صدى القوافي

أقوال وأشعار في الدنيا


قال أبو العتاهية
جمعوا فما أكلوا الذي جمعوا * وبنوا مساكنهم فما سكنوا.
وكأنهم كانوا بها ظعنا * فما استراحوا ساعة ظعنوا.
وقال مسروق ما امتلأت دار حبرة إلا امتلأت عبرة وأنشد:
كم ببطن الأرض ثاو من وزير وأمير * وصغير الشأن عبد خامل الذكر حقير.
لو تأملت قبور القوم في يوم قصير * لم تميزهم ولم تعرف غنيًّا من فقير.

وروي أن سعد بن أبي وقاص لما ولى العراق دعا حرقة ابنة النعمان فجاءت في لمة من جوارها فقال لهن أيكن حرقة قالوا هذه فقالت نعم فما استبداؤك إياي يا سعد فوالله ما طلعت الشمس وما شيء يدب تحت الخورنق إلا وهو تحت أيدينا فغربت شمسنا وقد رحمنا جميع من كان يحسدنا وما من بيت دخلته حيرة إلا وعقبته عبرة ثم أنشأت تقول:
فبنينا نسوق الناس والأمر أمرنا * إذا نحن فيهم سوقة نتنصف
فأف لدينا لا يدوم سرورها * تقلبنا ثاراتها وتصرف
هم الناس ما ساروا يسيرون حولنا * وإن نحن أومينا إلى الناس أوقفوا.
ثم قالت الدنيا دار فناء وزوال لا تدوم على حال تنتقل بأهلها انتقالًا وتعقبهم بعد حال حالًا ولقد كنا ملوك هذا القصر يطيعنا أهله ويحبوا إلينا دخله فأدبر الأمر وصاح بنا الدهر فصدع عصانا وشتت شملنا وكذا الدهر لا يدوم لأحد ثم بكت وبكى لبكائها وأنشد شعرًا:
إن للدهر صولة فاحذريها * لا تقولي قد أمنت الدهورا
قد يبيت الفتى معافًا فيؤدى * ولقد كان آمنا مسرورا

فقال لها اذكري حاجتك فقالت بنو النعمان أجرهم على عوائدهم فقال لها اذكري حاجتك لنفسك خاصة فقالت يد الأمير بالعطية أطلق من لساني بالمسألة فأعطاهم وأعطاها وأجزل فقالت شكرتك يد افتقرت بعد غنى ولا ملكتك يدا استغنت بعد فقر وأصاب الله بمعروفك مواضعه ولا جعل الله لك إلى اللئيم حاجة ولا أخلا الله من كريم نعمة إلا وجعلك السبب في ردها إليه فقال سعد اكتبوه في ديوان الحكمة فلما خرجت من عنده سألها نساؤها فقلن ما فعل معك الأمير فقالت حاط لله ذمتي وأكرم وجهي إنما يكرم الكريم الكريم ولقد أحسن من قال شعرا:
وما الدهر والأيام إلا كما ترى * رزية مال أو فراق حبيب.
وإن امرئ قد جرب الدهر لم يخف * تقلب يوميه لغير أريب.

وقال آخر:
هو الموت لا ينجى من الموت والذي * أحاذر بعد الموت أدهى وأفظع.
وقال آخر:
إذ الرجال كثرت أولادها * وجعلت أوصابها تعتادها
واضطربت من كبر أعضادها * فهي زروع قد دنا حصادها.
وقال بعضهم اجتزت بدار جبار كان معجبًا بنفسه وملكه فسمعت هاتفًا ينشد ويقول
وما سالم عما قليل بسالم * وإن كثرت أحراسه ومواكبه
ومن يك ذا باب شديد وحاجب * فعما قليل يهجر الباب حاجبه
ويصبح في لحد من الأرض ضيق * يفارقه أجناده ومواكبه
وما كان إلا الموت حتى تفرقت * إلى غيره أحراسه وكتائبه
وأصبح مسرورًا به كل كاشح * وأسلمه أحبابه وحبائبه
بنفسك فاكسبها السعادة جاهدًا * فكل امرئ رهن بما هو كاسبه.
وكان بعضهم إذا نظر في المرآة إلى جماله أنشد شعرًا :
يا حسان الوجوه سوف تموتون * وتبلى الوجوه تحت التراب
يا ذوي الأوجه الحسان المصونات * وأجسامها الغضاض الرطاب
أكثروا من نعيمها وأقلوا * سوف تهدونها لعقر التراب
قد نعتك الأيام نعيًا صحيحًا * بفراق الأقران والأصحاب.

وقال بعضهم: يا أيها الإنسان لا تتعظم فليس بعظيم من خلق من التراب وإليه يعود وكيف يتكبر من أوله نطفة قذرة وآخره جيفة قذرة وهو يحمل بين جنبيه العذرة واعلم أنه ليس بعظيم من تصرعه الأسقام وتفجعه الآلام وتخدعه الأيام لا يأمن الدهر أن يسلبه شبابه وملكه وينزل من علو سريره إلى ضيق قبره وإنما الملك هو العاري من هذه المعايب ثم أنشد شعرًا :
أين الملوك وأبناء الملوك ومن * قاد الجيوش ألا يا بئس ما عملوا
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم * غلب الرجال فلم ينفعهم القلل
فأنزلوا بعد عز عن معاقلهم * وأسكنوا حفرة يا بئس ما نزلوا
ناداهم صارخ من بعد ما دفنوا * أين الأسرة والتيجان والكلل
أين الوجوه التي كانت منعمة * من دونها تضرب الأستار والحجل
فأفصح القبر عنهم حين سائلهم * تلك الوجوه عليها الدود تنتقل
قد طال ما أكلوا دهرا وما شربوا * فأصبحوا بعد طيب الأكل قد أكلوا
سالت عيونهم فوق الخدود ولو * رأيتهم ما هناك العيش يا رجل.

وقال الحسين عليه السلام: يا بن آدم تفكر وقل أين ملوك الدنيا وأربابها الذين عمروا واحتفروا أنهارها وغرسوا أشجارها ومدنوا مدائنها فارقوها وهم كارهون وورثها قوم آخرون ونحن بهم عما قليل لاحقون يا بن آدم اذكر مصرعك وفي قبرك مضجعك وموقفك بين يدي الله تشهد جوارحك عليك يوم تزل فيه الأقدام وتبلغ القلوب الحناجر وتبيض وجوه وتسود وجوه وتبدو السرائر ويوضع الميزان القسط يا بن آدم اذكر مصارع آبائك وأبنائك كيف كانوا وحيث حلوا وكأنك عن قليل قد حللت محلهم وصرت عبرة للمعتبر وأنشد شعرًا:
أين الملوك التي عن حفظها غفلت * حتى سقاها بكأس الموت ساقيها.
تلك المدائن في الآفاق خالية * عادت خرابًا وذاق الموت بانيها
أموالنا لذوي الوراث نجمعها * ودورنا لخراب الدهر نبنيها .
ــــــــ
* إرشاد القلوب /الحسن بن محمد الديلمي/ باب الدنيا.
 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد