فجر الجمعة

نداء الجمعة | مبادئ نهضة الامام الحسين

 

سماحة الشيخ عبد الكريم الحبيل .. 

أيها الأخوة الكرام والأخوات المؤمنات نحن بآخر أيام شهر ذي الحجة الحرام ونستقبل أيام شهر محرم الحرام شهر عاشوراء الإمام الحسين وإحياء ذكرى فاجعة كربلاء وتخليد كربلاء الإمام الحسين (ع) وثورة الإمام الحسين ومبادئ وقيم وأهداف الإمام الحسين (ع)، فحري بنا أن نتهيأ لإحياء تلك الذكرى بما يليق بعظمتها وجلالها ومبادئها وقيمها وكذلك عظمة وجلال وشرف وكرامة رائدها الإمام الحسين (ع) وأهل البيت (ع).

أولا، ينبغي بنا أن نراعي الآداب العاشورائية الحسينية، في كل وجداننا وسلوكنا ومظهرنا، أيامنا ليالينا، مجالسنا حديثنا، في بيوتنا في مآتمنا أينما كنا ينبغي بنا أن نراعي آداب تلك الأيام الحسينية آداب تلك الأيام العاشورائية، نعيش ذكرى عاشوراء الحسين نستحضر عاشوراء الإمام الحسين (ع) كما جاء في الرواية، رواية ابن شبيب التي يرويها عن الإمام الرضا (ع) والإمام الرضا يخاطب ابن شبيب، يقول له "يابن شبيب إن المحرم هو الشهر الذي كان أهل الجاهلية يحرمون فيه الظلم والقتال لحرمته، فما عرفت هذه الأمة حرمة شهرها ولا حرمة نبيها وقد قتلوا في هذا الشهر ذريته، وسبوا نساءه وانتهبوا ثقله، فلا غفر الله لهم ذلك أبدا، يابن شبيب إن كنت باكيا لشيء فابكي للحسين ابن علي ابن ابي طالب (ع) فإنه ذبح كما يذبح الكبش، وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا، ما لهم في الأرض شبيهون، ولقد بكت السموات السبع والأرضون لقتله"، هذه الحالة وهذه الظاهرة وهذا الشعور يجب أن يكون عندنا حينما نستقبل عاشوراء الإمام الحسين (ع)، نستقبله بالحزن نستقبله بالأسى، نستقبله بالندبة بالإفتجاع بنداء واإماماه واحسيناه واسيداه، هذه الحالة التي هي كانت عند أئمة أهل البيت (ع)، نستذكر كيف عاد عاشوراء في السنة الأولى في ذكراه الأولى على زينب وعلي ابن الحسين وأهل البيت (ع)، يعني تصوروا لما أهل عاشوراء الإمام الحسين على زينب وعلي ابن الحسين ونساء وسيدات بيت النبوة، كيف تذكروا تلك الحادثة الذين هم عاشوها وشاهدوها نحن كذلك نعيش تلك الروح وذلك الإحساس وتلك المشاعر، ونستحضر كل تلك الأحزان والمصائب التي مرت على أهل البيت (ع)، أيضا كذلك علينا أن نستحضر الهدف الأساس الذي من أجله استشهد الإمام الحسين، وثار الإمام الحسين، وضحى الإمام الحسين (ع)، وخرج بالخيرة الخيّرة من أهل بيته ونساءه وأطفاله وأنصاره، وبذل مهجته في سبيل الله، نستحضر الهدف الأساس والقضية الأساس، ونقرأ خطب الإمام الحسين وكلمات الحسين، لنفهم أولا الإمام الحسين ونعرف شخصية الإمام الحسين، ونعرف كذلك عاشوراء الإمام الحسين، وأهداف تلك الثورة الحسينية أو مبادئ وقيم تلك الثورة الحسينية حتى نعرف كيف نحيي تلك الثورة، وكيف نحيي عاشوراء الإمام الحسين، إذا لم تعرف الحسين ولم تعرف عاشوراء الحسين ولم تعرف أهداف عاشوراء الحسين فإنك لن تستطيع أن تحيي عاشوراء الإمام الحسين كما يريد الحسين وكما يريد الأئمة (ع)، الذين أمروا بإحياء عاشوراء الإمام الحسين (ع)، لابد أن أفهم حركة الإمام الحسين من كلمات الحسين نفسه، من نصوص الإمام الحسين (ع) نفسه وهو (ع) منذ أن خرج ومن يومه الأول من المدنية المنّورة إلى يوم استشهاده في كربلاء وهو لم يترك مناسبة ولا موقفا إلا وبيّن فيه أهدافه السامية والهدف الأساس من تلك الثورة الحسينية الكبرى، يقول في رسالته لأخيه محمد ابن الحنفية " وانى لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (ص)، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبى طالب"، إذا عليه السلام في هذا النص يبيّن لنا الهدف من الخروج وإنه خرج لطلب الإصلاح في أمة جده، وأن حركته تلك مشروع إصلاحي للأمة كافة، يريد أن يصلح الأمة كل الأمة، يريد أن يصلح عقيدتها دينها مبادئها قيمها أخلاقها يريد أن يصلح الأمة إصلاحا تاما، وطريقة الإصلاح كذلك التي يريد أن يصلح بها الأمة يبينها صلوات الله وسلامه عليه ويقول يعني الأسلوب الذي يريد أن يتبعه في الإصلاح، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، الأسلوب الإصلاحي الذي يريد أن يتبعه هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك المنهج التطبيقي الذي يريد أن يطبقه بعد تلك النهضة الكبرى، يقول "وأسير بسيرة جدي وأبي علي ابن أبي طالب" إذا هو بيّن الهدف والأسلوب والمنهج التطبيقي كذلك الذي يريد أن يطبقه (ع) في أمة جده، فالإمام الحسين وثورة الإمام الحسين هي مشروع إصلاحي كبير للأمة، فأنت حينما تريد أن تقيم عاشوراء الإمام الحسين تريد أن تقيم مأتما أو موكبا أو أي مفردة من مفردات الإحياء لعاشوراء الإمام الحسين (ع) لابد أن تلحظ ذلك الهدف الحسيني الأساس، هل أن ما تقوم به يصب في إصلاح الأمة؟!

