الليلة السادسة من محرم 1446 هـ
آية الله السيد منير الخباز
هل الدين مصدر للكآبة والانطواء؟
المركز الإسلامي (ميشيغان)
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة:186]
صدق الله العلي العظيم
انطلاقاً من الآية المباركة، نتحدث حول فكرة مثارة أمام الدين، ألا وهي أن الدين مصدر للكآبة، ومنشأ للحزن، يبعث في الإنسان حالة من الحزن والكآبة، قد تؤدي به إلى خلل في حياته، وذلك من خلال جهتين:
الجهة الأولى:
عندما نقرأ النصوص الواردة في الكتاب الكريم أو السنة النبوية، نجد أن هذه النصوص تتحدث عن عذاب الآخرة بشكل مهول ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ [الحج: 2]
أو عندما يقول القرآن الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6]
أو عندما يقول تبارك وتعالى: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾ [النساء: 56]
عندما يقرأ الإنسان هذه النصوص يشعر بالرعب والخوف ويتعامل مع الله معاملة العبيد للأسياد، أو معاملة السجناء للجلاد، لأن المنطق منطق الخوف والرعب. عندما تتحدث الروايات الشريفة عن عذاب القبر، ورد عن الرسول: "القبر أول منزل من منازل الآخرة، فإذا نجا العبد منه كان ما بعده أيسر منه، وإن لم ينجُ العبد منه فما بعده ليس أقل منه".
وورد عن الإمام الصادق : "إن للقبر كلاماً كل يوم، أنا بيت الغربة، أنا بيت الوحدة، أنا بيت الوحشة فاحذروني. أنا روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار".
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام عندما يتحدث عن القبر يقول: "أيها الناس إن ما بعد الموت لمن لا يغفر له أشد من الموت". وهو القبر، فاحذروا ظلمته ووحدته وضنكه، فإنه المعيشة الضنك التي قال عنها تبارك وتعالى ﴿قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾ [طه: 123-126]
عندما يقرأ الإنسان هذه الروايات التي تتحدث عن القبر بالشكل المهول، وعن ما بعد الموت بالنحو المرعب، يصيبه الخوف، وبالتالي لا يتعامل مع العبادة معاملة الرقة واللين والخشوع، بل يعتبر العبادة عبئاً ثقيلاً، يتعامل معها بكراهية لأن منطلقها منطلق الرعب والخوف من القبر، من الموت، من الآخرة. وهذا ما يفقد العبادة معناها التي قال عنها تبارك وتعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: 1-2].
الجهة الثانية:
عندما نقرأ الأدعية خصوصاً أدعية الإمام زين العابدين عليه السلام، أدعية الصحيفة السجادية، نجد أن أدعية الإمام تكرس حالة البكاء، تكرس حالة الحزن، تكرس حالة الضجر، "إلهي أعني بالبكاء على نفسي، فقد أفنيت بالتسويف والآمال عمري، وقد نزلتُ منزلة الآيسين من خيري، وما لي لا أبكي".
هذه الأدعية تكرس عند الإنسان حالة الحزن الدائم، وأنه لا مخلص له من الذنب إلا بالحزن الدائم والحسرة الدائمة والانهيار، وهذا يعني أن هذه الأدعية تنشر في نفس الإنسان حالة من الكآبة والحزن.
لاحظوا مثلاً قول الإمام زين العابدين (ع): "لَيْتَ شِعْري أَلِلشَّقاءِ وَلَدَتْني اُمّي، أَمْ لِلْعَناءِ رَبَّتْني، فَلَيْتَها لَمْ تَلِدْني وَلَمْ تُرَبِّني، وَلَيْتَني عَلِمْتُ أَمِنْ أَهْلِ السَّعادَةِ جَعَلْتَني وَبِقُرْبِكَ وَجِوارِكَ خَصَصْتَني، فَتَقِرَّ بِذلِكَ عَيْني وَتَطْمَئِنَّ لَهُ نَفْسي".
وأيضاً ورد عن الإمام زين العابدين (ع): "وإنْ رَدَدْتَنِي عَنْ جَنابِكَ فَبِمَنْ أَعُوذُ؟ فَواأَسَفاهُ مِنْ خَجْلَتِي وَافْتِضَاحِي، وَوالَهْفاهُ مِنْ سُوءِ عَمَلِي".
هذا اللسان، لسان الحزن والبكاء، لسان الضجر، ويترتب عليه أثران خطيران:
1. الأثر الأول: نفور الأجيال من العبادة. إذا كانت العبادة ضجراً وحزناً وحسرة وآهة دائمة، توجب نفور الأجيال من العبادة، أو نفور النّاس من الدين، لأنهم يشعرون أن الدين يعوقهم عن الإنتاج وتحقيق الذات وتطويرها، لأن الدين كله حزن، كله ألم، وكله ضجر.
2. الأثر الثاني: أن الإنسان إذا استغرق في هذا النوع من الأدعية سوف يصيبه التشاؤم، سوف يصيبه الإحباط، سوف يصيبه النظر إلى حاله على أنه إنسان ميؤوس منه، يعرض عليه القنوط من رحمة الله، وهذا ما يجره إلى مرض الحزن والكآبة.
إذن الفكرة تتلخص في أن الدين مصدر للكآبة، مصدر للحزن، فكيف نجيب عن هذه الفكرة المطروحة؟
نحن نريد أن نسلط الضوء على هذه النقطة من خلال محورين:
1. في الإجابة عن هذه الفكرة.
2. في أهمية الدعاء.
المحور الأول: في الإجابة عن هذه الفكرة.
هنا وجوه ثلاثة للإجابة عن هذه الفكرة:
الوجه الأول:
نحن عندما نقول بأن الدين مصدر للكآبة، لابد أن نتعرف على أهداف الدين، وما هي معالم الشخصية المتدينة بنظر الدين؟ هل من معالمها الكآبة؟ هل من معالمها الحزن؟ ما هي معالم الشخصية الصالحة المتدينة بنظر الدين نفسه؟
الشخصية المتدينة بنظر الدين لها معالم أربعة:
1. المعلم الأول: الشخصية المتدينة بنظر الدين تطبّق العدالة ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾ [النحل: 90]، ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد: 25] أي لتحقيق العدالة، الشخصية المتدينة شخصية عادلة غير ظالمة.
2. المعلم الثاني: أن الشخصية المتدينة مرتبطة بالله، مفوضة أمورها إلى الله تبارك وتعالى ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: 79] ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: 162] أنا متوكل على الله، حسبي الله وكفى، مفوض أموري كلها إلى الله تبارك وتعالى.
3. المعلم الثالث: الشخصية المتدينة هي التي تعيش التوافق الاجتماعي، تُحِب وتُحَب، تَأْلف وتُؤلف، شخصية منفتحة، شخصية ذات أخلاق عالية، يقول الرسول محمد: "أفاضلكم أحاسنكم أخلاقاً الموطؤون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون". يقول القرآن الكريم: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 134]
4. المعلم الرابع: أن الشخصية المتدينة هي شخصية النصيحة، شخصية الكلمة الصادقة، شخصية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 104].
المؤمن ليس إنساناً صامتاً لا ينصح الآخرين ولا يتحدث معهم، المؤمن إنسان ناصح صاحب كلمة صادقة ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر: 1-3] قاموا بدور النصيحة.
إذن معالم الشخصية المتدينة هي هذه المعالم الأربعة، وليس من معالم الشخصية المتدينة، أن المتدين هو الكئيب المتجهم الغارق في الحزن والأسى، بل معالمها العدالة، الارتباط بالله، التوافق الاجتماعي، النصيحة.
يستحيل لأيّ مجتمع من المجتمعات أن يحقق عدالة بدون قانون، إذا لم يكن هناك قانون ولا قوة وراء القانون لن تسود العدالة، تعيش في المجتمع الغربي تجده مجتمعاً مستقرًّا أمنياً، متقدماً تكنولوجياً، لكن لو يغيب القانون للحظة، ولو تغيب القوة يوماً، لساد الهرج والمرج، وأكل بعضهم بعضاً، ونهب البعض البعض الآخر، لا يمكن للمؤمن ولا لمجتمع أن يحقق المعلم الأول من معالم التدين ألا وهو العدالة بدون قانون، ولا يمكن للقانون أن يكون فاعلاً ما لم يكن معه عنصر جزائي، اقرأ أي قانون في أي دولة، تجد فيه لائحة تشريعات ولائحة عقوبات، مع لائحة التشريعات يوجد عنصر جزائي.
إذن العدالة تفتقر إلى القانون، والقانون كي يكون محركاً وفاعلاً يحتاج إلى لائحة عقوبات وعنصر جزائي، من هنا جاءت الآيات المباركة التي تتكلم عن الآخرة وعن العذاب بعد الموت، وعن هذه الأهوال، هذه الآيات التي تذكر العذاب والأهوال والجحيم تبين العنصر الجزائي، لائحة العقوبات التي تنضم إلى لائحة التقنين والتشريع، لكي يكون القانون فاعلاً ومحركاً.
الله أمرنا بالعدالة وحتى نطبق القانون، جعل علينا لائحة عقوبات، وأنذرنا ووعدنا ووعظنا وشرح لنا أهوال الموت وما بعد الموت وأهوال القيامة وما أشبه ذلك، كل ذلك من أجل أن يكون القانون فاعلاً ومحركاً لنفوسنا، من أجل أن يكون قانون العدالة رادعاً لنا عن ارتكاب الظلم وارتكاب المخاطر والكبائر.
إذن ذكر العذاب في القرآن ليس لزرع الكآبة وليس لإنتاج الرعب، وليس لاستيلاد الخوف وإنما ذكر العذاب في القرآن ليكون عنصراً جزائياً، ولائحة عقوبات تنضم إلى القانون الإلهي، لتعطي هذا القانون فاعليته ومحركيته وحافزيته نحو العمل الصالح والبعد عن العمل الفاسد.
الوجه الثاني:
في المدرسة التحليلية في علم النفس كل إنسان له أربع سمات: سمات عقلية، سمات مزاجية، سمات اجتماعية، وسمات حيوية.
1. السمة الأولى: السمات العقلية؛ وهي الإدراك، ويقسم الإدراك إلى عدة أقسام، هناك ذاكرة تستذكر بها الماضي، وهناك خيال تتخيل مثلاً بلداً لم تزره، وهناك حدس تعرض عليك معادلة رياضية فتحدس بجوابها، وهناك استدلال وإبداع.
القرآن يتحدث عن هذا العنصر العقلي بقوله عز وجل: ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر: 17-18].
2. السمة الثانية: السمات المزاجية؛ وهي الصورة المنعكسة على السلوك نتيجة وجود مثير، رضًا أو غضب، فرح أو حزن، شك أو يقين... إذا عُرض على الإنسان مثير ما فإن مزاجه يتحرك، وهذه السمات أشار إليها القرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ﴾ [المعارج: 19-22].
3. السمة الثالثة: السمات الاجتماعية؛ الإنسان بطبعه إنسان اجتماعي، عنده رغبة في التوافق مع المجتمع، لديه رغبة في التعامل مع المجتمع.
4. السمة الرابعة: السمات الحيوية؛ وهي أسلوب إشباع الحاجات، كيف يشبع حاجته إلى الطعام، كيف يشبع حاجته إلى الجنس، كيف يشبع حاجته إلى النوم، هذه تسمى سمات حيوية.
عندما نأتي إلى موضوع الكآبة والحزن، عندما يقال إن الدين يؤدي إلى الكآبة والحزن، فإن الكآبة من السمات المزاجية، وضدها الانشراح، الانشراح هو انفتاح إلى الخارج برضًا وتفاؤل، والكآبة تراجع نحو الداخل بتشاؤم وإحباط، فالانشراح ظاهرة صحية ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ [الشرح: 1] ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ [الأنعام: 125].
والكآبة ظاهرة مرضية وانقباض نحو الداخل ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: 124] ﴿وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ [الأنعام: 125].
عندما نقول بأن الدين يجرنا إلى الكآبة، كيف يكون ذلك؟ هنا مصدران يتوهم الإنسان أنهما يؤديان إلى الكآبة:
المصدر الأول: التحسيس بالذنب
إذا لم أكن متديناً فلا أشعر بأي ذنب وأعيش حياتي بطلاقة وسعادة، بينما إذا كنت متديناً فإن الدين يحسسني بالذنب، يحسسني بالخطيئة، يحسسني بالمعصية. والإحساس بالذنب إذا طغى يجرني إلى الكآبة والحزن، من هنا نقول: هناك فرق بين الإحساس الموضوعي والإحساس الذاتي، الإحساس الموضوعي بالذنب هو إحساس صحي ناشئ عن الرغبة في التوازن، ناشئ عن الرغبة في الإصلاح، النفس البشرية يقسمها القرآن الكريم إلى أربعة أقسام: نفس ملهمة، نفس أمارة، نفس لوامة، ونفس مطمئنة.
1. القسم الأول: النفس الملهمة ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ [الشمس: 7-8] لديك حس فطري بأصل الخلقة، ولدت وأنت لديك هذا الإحساس وهو إحساس التمييز بين الخير والشر، بين الفضيلة والرذيلة، يستحيل أن ترى إنساناً على الأرض، حتى لو كان إنساناً ملحداً، لا يؤمن بالله ولا يؤمن بالدين، يقول إن الظلم شيء جميل، نداء الفطرة، النفس الملهمة، تقول: العدل جميل والظلم قبيح، نداء الفطرة يقول: مساعدة اليتيم شيء جميل، وصدّ اليتيم شيء قبيح.
2. القسم الثاني: النفس الأمارة ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [يوسف: 53] النفس الأمارة هي الشهوات، كل إنسان لديه شهوات، لديه شهوة الجنس، شهوة الاستئثار بالملك، لديه شهوة الفضول... إلخ، مجموعة من الشهوات موجودة عند الإنسان، وهذه الشهوات أمارة، تلح على الإنسان أن يشبع غرائزها ونزعاتها بأي صورة ممكنة.
3. القسم الثالث: النفس اللوّامة ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾ [القيامة: 1-2] النفس اللوّامة هي الضمير، داخلك ضمير يردعك ويؤنبك، هناك في داخلك محكمة داخلية وهي عبارة عن الضمير، عن النفس اللوّامة.
4. القسم الرابع: النفس المطمئنة ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾ [الفجر: 27-30]، النفس المطمئنة هي النفس التي سكنت إلى ذكر الله، وركنت إليه ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28] ولذلك ورد عن الإمام الصادق قال: "النفس المطمئنة جدي الحسين بن علي".
إذن النفس لها عدة قوى وعدة أقسام، أول هذه الأقسام النفس الملهمة التي أعطيت التمييز بين الفضيلة والرذيلة، الإنسان المتدين الواعي بمجرد أن يذنب تتحرك عنده النفس اللوّامة، وإذا تحركت النفس اللوامة يشعر بالرغبة في العودة إلى التوازن بين الشهوة والعقل، وهذه الرغبة في العود إلى التوازن هي التي تجعله يبكي وينحب، هي التي تجعله يلوم نفسه، إذن البكاء والحسرة والندم الذي يذكره الإمام زين العابدين (ع) هي مجرد وسائل تمارسها النفس لكي تعود إلى التوازن، لكي تعود إلى النداء الفطري وهي التمييز بين الفضيلة والرذيلة، لكي تعود إلى خط الإصلاح، هذا الإحساس هو إحساس صحي موضوعي وليس إحساساً مرضياً، لأن هذا الإحساس وهو الإحساس بالذنب، ناتج عن رغبة في الإصلاح، ناتج عن رغبة في التوازن بين العقل والشهوة، ناشئ عن رغبة في أن ينمحي الخلل من سلوك الإنسان.
ورد عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "إن الله خلق البهائم شهوة بلا عقل، وخلق الملائكة عقلاً بلا شهوة، وركب في الإنسان عقلاً وشهوة، فمن غلب عقله شهوته، فهو خير من الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله، فهو أدنى من البهائم".
رغبة الإنسان في أن ينتصر على شهوته، وأن يعود إلى درب الإصلاح هي التي تحسّسه بالذنب، هي التي تدعوه إلى البكاء والحسرة والندم، فهذا البكاء وهذه الحسرة وهذا الندم إحساس صحي بالذنب، لأنه ناشئ عن الرغبة في التوازن والعودة إلى درب الإصلاح، هذا إحساس موضوعي، وهذا الذي تكرسه الأدعية.
المصدر الثاني: إحساس ذاتي مرضي
أي أن الإحساس بالذنب يقود إلى الانهيار والإحباط والقنوط، وأن الإنسان يصدّ عن الحياة، وهذا الإحساس الذي يؤدي إلى الانهيار هو إحساس مرضي ترفضه الأدعية، وترفضه العبادات، العبادات تؤكد على النوع الأول الإحساس الموضوعي، أما الإحساس الذي يصحبه الانهيار والشعور بالإحباط واليأس فهو حالة مرضية، ومنشؤها ليس الدين، يقول علماء النفس إن منشأ الإحباط ثلاثة:
1. المنشأ الأول: خلل في وظائف الدماغ، مثلاً من يملكون الوسواس يعيشون مشكلة مرضية وليست متعلقة بالدين.
2. المنشأ الثاني: رواسب طفولية، مثلاً عومل معاملة مرعبة ومخيفة، فأصبحت ذكريات الطفولة تسبب له حالة من الإحباط واليأس، ويتعامل مع الأمور دائماً بمنطق الحزن والكآبة.
3. المنشأ الثالث: السقوط الاجتماعي، أن الإنسان الذي يخضع لبعض الأمور المعينة قد تؤدي به إلى أن يصاب بالانهيار، مثلاً إنسان يشعر بالسقوط الاجتماعي، كأن يكون مثلاً ارتكب فاحشة، أو اعتدى على إنسان، فسقط في عين الأسرة، وسقط في عين أصدقائه، وسقط من عين المجتمع، نتيجة الشعور بالسقوط الاجتماعي يحصل له نوع من الانهيار واليأس والقنوط.
إذن الدين والدعاء ليس مصدراً للحزن ولا مصدراً للكآبة، الإحساس المرضي بالذنب ينشأ من هذه الأمور الثلاثة.
بعبارة مختصرة نحن نحتاج إلى البكاء، نحن نحتاج إلى ترقيق العاطفة وتليين المشاعر، نحن نحتاج إلى أن نعيش لوناً من الرقة، ولوناً من العودة إلى الفطرة الإنسانية، إذا نظرنا إلى البكاء والدمعة والحسرة على أنها وسيلة لإعادة التوازن، ووسيلة للإصلاح فهذا إحساس صحي، وهذا الذي تدعو إليه الأدعية الشريفة.
وأما إذا نظرنا إلى البكاء والندم على أنه غاية وهدف نريد أن نتشبث به، فهذا هو الإحساس المرضي الذي يمقته الدين وتمقته الأدعية، وينشأ عن عوامل خارجة عن الدين ولا ربط لها بالدين.
كيف يتعامل الإنسان مع الغيب؟
الله تبارك وتعالى يقول: ﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: 1-3]، ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ [الأنعام: 73].
أمامنا موت وهو غيب، وما بعد الموت هو غيب، كيف يتعامل الإنسان مع عالم الغيب؟ يعلم الإنسان أنه في يوم من الأيام ستقف حركته ويتعطل نبض قلبه وسيتجه إلى عالم آخر وسفر آخر، كيف يتعامل مع هذا الغيب؟
الناس ليسوا كلهم بمزاج واح،د لأن الجينات الوراثية لها أثرها، الجين الوراثي قد يخلق الكرم، وقد يخلق البخل، الجين الوراثي قد يخلق شخصية متوازنة أو يخلق شخصية عصبية انفعالية، الجين الوراثي قد يخلق شخصية خلوقة وقد يخلق شخصية منقبضة، الجين الوراثي له أثر، وإن كان الإنسان قادراً بقوة إرادته على أن يتحكم في هذا الجين الوراثي، لذلك أمزجة الناس على ثلاث حالات وهي حالات يقررها بعض علماء النفس:
القسم الأول: قسم من الناس يتعامل مع الغيب معاملة الهلع والخوف والرعب، خوفٌ يأخذ كل مشاعره ويسيطر على كل شخصيته، هذا الإنسان من الطبيعي أن يتعامل مع القرآن الذي يتحدث عن الآخرة وأهوالها بحالة الرعب والخوف دائماً.
القسم الثاني: وهذا القسم من الناس يعيشون روحاً رقيقة، لديهم رقة بطبعهم، ولديهم نفس وديعة ورقيقة، لذلك تراهم دائماً لديهم حالة تفاؤل ورضا، دائماً لديهم حالة قناعة، ومثل هؤلاء حتى لو حدثتهم عن الموت وأهوالها وما سيحصل بعد الموت، يقولون لك الله رحيم كريم، نحن نفوض أمرنا إلى ربنا. لأنهم يملكون نفساً وديعة رقيقة، تتعامل مع الأمور بالرضا والقناعة.
القسم الثالث: هو الإنسان العقلاني، الإنسان الذي يعيش توازناً في شخصيته، لا هو هلوع، ولا هو إنسان واثق من نفسه تمام الثقة، هذا الإنسان العقلاني هو الذي يركز عليه القرآن، القرآن يأمر المؤمن بأن يكون خائفاً راجياً، لا يملكه الخوف ولا يسيطر عليه، وفي نفس الوقت لا يطغي عليه الرجاء، بل أن يكون متوازناً بين روح الخوف والرجاء، يقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف: 56]
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ [الأنبياء: 90]
ويقول الإمام أمير المؤمنين علي (ع): "لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يكون خائفاً راجياً، ولا يكون خائفاً راجياً حتى يحذر مما يخاف، ويعمل لما يرجو".
لابد أن تعيش توازناً بين غريزة الخوف وغريزة الرجاء، تخاف، إذن احذر من المعصية، ترجو، إذن أقدم وبادر إلى الطاعات والقربات ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [آل عمران: 133]
لابد أن تعيش التوازن بين الخوف والرجاء، لذلك ترى أن مقاطع من الأدعية تكرس على الخوف، ومقاطع أخرى تكرس على الرجاء والرغبة، وذلك حتى تربي الإنسان على أن يعيش توازناً بين الخوف وبين الرجاء.
إذن ليس الدين مصدراً للحزن والكآبة، الدين مصدر لتربيتك تربية متوازنة، بين جناحي الخوف والرجاء. تعادل الخوف فيهم والرجاء فلم *** يفرط بهم طمع يوماً ولا وجل.
الوجه الثالث:
العبادة، الدعاء، هو منهج تربوي للمعالجة الجذرية للذنب، وليس المعالجة السطحية، المعالجة للذنب نوعان: معالجة سطحية، ومعالجة جذرية. والذنب يحتاج إلى معالجة جذرية كي لا يعود الذنب مرة أخرى، الأدعية تعالج الذنب معالجة جذرية وليست معالجة سطحية، لنفترض أنني موظف في شركة وفي أثناء عملي الوظيفي أخطأت، هل يقنع المدير بالمعالجة السطحية؟ لا يقبل ذلك، بل ويطالبك بعدم تكرار الخطأ، فتكون أكثر انتباهاً، إذن أنت تحتاج إلى معالجة جذرية للخطأ وليس إلى معالجة سطحية، فكيف يمارس الإنسان المعالجة الجذرية للذنب ويقتلع جذور الذنب من عمق نفسه، ويمارس عملية تطهيرية لها حتى يعود إلى حالة التوازن؟
المعالجة الجذرية التطهيرية تحتاج إلى عنصرين:
العنصر الأول: الإصرار على التوبة، وعلى الانتصار على الشهوة في ميدان الصراع بين العقل والشهوة ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات: 40-41]
﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات: 37-39]
ويقول الإمام أمير المؤمنين (ع): "وما هي إلا نفسي أروضها بالتقوى".
العنصر الثاني: البكاء، نحتاج إلى البكاء، ممارسة الإنسان لألوان البكاء وألوان الحسرة وألوان الندم، هو معالجة جذرية للذنب حتى يُخرج جذور الذنب من عمق نفسه، يبكي نفسه ويلومها، حتى يمارس هذه العملية التطهيرية الجذرية من الذنب، وهذا ما تصر عليه أدعية الإمام زين العابدين عليه السلام.
وكما أن الدعاء منهج تربوي يربيك على تجاوز الذنب عبر البكاء، كذلك الدعاء يربيك على تجاوز الذنب عبر الحب، عبر الرجاء، الإمام عنده عدة مناجاة، هناك خمسة عشر مناجاة للإمام زين العابدين (ع)، كلها منهج تربوي لتهذيب النفس، مناجاة الخائفين، مناجاة التائبين، مناجاة الراغبين، مناجاة المريدين، مناجاة الراجين، مناجاة المحبين... إلخ.
مناجاة المحبين تركز على الحب والود، تركز على تربية الحب لله والرغبة في الله تبارك وتعالى، يقول الإمام زين العابدين (ع): "إلهي من ذا الذي ذاق حلاوة محبتك فَرام منك بَدَلاً، ومن ذا الذي أَنِسَ بقربك فابتغى عنك حِوَلاً، إلهي فاجعلنا ممن اصطفَيْته لقربك وولايتك، وأخلَصْته لوُدِّك ومحبتك، وشوَّقْته إلى لقائك، ورضَّيْته بقضائك، ومنحْته بالنظر إلى وجهك، وحَبَوتَه برضاك...... يا من أنوار قُدْسه لأبصار مُحبِّيه رائقة، وسُبُحات وجهه لقلوب عارفيه شائقة، يا مُنى قلوب المشتاقين، ويا غاية آمال المحبين، أسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يوصلني إلى قربك، وأن تجعلك أحب إليَّ مما سواك، وأن تجعل حبي إياك قائداً إلى رضوانك، وشوقي إليك ذائداً عن عصيانك".
المحور الثاني: أهمية الدعاء.
الدعاء حاجة ضرورية للإنسان، كل يوم عليك أن تقرأ دعاء، عليك أن تكون قريناً للدعاء مصاحباً له، الدعاء ضروري لصقل شخصيتك، الدعاء ضروري لتهذيب نفسك، في علم الإدارة يصنّفون الحاجات إلى حاجات أولية، وإلى حاجات ثانوية، الحاجات الثانوية مثل الحاجة إلى المال، إلى إشباع الجنس. ولكن من الحاجات الأولية حاجة الإنسان إلى الانتماء، يحتاج الإنسان إلى أن ينتمي إلى قوة تشعره بشعور الحماية والأمن والدفء، وأيضاً حاجة الإنسان إلى البوح والتنفيس عن الذات والتعبير عن الهموم والأحزان.
من الفروقات بين الذكر والأنثى، أن المرأة أطول عمراً من الرجل، لأن المرأة تمارس التعبير عن النفس أكثر من الرجل، المرأة بطبيعتها تصرح بما في نفسها، لديها غريزة البوح والتعبير عن الذات والهموم والأحزان بطبعها، وهذا شيء يخفف عنها الكثير، الرجل بطبيعته يسكت ويكتم ويطوي، فيحمل الهموم داخل نفسه، المرأة لأنها تعبّر أكثر من الرجل، فهي أطول عمراً منه.
الإنسان يحتاج إلى حاجتين أساسيتين: الحاجة إلى الانتماء، والحاجة إلى التعبير عن النفس، وكلتا هاتين الحاجتين تتجسدان في الدعاء، الدعاء يربطك بأقوى قوة، بأعظم مبدأ، تربطك بالمبدأ الأول، بالله تبارك وتعالى.
الحاجة الأولى: الدعاء يحقق لك إشباعاً في حاجتك إلى الانتماء، أنك تنتمي إلى هذه القوة العظمى، إلى هذه القدرة العظمى، إلى الله تبارك وتعالى، فيعطيك الدعاء شعوراً بالحماية والدفء والحنان والأمن، ورد عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "وألجئ نفسك في أمورك كلها إلى إلهك، فإنك تلجئها إلى كهف حريز، ومانع عزيز". وكان علي (ع) إذا فزع من أمر لجأ إلى الصلاة ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ [البقرة: 45].
الحاجة الثانية: من خلال الدعاء تمارس البوح، التنفيس، التعبير عن الآلام، التعبير عن الأحزان، تعبر عن آلامك وأحزانك أمام من يستقبلك، من يحتضنك، لو عبرت عن ذنوبك ومعاصيك أمام الناس لاموك ووبخوك وقرعوك، لكنك تعبر عن آلامك وشكواك وأحزانك أمام من خلقك، أمام من برأك، أمام من يحتضنك، أمام من يلبي دعاءك.
الدعاء مخ العبادة، يقول القرآن الكريم: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186].
الدعاء له عدة شروط:
1. الشرط الأول: الإخلاص، أن تفوض الأمر إلى الله، تقول الآية المباركة ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة: 186] أي إذا دعاني أنا، ما دعا قلبه، ما دعا نفسه، كثير من الناس يدعو لأجل المصلحة ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ [العنكبوت: 65].
الدعاء يحتاج إلى إخلاص، أن تدعوه لأنه خالقك، تدعوه لأنه إلهك، أن تدعوه مفوضاً الأمر إليه، لا أن تدعوه بدافع المصلحة، لا أن تدعوه بدافع الحاجة.
2. الشرط الثاني: أن يكون الدعاء مقترناً بالوسيلة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: 35] لذلك في الدعاء: اللهم إني أدعوك بأحب الأسماء إليك محمد وآل محمد.
ويقول القرآن الكريم: ﴿إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمً﴾ [النساء: 64] إذن الوسيلة مطلوبة في الدعاء.
3. الشرط الثالث: الزمان والمكان، الدعاء في ليلة الجمعة خير من الدعاء في غيرها، الدعاء بعد صلاة الفجر له أثر كبير على نفس الإنسان وصقل شخصيته. المكان أيضاً، الدعاء في المسجد خير من الدعاء في أي مكان آخر، وخير الأماكن هو بيت الله الحرام ومسجد رسول الله وقبره، وأيضاً الدعاء مستجاب تحت قبة سيد الشهداء «إن الله جعل الشفاء في تربته والإجابة تحت قبته» الدعاء مستجاب، الدعاء يعظم ويقرب من الله تبارك وتعالى، إذا كان دعاءً من إنسان صالح مؤمن، من إنسان قريب من الله، فكيف إذا صدر الدعاء من الإمام المعصوم؟ هذا دعاء أعظم الأدعية وأقربها إلى الله تبارك وتعالى.
لذلك لجأ الناس للأئمة والحجج لأجل إحراز الدعاء الصالح، في يوم العاشر من المحرم أقبل جون مولى أبي ذر، كان عبداً لأبي ذر ثم التحق بالإمام الحسين (ع)، وقد كان جون أسمر اللون، لما أقبل اليوم العاشر قال جون للحسين (ع): يا أبا عبد الله منَّ عليَّ بالشهادة حتى يبيض وجهي ويطيب ريحي.
فقال له الإمام الحسين (ع): تقدم إلى الشهادة. ودعا له قائلاً: اللهم بيّض وجهه وطيّب ريحه وألحقه بالنبي محمد وآله.
وبعد مقتل جون وإذا بالعسكر يشم من جسد جون رائحة كرائحة المسك استجابة لدعاء الإمام الحسين (ع).
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
الزهراء للإمام عليّ: اشتملت شملة الجنين (1)
التمثيل بالمحقَّرات في القرآن
الشّيخ صالح آل إبراهيم: ميثاقنا الزّوجي
اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا
المادة على ضوء الفيزياء
المعرض الفنّيّ التّشكيليّ (أبيض وأسود) بنسخته الثّالثة
القرآن وجاذبيّته العامة
القرآن الكريم وأمراض الوراثة
اعتبار الإسلام لرابطة الفرد والمجتمع
لا يدرك الخير إلّا بالجدّ