فجر الجمعة

الشيخ عبد الجليل بن سعد: الدور المنسي في التعاون

تحدث سماحة الشيخ عبد الجليل البن سعد في خطبة له بعنوان: (الدور المنسي في التعاون) حول بعض الأدوار المنسيّة التي يجب أن يلتفت المؤمن إليها، وذلك في 23 ربيع الأول 1446 هـ في جامع الإمام الحسين (ع) بالحليلة بالأحساء.

 

لو تحدثنا مع المؤمنين، خاصةً أولئك الذين يستشعرون الإيمان ويطلبون المزيد منه، ويسعون على طريقه، أو يتراءى لهم أنهم سائرون على طريق الإيمان وواصلون إلى درجة الرضا من أنفسهم، فإننا سنجد كثيرًا من العناوين الوعظية والتحذيرية التي يمكن أن تلفت انتباههم إلى أمورٍ مهمة جدًّا قد تفوتهم.

 

ومن تلك الأمور: الأدوار المنسية.

حيث إن المؤمن، في الأعم الأغلب، ينسى أدوارًا محبذة، فيصبح مهملاً لها.

وينسى أدوارًا مكروهة، فيتورط فيها.

فينتهي به الأمر إلى:

أن يعمل ما هو خسارة بالنسبة له.

ويترك ما هو ربح له.

فعلاً، هنالك أدوار منسية:

أدوار تقع على طريق تحقيق المحبة، لكننا لا نعملها.

أدوار تقع على طريق تحقيق التقدم لأنفسنا ولغيرنا.

أدوار تقع على طريق تحقيق العدالة.

 

وكلنا يعلم أن خلاصة الدعوة إلى سبيل الله وخلاصة القيادة إلى طاعة الله عز وجل تتمثل في:

تحقيق العدالة.

تحقيق المحبة.

تحقيق التقدم.

 

لكن في المقابل، قد يتورط المؤمن في أدوار الهزيمة لهذه المبادئ.

يتحول إلى عنصر من عناصر الصدّ عن سبيل الله، ولكنه لا يدرك ذلك.

يصبح عائقًا أمام تحقيق العدالة، ولو في:

زاوية صغيرة من الزوايا التي يعيش فيها.

أو في تلك الزاوية الجغرافية التي ينتمي إليها.

أو بين المجموعة التي ينتمي إليها.

 

وهكذا، قد يكون المؤمن:

مطبًّا على الطريق المؤدي إلى تحقيق العدالة.

عائقًا على الطريق المؤدي إلى تحقيق المحبة.

قاطعًا للطريق الذي يؤدي إلى تقدم الناس.

ولكن، كما قلنا: من حيث لا يدري.

أو من حيث لا يعلم.

أو بسبب عدم تعلمه.

 

ما الذي يجعلنا ننسى تلك الأدوار؟

حينما نفهم خطأً أن كل دورٍ لا تكون لنا فيه يد، فلا علاقة لنا به.

عندما نعتقد أننا إما أن نكون صُنّاعًا وإما أن لا يعنينا الأمر.

هذا الفهم الخاطئ يجعلنا نقع في أدوار سلبية:

شخص يعيش نقصًا عاطفيًّا:

يقول: "لست قريبًا منه، ولست صديقه، ولا زميله. ما عساي أن أقدم له؟ لا يعنيني".

مجتمع متخلف في ناحية من النواحي:

يقول: "لست من أهل تلك البلدة. أين رجالها؟ أين وجهاؤها؟"

هذا الفهم السلبي هو اتخاذ لدور، لكن أي دور؟

هو الدور الذي يحطم، لا الذي يبني.

 

هذا الفهم يجعلنا نتورط في أدوار تقود إلى الهزيمة:

هزيمة العدالة.

هزيمة المحبة.

هزيمة التقدم.

المؤمن يجب أن يفهم:

أنه معني دائمًا بكل الأحوال.

الآية المباركة: "عليكم أنفسكم".

لا تعني الجمود أو الانعزال.

بل تعني أنك معني في كل الحالات.

كيف نكون معنيين في كل الحالات؟

أنت معني بالكلمة الطيبة.

الكلمة الطيبة، أيها السادة، هي دور منسي بالنسبة للكثيرين، إلا من عصم الله.

 

الكلمة الطيبة:

الكلمة الطيبة هي أسرع وسيلة للتواصل عرفها البشر. تخترق الحدود وتعبر الحواجز، ولها القدرة على التأثير في قوميات وثقافات تختلف عنك، بمجرد كلمة طيبة واحدة. فما بالك إن كانت موجهة للقريب منك؟ الكلمة الطيبة هي بريد الخير السريع والمؤثر الذي لا يخطئ أهدافه. عندما تقدم كلمة تشجيعية، فإنك تمارس دورًا إيجابيًّا حتى لو لم تكن لديك يد مباشرة في الإنجاز.

 

أهمية دور الكلمة الطيبة:

إذا وجدت نفسك في مجتمع من المتعلمين أو المتفوقين، وليس بينهم ابنٌ لك أو قريب، هل يعني ذلك أن تظل بلا دور؟ أين دورك في التشجيع؟ أحيانًا نرى أفرادًا غير محسوبين اجتماعيًّا يمرون بتحولات، يحاولون الاقتراب من لجان الزواج الجماعي أو الجمعيات الخيرية أو أي لجان أخرى في المجتمع، ويريدون أن يصبحوا أرقامًا فاعلة. لكن بدلًا من أن يجدوا التشجيع والكلمات الطيبة، يواجهون الشكوك والظنون ونظرات الريبة، مما يدفعهم إلى العزلة. نحن لسنا مطالبين بأن نكون ريبيين أو شكّاكين. هناك فرق كبير بين الحذر والريبة. كن حذرًا واختبر من يقترب منك، لكن لا تجعله ييأس.

 

الوعد وأثره في بناء الثقة:

عندما تضع إنسانًا على قائمة الانتظار وتمنحه وعدًا، فإنك تمنحه عزيمة وتقوي إرادته. الإنسان الذي يعيش على هامش المجتمع ليس مرتاحًا نفسيًّا، بل يبتعد بقدر ما يشعر باليأس منك. المؤمن يجب أن يكون مصدر أمل لغير الملتزمين، بحيث يرون فيه الأمل الأكبر كلما اشتدت بهم الظروف. حتى الإنسان الضائع يكبر أمله في الله عندما يشعر باليأس من كل شيء آخر. كما قال الإمام الصادق عليه السلام: "ركبت سفينة؟ قال: بلى. كسرت بك السفينة؟ قال: بلى. قال: بعد أن كسرت بك، بمن تعلق أملك؟ قال: بالله". الغارقون ينظرون إليك على أنك أملهم الأخير، فلا تخذلهم.

 

الكلمة الطيبة في الأوقات الحرجة:

الكلمة الطيبة تشكل فارقًا كبيرًا، سواء كانت تشجيعية أو تفاؤلية. قد تكون الكلمة سببًا في إنقاذ طالب على وشك الانهيار أو ترك المدرسة. وإذا كان الإنسان بعيدًا عنك ولا يمكنك أن تصل إليه بكلماتك، فالدعاء هو الوسيلة المثلى لدعمه. الدعاء هو الوطن الذي يوحد المؤمنين أينما كانوا، شرقًا أو غربًا.

 

الكلمة الطيبة مسؤولية دائمة:

الكلمة الطيبة ليست مجرد قول عابر، بل هي مسؤولية ودور يجب ألا يكون منسيًّا. هي الوسيلة التي تجعل منك جزءًا من بناء المحبة والعدالة والتقدم في المجتمع، مهما كان موقعك أو حجم تأثيرك.

 

النظرة الجميلة ودورها في دعم الآخرين:

إلى جانب الكلمة الطيبة، هناك دور النظرة الجميلة. أن تصدق بالنظرة المريحة، أن تنظر إلى الآخر نظرة جميلة مليئة بالأمل، حتى وإن كان واقعه مليئًا بالسلبيات. إذا كان 90% من واقعه سيئًا، فاشتغل على الـ10% الجميلة، وركز عليها، وانظر لها بإيجابية. صنعته الجميلة، فكرته المباركة، أو أي جانب مشرق فيه، استثمره لتعزيز الإيجابيات.

 

دور الأفكار المباركة:

من المهم أن تدعم الآخرين بأفكارك المباركة. في هذا السياق، يحضرني حديث لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يقول فيه: "لك حاجة؟ اعرضها على أخيك المؤمن".

 

ما معنى ذلك؟

هل كل مؤمن مستعد لقضاء حاجتي؟ بالطبع لا. ولكن الإمام يشير إلى أن حاجتك للمؤمن ليست مقتصرة على الجانب المادي فقط، بل هي أوسع وأعمق. حاجتك للمؤمن تشمل:

قضاء الحاجة: إن كانت متوفرة لديه، فسيسعى لقضائها.

المشورة: إن لم يكن لديه ما تقصده، فقد يدلك على الطريق الصحيح أو يرشدك إلى من يستطيع مساعدتك.

 

قصة من الواقع:

أذكر موقفًا في مدينة قم المقدسة عندما كنت في مكتبة أبحث عن كتب أحتاجها. بينما كنت هناك، دخل رجل حزين متعب يشكو للبائع أن زوجته تحتاج إلى عملية جراحية مكلفة، لكنه لا يملك المال الكافي.

سأله البائع: "هل أقرضك المبلغ؟" فأجابه الرجل أن المبلغ كبير جدًّا.

التفت البائع، أخرج ورقة وكتب رسالة، وقال له:

"أنا لا أملك المال، لكن أعرف شخصًا يمكنه مساعدتك، وهذه الرسالة له. اذهب إليه وستجد حاجتك عنده بإذن الله".

هذا مثال حي على قول الإمام علي عليه السلام: "أو مشورة". فالمشورة أحيانًا تكون بنفس قيمة قضاء الحاجة، وهي تستوجب الشكر والدعاء أيضًا.

 

الدعاء كدور لا يُستهان به:

الإمام علي عليه السلام يضيف: "أو دعوة مستجابة".

قد لا يتمكن المؤمن من قضاء حاجتك، ولا يملك مشورة مناسبة، ولكن بإيمانه ودعائه، يفتح الله لك أبواب الخير.

إن قصدت أخاك المؤمن باعتباره بابًا من أبواب الله، فلن يردك الله خائبًا، بل سيحقق حاجتك إما عبر قضاء الحاجة، أو عبر مشورة مباركة، أو بدعوة مستجابة.

 

الاستفادة من الأدوار المنسية:

يجب علينا أن نعتاد على هذه الأدوار المباركة، وألا نضع أنفسنا على الهامش. ليس صحيحًا أن نقسم الأمور إلى ما يعنينا وما لا يعنينا. نحن مسؤولون عن دعم بعضنا البعض، بالكلمة الطيبة، النظرة الجميلة، المشورة النافعة، والدعاء الخالص.

 

ختامًا:

الحمد لله رب العالمين.

اللهم صلِّ على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد