه الإمام الحسن في وجه الانشقاق الأموي، ورد على تلك الكلمات بما يناسبها.
ترهات لامنس: قال هذا الراهب اليسوعي المتعصب في ترجمة الإمام الحسن الزكي عليه السلام "الحسن أكبر أبناء علي من فاطمة بنت رسول الله... ويلوح أن الصفات الجوهرية التي كان يتصف بها الحسن هي الميل إلى الشهوات والافتقار إلى النشاط والذكاء. ولم يكن الحسن على وفاق مع أبيه وإخوته عندما ماتت فاطمة ولما تجاوز الشباب.
وقد أنفق خير سنيّ شبابه في الزواج والطلاق، فأحصي له حوالي المائة زيجة عدّاً. وأَلصقت به هذه الأخلاق السائبة لقب المِطلاق، وأوقعت عليًّا في خصومات عنيفة. وأثبت الحسن كذلك أنه مبذر كثير السرف فقد اختص كلّا من زوجاته بمسكن ذي خدم وحشم. وهكذا نرى كيف كان يبعثر المال أيام خلافة عليّ التي اشتد عليها الفقر. وشهد يوم صفين دون أن تكون له فيها مشاركة إيجابية. ثم هو إلى ذلك لم يهتم أي اهتمام بالشؤون العامة في حياة أبيه".
وكنت أريد أن أناقش كلامه فرأيت أن كل سطر فيه من المخاريق ما يحتاج إلى رد، فلا يوجد فيها نقطة تسلم من النقاش وهو أمر يطول! لكن من يقرأ في سيرته عليه السلام سيجد هو بنفسه الرد والجواب عليه، لكنه أذكرني قول ذلك العالم الذي توارد عليه الجهلة يسألونه أسئلة سخيفة المعنى فقال: من أين حشرت البهائم عليَّ؟
وكرر (جرهارد كونسلمان) في كتابه (سطوع نجم الشيعة) كلمات لامنس بقوله: لقد باع (الحسن) المنصب الذي تركه محمد صلى الله عليه وآله لنسله من أجل المال... ويقال إنه مات بالسل والهزال.
وقد حاولت شيعة علي في القرون اللاحقة تجميل صورة هذا الزعيم الضعيف التعس، فقد اجتهدت في جعل الحسن ضمن شهداء المذهب الشيعي، فنشأت لذلك رواية تقول إن الحسن قتل بتدبير معاوية... ولكن من المستبعد أن يكون معاوية ضالعًا في موت الحسن، فمثل هذه الجريمة غير الضرورية لن يقدم بها خليفة أدرك تمامًا أين الرجل المهم وأين الرجل الذي صار في الظل).
4/ إننا عندما ننظر إلى هذه الكلمات البعيدة عن منطق التحقيق، والمخالفة للحوادث التاريخية، والنابعة غالبًا من الموقف السلبي تجاه النبي ودينه، والرسول وعترته، وهي (شنشنة نعرفها من أخزم) نجدها لا تختلف إلا في الحجم والضخامة عن كلمات المنصور العباسي في خطابه في الهاشمية أو تلك التي أرسلها لحفيد الإمام الحسن، محمد بن عبد الله المعروف بالنفس الزكية والذي كان يخوض معه صراعًا وجوديًّا، فاستخدم كل ما يملك للقضاء على شخصه وشخصيته، ولم يكتف به كفرد وإنما عدا على والده وأعمامه وأهل بيته فسجنهم حتى ماتوا كما ذكرنا ذلك في موضوع آخر! ولم يكتف بالتعدي على شخصية النفس الزكية بل تسلق أخزاه الله ليتعدى على أمير المؤمنين علي عليه السلام، والحسن بن عليّ عليه السلام جد (النفس الزكية)، والحسين بن عليّ عليه السلام، كل ذلك من أجل التحكم والتسلط.
فأعاد هؤلاء المستشرقون صياغة تلك الكلمات الناشئة من عداوة صارخة وزادوا عليها من عندهم بعض البهارات، فأنتجت هذه الطبخة الضارة.
5/ وهنا عندما نكون - كمسلمين لا كشيعة فقط - بالخيار بين أن نأخذ ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله، وعلي أمير المؤمنين عليه السلام عن الإمام الحسن المجتبى، وبين ما قاله ذلك الحاكم الطاغية، أو المستشرقون الغرباء المجانبون للإسلام والمعادون له، عن الإمام لن يتوقف مسلم – إن كان مسلمًا حقيقة – أن يأخذ بما قاله الرسول العظيم ووصيه الكريم. فالحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وإنهما إمامان قاما أو قعدا، وإنهما ريحانتاه من الدنيا، وأن الحسن خصوصًا سيد المسلمين، وأنه قد منحه النبي سؤدده وهيبته.
وهكذا كلام أمير المؤمنين عليه السلام في حقه واعتباره علم الحسن كعلم علي عليه السلام من خلال تحويله السائلين على الحسن، بل قوله المشهور فيه "وجدتك أي بني بعضي بل وجدتك كلي" هو فصل الخطاب في منزلة الإمام الحسن من أبيه وما هو عليه من الخصائص في الواقع.
الشيخ مرتضى الباشا
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ باقر القرشي
السيد جعفر مرتضى
محمود حيدر
عدنان الحاجي
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ جعفر السبحاني
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
الشيخ عبد الحميد المرهون
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
ياسر آل غريب
أربعة لا يستجيب الله تعالى لهم
ما هي حقيقة الصوم؟
القرآن الكريم والصيام
سيرة الحسن الزكي وتشويه المستشرقين
هيبة الإمام الحسن (عليه السلام) ووقاره
الإمام الحسن (عليه السلام) وأسئلة الأعرابي
شموخ الإمام الحسن (عليه السلام) أمام غطرسة معاوية (1)
الشيخ محمد علي الأحمد: مبدأ النصيحة عند الإمام الحسن عليه السلام
(سمر مقفّى) أمسية شعريّة رمضانيّة للشّاعر السّيّد هاشم الشّخص
(شرود مؤجّل) أمسية شعريّة احتفائيّة بالشّاعر عبدالمجيد الموسوي