 

أو لا يصب في إصلاح الأمة؟ أحيانا قد يكون ما تقوم به يصب في تجهيل الأمة وأحيانا ما تقوم به قد يصب في الإساءة إلى الدين والإساءة إلى المذهب وأحيانا الإساءة للإمام الحسين (ع) ومحاولة تجهيل الأمة بالإمام الحسين، وكذلك محاولة تخريف القضية بأساسها، يعني تصوير عاشوراء الحسين وقضية عاشوراء الحسين وكربلاء الإمام الحسين بصورة تخريفية تجهيلية للأمة وللمجتمعات العالمية كافة فضلا عن الأمة الإسلامية أو المذهب.

 

وكذلك الإمام الحسين (ع) يسير على نفس المبدأ الذي سار عليه جده وسار عليه أبوه علي وهو الإصلاح، الإصلاح للبشرية كافة، الإصلاح للأمة كل الأمة، وهو نفس المشروع الذي سار عليه أئمة أهل البيت (ع) وسار عليه الرسل والأنبياء قبل رسول الله (ص)، ذاك شعيب يقول "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله"، الأنبياء إنما جاؤوا لأجل الإصلاح، والإمام الحسين (ع) هو واحد من أولياء الله وحجج الله على الخلق الذي كل حركته من أجل إصلاح الأمة وإصلاح الإنسانية جمعاء، ويقول (ع) في نص آخر "اللهم إنك تعلم أنه لم يكن منّا تنافس في سلطان" يعني أنه لم يخرج منافسة في سلطان، لطلب سلطة أو لطلب حكم، كلا "ولا التماسا في فضول الحطام" نحن لا نريد ثروة ولا مال، "ولكن لنري المعالم من دينك"، يريد أن يعلّم الأمة معالم الدين، يري الأمة معالم الدين الإسلامي الحنيف "ونظهر الإصلاح في بلادك" يريد أن يظهر الإصلاح في بلاد الله، "ويأمن المظلومون من عبادك" يأمن المظلومون من عباد الله يعني يحقق العدالة في الأمة بحيث أن صاحب المظلومية ذو الظلامة عندما تصيبه ظلامة من أحد يعلم أن ذلك الزعيم وتلك الدولة وتلك الحكومة التي يريد أن يقيمها الإمام الحسين (ع) يجد فيها المظلوم حقه، "ويأمن المظلومون من عبادك ويعملوا بفرائضك وسننك وأحكامك"، يريد أن يقيم فرائض الله وسنن الله وأحكام الله في الأرض، هذه الأهداف والقيم والمشروع الحسيني الكبير الذي من أجله استشهد الإمام الحسين (ع)، ومن أجله ثار، ومن أجله خرج الإمام الحسين (ع) فلابد ونحن نحيي عاشوراء الإمام الحسين لا ننسى الهدف، ولا ننسى المبدأ، ولا ننسى تلك القيم التي من أجلها خرج واستشهد الإمام (ع)، لو نلقي نظرة في عصرنا الحاضر هذا على إحياء عاشوراء الإمام الحسين، ونريد أن نقدم ما نقوم به من إحياء للأمة كمشروع إصلاحي نقرأه ندرسه نفهمه، هل هو بالفعل ما نحيي به عاشوراء الإمام الحسين؟ مشروعا هل هو بالفعل مشروع إصلاحي للأمة؟ نجمع كل مظاهر الإحياء للإمام الحسين (ع) ولعاشوراء الإمام الحسين هل هو حقا مشروع إصلاحي للأمة؟ ويصب في إصلاح الأمة؟ ويصب في إصلاح الإنسانية جمعاء، لو نحيي عاشوراء الحسين (ع) بما أحيا به الإمام الحسين الدين بأسره لاستطعنا من قضية عاشوراء الإمام الحسين ليس نصلح أنفسنا نحن شيعة أهل البيت أو الأمة الإسلامية فحسب، بل نصلح الإنسانية جمعاء بعاشوراء الإمام الحسين (ع)، ناهيك وللأسف أن البعض يحاول أن يخرّف تلك الذكرى، ويصورها لأبناء الأمة وللعالم بأسره أن عاشوراء الإمام الحسين ما هي إلا تصرفات للأسف الشديد جاهلية وخرافية وخزعبلات وما شابه ذاك، يسيؤون بها للحسين ولمبادئ الحسين وقيم الحسين، وأن هناك مخططات خبيثة تريد أن تحرف عاشوراء الإمام الحسين، وتسيء لعاشوراء الإمام الحسين، لأنهم رأوا أن إحياء ذكرى عاشوراء الإمام الحسين تخليدا للدين وتخليدا للقيم وتخليدا للمبادئ وتمسكا بأولياء الله وحجج الله ورسل الله، وبما جاؤوا به، ورأوا أن عاشوراء الإمام الحسين (ع) تمثل قوة كبرى ومشروعا عظيما للأمة فحاولوا أن يدسوا في وسط الأمة وفي وسط الشيعة من يحاول أن يسيء إلى عاشوراء الحسين، وقيم عاشوراء ومبادئ عاشوراء الإمام الحسين (ع).

 

ثانيا، ينبغي بنا أن نراعي المظهر الحسيني، إن للعاشوراء الإمام الحسين (ع) زيا خاصا ومظهرا خاصا، هذا المظهر العاشورائي في مآتمنا، في شوارعنا، في بيوتنا، في لباسنا، علينا أن نراعي ذلك المظهر الحسيني العاشورائي لنصنع أجواء حسينية، نجعل المنطقة كلها أجواء حسينية، مظهرا حسينيا مظهرا عاشورائيا، نجعل البلد بالفعل مظهرا عاشورائيا حسينيا كما يقول السيد جعفر الحلي (رح) فـي كل عامٍ لنا بالعشر واعية تطبق الدور والأرجاء والسككا، وكل مـسلمة تـرمي بـزينتها حتى السماء رمت عن وجهها الحبكا، ذلك المظهر العاشورائي ينبغي بنا أن نحيي عاشوراء الإمام الحسين (ع) في الدور، في السكك، في الأرجاء، في المآتم، في الحسينيات، في كل مكان نجعل المظهر مظهرا حسينيا عاشورائيا، كذلك ينبغي بنا أن نتجلبب بجلباب الحزن والأسى، ونملأ قلوبنا حالة من الجزع على الإمام الحسين (ع)، وأن في قلب كل مؤمن لوعة وحرارة من قتل الحسين لا تبرد أبدا، وتلك اللوعة والحرارة تتجدد أيام عاشوراء الحسين (ع)، في قلب كل مؤمن حرارة لا تبرد أبدا لقتل الحسين وأهل بيته (ع)، يقول السيد هاشم الكعبي (رح) ما انتظار الدمع أن لا يستهلا أو مـا تنظر عاشوراء هلا، هلَّ عاشورٌ فقم جـدد به مـأتم الحزن ودع شُربا وأكلا، كيف ما تلبس ثوب الحزن في مأتمٍ أحزن أملاكا ورسلا، كيف ما تحزن في يوم به أصبحت فاطمة الزهراء ثكلى، يوم أصبحت الزهراء ثكلى وأصبح رسول الله فاقدا لثقل النبوة والإمامة، مثكولا بالحسين، أمير المؤمنين مثكولا بالحسين، ويقول الشيخ حسن الدمستاني أحْـرَمَ الحُجاجُ عَنْ لَذّاتِهم بَعضَ الشّهور وأنا المُحرِمُ عَـنْ لَذّاتِهم كُلَّ الدُّهُور، كيفَ لا أُحْرِمُ دَأباً ناحِراً هَديَ السُّرور وأنا في مِشعرِ الحُزنِ على رُزاءِ الحُسين، هذه الحالة يجب أن نعيشها في عاشوراء الإمام الحسين (ع)، أن نحضر وأن نقرأ وأن نقيم المأتم بالقربى الخالصة لله سبحانه وتعالى، عندك مأتم تقيمه لا لأجل الوجاهة وإنما لله ومن أجل مواساة رسول الله وفاطمة الزهراء وآل البيت، تريد أن تحضر المأتم تحضر لله تبكي لله تصرخ لله تنادي واحسيناه لله، كذلك ينبغي أن نفرغ النفس لأيام عاشوراء الإمام الحسين ونفرغ أنفسنا عن الإشتغال بأمور الدنيا لحضور مآتم الإمام الحسين (ع)، حاول قدر المستطاع أن تفرغ نفسك لحضور مآتم الحسين، وأن نملأ مجالس الحسين بالحضور، وأن لا نتابع عاشوراء من خلال الفضائيات أو في الشوارع، بل نحرص أن نحضر في مآتم الحسين ونزدحم داخل مآتم الحسين (ع)، وكذلك ينبغي بنا حضور مواكب الحسين، مواكب عزاء الحسين، كلنا صغارا كبارا شبابا شيبانا أن نحضر مواكب العزاء للإمام الحسين (ع)، ونعطي تلك المواكب وتلك المآتم حالة من التجلي، وكذلك العظمة والكبرياء والمظهر العاشورائي الحسيني الكبير، ونجلس في مجالس الحسين، مجلس المعزى الحزين، تجلس وكأنك أنت صاحب العزاء، أنت المعزى ليس تجلس بأن رسول الله هو المعزى، الزهراء هي المعزى، أنت أنت اعتبر نفسك المفجوع بقتل الحسين، المحزون بقتل الحسين، ولهذا تنادي بلوعة في مجالس الإمام الحسين، تردد مع الخطيب وتنادي واإماماه واحسيناه، وتدخل مآتم الحسين وتسلّم "السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يا بن رسول الله"، هذه الحال حالة الإفتجاع والحزن والأسى وكذلك تتذكر أن صاحب العزاء صاحب العصر والزمان ينادي وااجداه واماماه واحسيناه، تتذكر الإمام الرضا (ع) وهو يستمع إلى أبيات دعبل الخزاعي وهو ينشد عليه أفاطم لو خلت الحسين مجدلا وقد مات عطشانا بشطفرات، فأخذ الإمام الرضا يلطم خده وارتفع البكاء من خلف الستار، والعلويات صحنا وندبنا وا إماماه واحسيناه، إذا للطمت الخد فاطم عنده وأجريت دمع العين في الوجنات، أفاطم قومي ياابنة الخير واندبي نجوم سماوات بأرض فلات، أسأل الله أن يوفقنا وإياكم لإحياء عاشوراء الحسين، وأن يجعل ذلك الإحياء نصرة منّا للإمام الحسين ونصرة لمبادئ الحسين، فإن مسيرة وموكب أنصار الإمام الحسين لازال يسير ومستمر، ولازال الإمام الحسين ينادي أما من ناصر ينصرنا، أما من ذاب يذب عنا، أنت تنادي بتلك التلبيات لبيك يا حسين، لبيك يا أبا عبد الله، لبيك يا ابن رسول الله، ذلك الإحياء ذلك الحضور، تلك المواكب تلك الصرخات، كلها نصرة منك للإمام الحسين، ليس أنصار الحسين فقط أولئك الذين استشهدوا بين يدي الحسين، ونالوا شرف الشهادة بين يديه في كربلاء، أنتم كذلك من أنصار الحسين (ع)، أنتم بإحيائكم تكونوا من أنصار الحسين (ع)، أنتم الذين خلّدتم عاشوراء الحسين، أنتم آباؤكم أجدادكم وعلى مدى القرون والعصور بذلك الإحياء، بتلك الندبات، بتلك الصرخات، بذلك الإفتجاع، بتلك التلبيات أحييتم وخلّدتم الحسين (ع)، ونحن نصترخ في كل عاشوراء واحسيناه، وا إماماه، واسيداه.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد