سماحة الشيخ عبد الكريم الحبيل ..
أيها الأخوة الكرام والأخوات المؤمنات في مستهل خطبتنا هذه نرفع أسمى التبريكات إلى مقام سيدنا ومولانا صاحب العصر والزمان (عج) وإلى مراجعنا العظام وإلى جميع شيعة آل محمد ومحبيهم بذكرى ميلاد سيدنا ومولانا تاسع ائمة الهدى الإمام محمد بن علي الجواد (ع)، سائلا العلي القدير أن يجعل هذه الذكرى علينا وعليكم وعلى جميع المسلمين ذكرى ميمونة مباركة وأن يعيدها علينا وعليكم بالنصر المؤزر بظهور سيدنا ومولانا المهدي الموعود المنتظر.
لازال بحثنا متواصل حول موضوع البصيرة وقد تحدثنا في الأسابيع الماضية عن أسباب البصيرة، يعني ما هي مناشئ البصيرة، الأمور التي تورث البصيرة، حيث انتهينا في الأسبوع الماضي إلى أن مما يورث البصيرة التمسك بكتاب الله والعترة الطاهرة (ع)، في هذا الأسبوع طبعا أسباب البصيرة أو ما يعبر عنه مناشئ البصيرة أو مبادئ البصيرة هي لا شك كثيرة لكن نحن أتينا ببعض أمورها المهمة عملا بالإختصار في بحثنا هذا، وإلا فإن مبادئ البصيرة أوصلها البعض إلى أربعة عشر مبدأ أو منشأ أو سبب من أسباب البصيرة، منها الفطرة الصحيحة السليمة والعلم بكتاب الله التوفيق من الله التفكر والتعقل التعلم والعلم الإعتبار التقوى ذكر الله الإخلاص في القول والعمل الزهد إستقبال الأمور يعني إستشراف الأمور وفهمها قبل حدوثها الدعاء الإستشارة والإستخارة كل تلك الأمور لها دور وأثر كبير في حصول البصيرة لدى الإنسان المؤمن في هذا الأسبوع سوف نتحدث عن موانع البصيرة، ما هي الأسباب التي تمنع حصول البصيرة وتكون والمعاذ بالله كالرين والحجاب على القلب الذي يمنع رؤية الأمور كما هي وينتهي بالإنسان إلى الوقوع في الضلال أو اتباع الطرق العوجاء أو اتخاذ المواقف السيئة أو المواقف المسيئة.
أول تلك الأمور هو اتباع الهوى أجارنا وإياكم من اتباع الهوى، روي عن علي (ع) أنه قال أوصيكم بمجانبة الهوى فإن الهوى يدعو إلى العمى وهو الضلال في الآخرة والدنيا، اتباع الهوى يدعو إلى العمى، طبعا العمى المقصود به هنا ليس عمى العين وإنما عمى القلب عمى البصيرة "فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ" 46 - سورة الحج، فلذا الإمام (ع) يقول فإن الهوى يدعو إلى العمى، ثم يفسر العمى أنه الضلال في الآخرة والدنيا، العمى الذي يحصل بسبب اتباع الهوى هو الضلال، قال تعالى "أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ" 23 - سورة الجاثية، بالتالي إذا اتخذ الإنسان إلهه هواه مصيره الضلال، من ركب الهوى أدرك العمى، صارت نتيجته العمى، اتباع الأهواء الذي يجعل الإنسان لا يرى الحق حقا ولا يتبع الطريق السوي الطريق الصحيح، واحد من أهل الفضل والعلم ممن إختارهم الإمام الراحل شخصيا لوضع الدستور، زعل وما كمل وضع الدستور ورجع، زاره أحد العلماء من بلدنا هنا، وأنا أنقل عن هذا العالم الفاضل وأنا انقل عنه مباشرة سأله ليش أنت ما واصلت وضع الدستور وتركت ورجعت، قال حصلت على أمور أنا ما أقبلها، قال له ليش ما تقبلها، قال له نفسي ما تقبل، قال له هي قضية اتباع نفس أو اتباع دليل وحجة؟! في كثير من الأمور يجب أن يكون الإنسان فيها دقيق وبصير، أنا والله مثلا حتى في أمور التقليد أنا ما أقلد هذا المرجع مو على أساس أنه تساعد على ذلك مثلا إفرض الحجج والبينات، لا أنا نفسي ما تتقبل، مو صحيح نفسي ما تتقبل! أو بعض الأشخاص يتحامل على شخصية معينة مو لأسباب إرتكاب محرمات أو سقوط عدالة، ليش؟ قال أنا ما أشتهي هذا، ما أطيقه. ما تشتهيه ما تطيقه طيب لا تتحامل عليه وتتهجم عليه وتشهر عليه. هل هو يرتكب المحرمات؟، يفعل الأشياء المحرمة؟ أو أنت ما تشتهيه! مو قضية اتباع هوى واتباع نفس وإنما اتباع حجج وبراهين. إذا اتباع الهوى يؤدي بالإنسان إلى الضلال في الدنيا والآخرة.
ويقول علي (ع) إذا أبصرت العين الشهوة عمي القلب عن العاقبة، إذا كانت العين متألقة بالشهوات بالأمور المحبوبة إلى النفس إلى العين عمي القلب عن العاقبة، خلص عيونه صارت مشدودة إلى هذا الشيء ما يفكر في العواقب أبدا، وإذا إشتد بصر الإنسان أخذه زخرف الدنيا وزهوها وزينتها وزبرجها، ومد عيونه إلى هذه الأمور، لم ينظر إلى العواقب الصحيحة، ولم يتدبر الأمور تدبرا سليما صحيحا، يغره عندئذ الدنيا وزينتها وزخرفها، إذا أبصرت العين الشهوة عمي القلب عن العاقبة، عم ىالقلب هو عمى البصيرة بسبب اتباع الشهوات اتباع الأهواء أجارنا الله وإياكم.
حب الدنيا الذي هو رأس كل خطيئة كما في الرواية، الرغبة في أمور الدنيا، فقد روي عن رسول الله (ص) من يرغب في الدنيا فطال فيها أمله أعمى الله قلبه على قدر رغبته فيها، الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون، إذا حب الدنيا يعمي ويصم القلوب، يقول علي (ع) وهو يصف أهل الدنيا سلكت بهم الدُّنيا طريق العمى، وأخذت بأبصارهم عن منار الهدى، فتاهوا في حيرتها، وغرقوا في نعمتها، واتّخذواها ربّا، فلعبت بهم ولعبوا بها، ونسوا ما وراءها.
أزيد من هذا، من يبيع الآخرة ليس بدنياه وإنما بدنيا غيره، ذلك هو الخسران المبين، خسر الدنيا والآخرة، فمتى تعلق قلب الإنسان بهذه الحياة الدنيا يريد متاع يريد زينة أخذت الدنيا بأبصارهم عن منار الهدى فلا يرى الهدى ولا يرى الحق، فتاهوا في حيرتها، وغرقوا في نعمتها، واتّخذواها ربّا، ونسوا ما وراءها.
ثالثا الغفلة، والمعاذ بالله من الغفلة، هؤلاء الذين هم في غفلة لا يتفكرون يقول الإمام الجواد الذي نعيش ذكرى ميلاده من انقاد إلى الطمأنينة قبل الخبرة فقد عرض نفسه للهلكة والعاقبة المتعبة، دائما ما يتفكر لا يتبصر في حالة غفلة ودائما مطمئن ولا ينظر إلى الأمور بعين بصيرة، بحسن نية وبدون خبرة وبدون معرفة فقد عرض نفسه للهلكة والعاقبة المتعبة، يقول علي (ع) دوام الغفلة يعمي البصيرة، المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، ولا يكون الإنسان دائما في حالة سهو عما يجري حوله من أحداث ومتغيرات، إنتبه تفكر تبصر اقرأ إبحث خليك دائما في حالة وعي وتفكر، مو دائما في حسن نية، بالتالي يقع في حالة المتاهة والضلال بسبب عدم الوعي وطول الغفلة والسهو، الله أعطاك العقل والبصر والبصيرة للتتفكر بها، وإلا يضل ولربما يضل غيره كذلك بسبب غفلته.
وبعض الأشخاص أضلهم أناس آخرون بسبب غفلتهم وعدم فهمهم ووعيهم، وقد يضله إبنه الذي في بيته، وقد يأخذه إلى طريق أن يحارب إمام زمانه، كان الزبير ابن العوام من خيرة أصحاب أمير المؤمنين (ع) ومن جلساء علي وبقي سنين مع علي لا يفارقه، وبعد ذلك خرج في حرب الجمل لقتال علي (ع)، أمور تحتاج إلى وعي معاملة الأمور دائما بغفلة تنتهي إلى عمى البصيرة، ويعرض الإنسان نفسه إلى الهلكة وإلى العاقبة المتعبة كما يقول الإمام الجواد (ع)، الحب والبغض أيضا إذا لم يكن في لله سبحانه وتعالى يؤدي بالإنسان إلى فقدان البصيرة ومعرفة الأمور كما هي.
رابعا الحب والبغض إنا لم يكن في لله سبحانه وتعالى ولأجل الله كما روي عن رسول الله (ص) أنه قال حبك للشيء يعمي ويصم، وروي عن علي (ع) أنه قال عين المحب عمية عن معايب المحبوب وأذنه صماء عن مساوءه، نعم هكذا عين المحب عن ما يرتكبه المحبوب عمياء غير بصيرة، وعما يرتكبه غير المحبوب بصيرة، وهكذا الآن ناس كثيرون في زمننا هذا يقع في الضلال لأنه يكره إفرض ناس معينين يكره أهل مذهب معين يكره أهل اتجاه معين لأن يكرههم يقع في الضلال وكثير ممن ضلوا وحاربوا علي (ع) لأنهم لا يحبون علي حتى لو الحق مع علي، الحب والبغض لابد أن يكون لله تعالى وفي سبيل الله ولأجل الله وإلا يودي بالإنسان إلى الضلال والإنحراف عن الحق.
يقول علي (ع) من عشق شيئا أعشى بصره وأمرض قلبه فهو ينظر بعين غير صحيحة ويسمع باذن غير سميعة، قد خرقت الشّهوات عقله، وأماتت الدّنيا قلبه، وولهت عليها نفسه، فهو عبد لها ولمن في يديه شيء منها، حيثما زالت زال إليها، وحيثما أقبلت أقبل عليها.
خامسا من لم يعمل بعلمه، قلنا من أسباب البصيرة العلم والتعلم، العلماء من أهل البصائر، ولكن إذا لم يعمل العالم بعلمه من تعلم العلم ولم يعمل بما فيه حشره الله يوم القيامة اعمى، العلم المفترض أن يسوقه إلى الهدى إلى المحجة البيضاء إلى الطريق الصحيح، ولكن إذا لم يعمل بالعلم وبمبادئ العلم وبسنن العلم إنتهى به إلى الضلال.
سادسا الإفساد في الأرض وقطيعة الأرحام، قال تعالى "فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ" 22-23، سورة محمد، الإفساد الأرض وقطيعة الأرحام تؤدي بالإنسان إلى لعنة الله وإلى الصمم والضلال وإلى عمى البصيرة، والإفساد في الأرض يشمل كذلك اتباع الشهوات، اتباع الشهوات من الإفساد في الأرض، الذي دائما يتبع المعاصي والآثام والذنوب هو كذلك من الإفساد في الأرض، كما روي عن الإمام الجواد (ع) راكب الشهوات لا تستقال له عثرة، دائما يتعثر لأنه يسير على غير هدى.
ثامنا العجلة، العجلة لها سبب كثير في عدم معرفة الأمور، الإنسان العجول الذي لا يدرس الأمور بتروي وبتفكر يقع في الخطأ، حتى لو قاضي ما يسأل ولا يتفكر ولا يتروى ولا يتتبع يقع بالتالي في قضاءه بالخطأ الفادح، كما روي عن علي (ع) أنه قال من جاءك وقد فقئت عينه فلا تحكم له فلربما خصمه قد فقئت كلتا عينيه.
روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال مع التثبت تكون السلامة ومع العجلة تكون الندامة، وروي عن رسول الله (ص) أنه قال إنما أهلك الناس العجلة ولو أن الناس تثبتوا لم يهلك أحد.
عاشرا معرفة مداخل الأمور، يقول الإمام الجواد (ع) من لم يعرف الموارد أعييته المصادر، ولا يعرف كيف يخرج أيضا وكيف ينتيهي إذا ما يعرف أسباب الأمور لا يعرف كيف ينتهي وكيف يخرج، مخارج صحيحة في كل الأمور، ويقول علي (ع) من غني عن التجارب عمي عن العواقب، هذه أهم الأمور التي لها دور في عدم حصول البصيرة، وإذا لم ينتبه الإنسان إلى هذه الأمور يقع في الضلال وينتهي به الأمر إلى الضلال وإضلال غيره، أجارنا الله وإياكم من الضلال، وبصرنا الله وإياكم وثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة إنه سميع مجيب.
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الصدر
السيد جعفر مرتضى
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد الريشهري
الدكتور محمد حسين علي الصغير
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
اشتقاق لفظة القرآن
القرآن مجد وعظمة ومتانة ووضوح
الفلسفة، أهدافها ومراكزها
الاعتقاد بعقل الآخرين
الإمام الجواد (ع) ومحنة الإمامة
الإمام الجواد (ع) الزعيم والقائد والوصي
إمامة الجواد عليه السلام ظاهرة وإعجاز
مواقف تجاه إمامة الجواد عليه السلام
كيف ينشأ العلم الإجمالي؟
موجز عن تاريخ الشيعة الاثني عشرية