صدى القوافي

تأسّفت جارتي

أقدم المأمون دعبل بن علي الخزاعي (رحمه الله) وآمنه على نفسه، فلما مثل بين يديه فقال له أنشدني قصيدتك الكبيرة، فجحدها دعبل وأنكر معرفتها، فقال له: لك الأمان عليها كما أمنتك على نفسك، فأنشده:

 

تَأَسَّفَت جارَتي لَمّا رَأَت زَوَري

وَعَدَّتِ الحِلمَ ذَنباً غَيرَ مُغتَفَرِ

تَرجو الصّبا بَعدَ ما شابَت ذَوائِبُها

وَقَد جَرَت طَلَقاً في حَلبَةِ الكِبَرِ

أَجارَتي إِنَّ شَيبَ الرَأسِ ثَقَّلَني

ذِكرَ الـمَعادِ وَأَرضاني عَنِ القَدَرِ

لَو كُنتُ أَركَنُ لِلدُنيا وَزينَتِها

إِذَن بَكَيتُ عَلى الماضينَ مِن نَفَري

أَخنى الزّمانُ عَلى أَهلي فَصَدَّعَهُم

تَصَدُّعَ القَعبِ لاقى صَدمَةَ الحَجَرِ

بَعضٌ أَقامَ وَبَعضٌ قَد أَهابَ بِهِ

داعي الـمَنِيَّةِ وَالباقي عَلى الأَثَرِ

أَمّا الـمُقيمُ فَأَخشى أَن يُفارِقَني

وَلَستُ أَوبَةَ مَن وَلّى بِمُنتَظِرِ

أَصبَحتُ أُخبِرُ عَن أَهلي وَعَن وَلَدي

كَحالِمٍ قَصَّ رُؤيا بَعدَ مُدَّكَرِ

لَولا تَشاغُلُ نَفسي بِالأُلى سَلَفوا

مِن أَهلِ بَيتِ رَسولِ اللَهِ لَم أَقِرِ

وَفي مَواليكَ لِلمَحزونِ مَشغَلَةٌ

مِن أَن تَبيتَ لِمَفقودٍ عَلى أَثَرِ

كَم مِن ذِراعٍ لَهُم بِالطّفِّ بائِنَةٍ

وَعارِضٍ مِن صَعيدِ التّربِ مُنعَفِرِ

أَنسى الحُسَينَ وَمَسراهُم لِمَقتَلِهِ

وَهُم يَقولونَ هَذا سَيِّدُ البَشَرِ

يا أُمَّةَ السوءِ ما جازَيتِ أَحمَدَ عَن

حُسنِ البَلاءِ عَلى التّنزيلِ وَالسّوَرِ

خَلّفتَموهُ عَلى الأَبناءِ حينَ مَضى

خِلافَةَ الذّئبِ في أَبقارِ ذي بَقَرِ

وَلَيسَ حَيٌّ مِنَ الأَحياءِ نَعلَمَهُ

مِن ذي يَمانٍ وَمِن بَكرٍ وَمِن مُضَرِ

إِلّا وَهُم شُرَكاءٌ في دِمائِهُمُ

كَما تَشارَكَ أَيسارٌ عَلى جُزُرِ

قَتلاً وَأَسراً وَتَحريقاً وَمَنهَبَةً

فِعلَ الغُزاةِ بِأَرضِ الرومِ وَالخَزَرِ

أَرى أُمَيَّةَ مَعذورينَ إِن قَتَلوا

وَلا أَرى لِبَني العَبّاسِ مِن عُذرِ

أَبناءُ حَربٍ وَمَروانٍ وَأُسرَتُهُم

بَنو مُعَيطٍ وُلاةُ الحِقدِ وَالوَغَرِ

قَومٌ قَتَلتُم عَلى الإِسلامِ أَوَّلَهُم

حَتّى إِذا اِستَمكَنوا جازَوا عَلى الكُفُرِ

أرْبِعْ بِطوسٍ عَلى قَبرِ الزّكِيِّ بِها

إِن كُنتَ تَربَعُ مِن دينٍ عَلى وَطَرِ

قَبرانِ في طوسَ خَيرُ الخَلقِ كُلِّهِمُ

وَقَبرُ شَرِّهِمُ هَذا مِنَ العِبَرِ

ما يَنفَعُ الرّجسَ مِن قُربِ الزَكِيِّ وَما

عَلى الزّكِيِّ بِقُربِ الرّجسِ مِن ضَرَرِ

هَيهاتَ كُلُّ اِمرِىءٍ رَهنٌ بِما كَسَبَت

لَهُ يَداهُ فَحُذ ما شِئتَ أَو فَذَرِ

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد