لقاءات

هادي رسول: لصياغة واقعة الطّفّ بأدوات المجاز، لا بأدوات الخطاب السّطحيّ والمباشر

واقعة الطّفّ أعظم واقعة تحوي مبادئ وقيمًا يمكن إعادة صياغتها شعريًّا بأدوات المجاز، لا بأدوات الخطاب السّطحيّ والمباشر، فهي واقعة تُعنى أوّلاً وأخيرًا بصناعة الإنسان. في حوار صريح حول واقع الشّعر الحسينيّ بين الماضي والحاضر،  كان لنا هذا اللّقاء مع الشّاعر والنّاقد هادي رسول.

 

حاورته: نسرين نجم

 

الشّعر الحسينيّ حفظ تاريخ الطّفّ ومصائبها ومبادئها، فكان تأكيدًا لما قاله الإمام الصادق (ع) : "أحيوا أمرنا" فهل نجحت القصيدة الحسينيّة، بأن تكون المنصّة الإعلاميّة التي تصنع الثّقافة؟

(كان دور القصيدة الحسينيّة في زمن شهادة الإمام الحسين (ع) والأئمة من بعده إعلاميًّا بامتياز، فأخذ الشّعر على عاتقه رواية المأساة والواقعة، وكان أحد وسائل نقل الحدث.

لكن بعد ذلك راجت القصيدة المنبريّة، واستغرقت في رواية الحدث والإضافة عليه، وأصبحت ذات طابع تقريريّ أكثر من صناعة الشعر.

الشّعر مادة خياليّة وتخيّليّة، وحين أقول تخيّليّة وخياليّة، لا يعني صناعة حدث جديد لم يحدث، إنّما تكثيف المجاز والصورة الشّعريّة، في إطار إبداعيّ يعيد صياغة الحدث.

هناك جوانب في المأساة غير منتَبَه لها، يمكن تفعيل الخيال الشّعريّ فيها، وإثارة الوجدان من خلالها.

القصيدة الحسينيّة نجحت في صنع ثقافة الرّثاء غالبًا أكثر من صناعة الشّعر، إذا استثنينا بعض النّماذج والتجارب التّراثيّة والمعاصرة).

 

بين اللّطميّة والقصيدة الحسينيّة بأوزانها وتفعيلاتها، أيهّما أكثر تأثيرًا في مجال تصوير واقعة الطّفّ؟ وأيّهما أكثر تأثيرًا على الشّباب؟

(لعل اللّطميّة خطابها أقرب للخطاب المباشر، بينما الشّعر لغته لغة متجاوزة وعليا.

الكثير من اللّطميّات تفتقد للشّعر ولياقة الخطاب الأدبيّ، بينما العديد من النّصوص الشّعريّة الجيّدة التي كُتبت منذ شهادة الإمام (ع) إلى وقتنا الحاليّ، مهملة لم يتمّ الانتباه لها إلا ما ندر.

في اللّطميّات الكثير من الإسفاف والابتذال والخطاب الضّعيف والتّصوير غير اللّائق للفاجعة.

هذا ليس تعميمًا بكلّ تأكيد، فالسّاحة لا تخلو من النّماذج الجيّدة، لكنّها غير رائجة، ولا تلقى قبولاً للأسف.

وتهافت الذّوق لدى الجمهور، سبب من أسباب هبوط نصّ اللّطميّات، لدى غالبيّة الرّواديد).

 

 ما هي شروط القصيدة الحسينيّة لتؤدّي رسالتها في الدعوة إلى الله بعيدًا عن المغالاة والتّعصّب؟

(شخصيًّا لا أحبّذ كلمة شروط، لكن لعلّ هناك ما يمكن أن أسـمّيه توصيات عامة من وجهة نظري الخاصّة.

استغرقنا في الخطاب المباشر وابتعدنا عن لغة الشّعر.

أدعو إلى تطوير أدوات الخطاب الشّعري الولائيّ، ليكون نصًّا مفتوحًا على الإنسان غير متقوقع في الطّائفة والمذهب.

واقعة الطّفّ أعظم واقعة تحوي من المبادئ والقيم التي يمكن إعادة صياغتها شعريًّا بأدوات المجاز، لا أدوات الخطاب السّطحيّ والمباشر، والانفتاح على الواقعة على أنها موضوع لصناعة الإنسان، لا التّقوقع في الإطارات الضّيّقة بالخطاب المنحصر على الطّائفة وتحفيز البكاء.

سبب من أسباب ظهور بعض ملامح الغلوّ والتعصّب، هو الضّعف الثّقافيّ للشّاعر والرّادود والجمهور معًا.

لا أبرّئ أحدًا ولا أحصر السّبب في أحد.

النّصّ الشّعريّ خطاب ثقافي بالدّرجة الأولى، لا خطاب دينيّ أو عقائديّ.

تضييق الخطاب الموجّه للطّائفة يجعل نصّ اللّطميّة في قفص منغلق لا يلتقي مع الآخر.

كثير من النّصوص الشّعرية الجادّة للعديد من الأدباء هي متجاوزة هذا المأزق الخطابيّ المباشر والضّعيف، لكن لا يتمّ الالتفات إليها، فالرّواديد وجماهيرهم منشغلون بالمتهافت والرّديء).

 

 إلى أيّ حدّ يجب أن تكون كلمات القصيدة وأفكارها مناسبة لمقام أهل البيت (ع) وقدسيّتهم؟ وألا ترون أنّ هناك تحديات في هذا المجال؟ وأنّ وهناك مَن يسعى لتشويه هذه الصورة؟ وكيف يمكن أن نواجه ذلك؟

(حين تكون الكتابة أفقًا يقارب بين لغة الشّعر والانفتاح على الإنسان بكلّ تجلّياته وانتماءاته الدّينيّة والمذهبيّة، يمكن حينها التّعويل على كتابة نصّ لا يقع في فخّ الغلوّ والتّشويه.

لم يكن الحسين حكرًا على دين أو طائفة أو مذهب، لكنّ الكثير من النصوص تظلّ ضعيفة التأثير، أو قدرتها على الوصول واهنة، أو ربما مشوّهة في خطابها لأنّ منطلقها محدود، وجدت الحسين في البكائيّات واستدرار الدّمعة فقط، ولم تذهب للحسين كقيمة عليا ومبدأ إنساني عميق).

 

 كيف يمكن للقصيدة الحسينيّة أن تربط بين الماضي والواقع الحالي؟ وإذا أردنا أن نتحدّث عن النتائج الأدبيّة التي أسهم بها الشّعر الحسيني فعلى أيّ مشهد نحصل؟

(لا أعتقد أنّ وظيفة القصيدة هي الرّبط بين الماضي والحاضر بشكل مباشر.

وظيفة النّصّ الشّعريّ تفعيل طاقة اللّغة والخيال للشّاعر والمتلقّي معًا…

كلّ شاعر له طريقته في الوقوف على المأساة.

وحين أقول إنّ القصيدة تعيد صياغة الواقع، لا يعني أنها تفعل ذلك كما لو أنها فعل بشريّ يمارس وظيفته التّغييريّة على الأرض، إنما هي تتخيّل الواقع الذي تراه وتعيد كتابته.

أمّا النتائج التي أسهم بها الشّعر الحسينيّ، فذلك يحتاج إلى استقراء وبحثّ جادّ يستغرق وقتًا وجهدًا).

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد