تحدّث سماحة الشيخ عبد الجليل البن سعد في خطبة له بعنوان: (المجتمع الرّشيد) أكّد فيها أنّ بناء الجماعات الرّشيدة يكون بالتّعاون، وذلك في 26 جمادى الأول 1446 هـ في جامع الإمام الحسين (ع) بالحليلة بالأحساء.
من القرآن الكريم: بسم الله الرحمن الرحيم: وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان. صدق الله العلي العظيم.
في عالم الزرع، نجد مختلف أنواع الهوام تحت هذا الغرس وحول هذا النبت وذاك. هوام منها النافع ومنها الضار. متى ما زرعت زرعاً، اجتمعت تلك الهوام حوله، وتكونت، بل إن كل نوع من الزرع يجذب نوعاً من هذه المخلوقات العجيبة. فما تجده من هذه المخلوقات مع النخلة يختلف عما تجده مع غيرها من مزروعات الثمر.
هذا في تكوّن الجماعات الحشرية والجماعات من نوع الهوام. هل تكون الجماعات البشرية مختلفة؟ كلا. إذا أردنا أن نتحدث عن تكوُّن المجتمع الرشيد واللارشيد، علينا ألّا نغادر المثال السابق.
الصورة مع ذلك المثال واضحة جداً:
ابنِ مسجداً في أي بلدة كانت، سترى جماعة. ستتكون جماعة بعد بناء المسجد. في سفراتنا، ربما اضطررنا للدخول إلى دولة نظن أن الإسلام فيها والتدين نسياً منسيّاً. وهذا حدث معي. الشوارع كلها شاهدة على الإباحية والاستهتار. حان وقت الصلاة، رفع النداء، فامتلأ المسجد عن بكرة أبيه. أينما تبني مسجداً، تتكون جماعة.
طيب، لو بنيت مرقصاً، ماذا تتوقع؟ ستتكوّن الجماعة. إن كان برّاً فبر، وإن كان عدواناً وإثماً فإثم. افتح مجلساً لخدمة أهل البيت عليهم السلام أو لحلقات القرآن الكريم، ستتفاجأ بمن؟ بالجماعة. في المقابل، لو عقدت مجالس أو جلسات للبطالين، ما المتوقع؟ أيضاً ستتكوّن الجماعة.
افتح مكتبة عامرة مهيأة بكل وسائل التقنية والراحة في بلد ليس فيه أي علامة على الجدية الثقافية، ستتكون الجماعة. في المقابل، لو جئت إلى مجتمع محافظ متزن رزين، وخصصت واستحدثت فيه أماكن للتفاهة والمقالب الثقيلة، هل سيتأخر تكوُّن الجماعة؟ سوف تتكوّن الجماعة: جلسات للمقالب، مقالب ثقيلة. نقول "ثقيلة"، فقدت فيها أرواح. هناك من مات في هذه المقالب. هناك من أصيب بإعاقة بسببها. هناك من خرج بثيابه ممزقة نتيجة لها. تفاهة، وشراهة في التفاهة. وفي أي بلد؟ في بلد يُعرف بالاتزان والرزانة.
عملية التكون هي عملية طبيعية للبذر، هكذا. لذلك أحياناً نرى جماعات نستغرب وجودها ونتساءل: ما لها أرضية؟ متى تكوّنت؟ كل واحد منا يلتفت للآخر ويقول: متى طلعوا هؤلاء؟ وكيف؟ الأمر بسيط جداً. لذا الآية المباركة اختصرت بناء الجماعة: (وتعاونوا).
إذا أردتم أن تبنوا جماعة رشيدة، تعاونوا. أي اجعلوا للبر هوية. فليكن للبر مراكز ومواقع ونشاط وتنوع روحي، ثقافي، اقتصادي، اجتماعي. وهذا لا يكون إلا بالتعاون. حينها ستتكون الجماعة الشريفة والجماعة الرشيدة.
وفي مقارنة أسيفة جداً بين أهل البر وأهل الإثم، نرى البر يضعف ونرى الإثم يتسع وينتشر. ضعف البر وقلة جماعته يكون بالعادة عن تقصير، أي عدم تعاون. حتى أصحاب المكنة، كل منهم ينتظر الآخر ويتكل عليه: "ما سويت، غيري بيسوي إن شاء الله". بينما عند أهل العدوان والإثم، لا يوجد هذا الكلام. يبتدرون، حريصون، يجدون ذاتهم في شيطنتهم. دائبون، مبادرون.
لماذا يقصر المؤمنون في التعاون على البر؟ هذا ناتج عن عدم حسن الظن بقوة البر والتقوى. لذا، الكثير منهم عندما تسأله: "لماذا لا تسهم؟ لماذا لا تبحث عن مشروع برّ؟" يقول: "ما ينفع مع الناس، الناس اليوم غير". لاحظ سوء الظن بالبر؟ سوء الظن بالتقوى وبجاذبيتها؟ سوء الظن هذا كلّف الناس. سوء ظن المقتدرين على المشاريع كلف المؤمنين. بينما كان يجب أن يكون لدينا حسن ظن بالبر. لماذا؟ لأن القاعدة والمستلهم من هذه الآية تقول إن البر لا يفشل أبداً. جرِّب، البر لا يفشل أبداً. هذا في الجانب الأول من القاعدة.
في الجانب الثاني، أو التعبير الأول لها، نقول: إن الإثم لا يُستهان به أبداً. لا، الإثم لا يُستهان به. لأنه متى ما وجد، تكوّنت تلك الجماعة، كالنبتة، تجتمع حولها الهوام. ولا البر يُستخف به، لأنه متى ما تأسس بشكل صحيح على التقوى، سيكون جذاباً.
هذا يوم الجمعة، يوم الدعوات. نتوجه فيه إلى الله سبحانه وتعالى ونقول: بسم الله الرحمن الرحيم: اللهم صلِّ على محمد وآل محمد. اللهم إنا نعوذ بك في هذا اليوم، فأعذنا. اللهم إنا نستجير بك في هذا اليوم الفضيل، فأجرنا. اللهم إنا نستعين بك في هذا اليوم، فأعنّا. اللهم إنا نعتصم بك في هذا اليوم، فاعصمنا. اللهم إنا نسألك في هذا اليوم، فأعطنا. اللهم إنا نسترزقك في هذا اليوم، فارزقنا. اللهم إنا نستغفرك في هذا اليوم، فاغفر لنا ولوالدينا ولأمواتنا ولأموات المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات يا مجيب الدعوات. وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ محمد مهدي الآصفي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد باقر الصدر
السيد عادل العلوي
السيد محمد باقر الحكيم
عدنان الحاجي
الأستاذ عبد الوهاب حسين
الشيخ عبدالهادي الفضلي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
آيات الأنفس الأولى
فرضية القائلين بالتكامل، وعدم وجود الحلقة المفقودة
الربّانية في ساحة الصراع
لمحة عن الإسكندر المقدوني
حاجة البشريّة إلى نظام
قارون والرأسمالية المستبدة
العسيّف يوقّع روايته الجديدة (مذكّرات أمل) في سيهات
السيد كامل الحسن: غياب الهدفية في حياة الإنسان
العلم الإلهامي برؤية جديدة
الشيخ عبد الجليل البن سعد: المجتمع الرّشيد