قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
حيدر حب الله
عن الكاتب :
ولد عام 1973م في مدينة صور بجنوب لبنان، درس المقدّمات والسطوح على مجموعة من الأساتذة المعروفين في مدينة صور (المدرسة الدينية). ثم سافر إلى الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانية لإكمال دراساته الحوزويّة العليا، فحضر أبحاث الخارج في الفقه والأصول عند كبار آيات الله والمرجعيات الدينية. عام 2002م، التحق بقسم دراسات الماجستير في علوم القرآن والحديث في كلّية أصول الدين في إيران، وحصل على درجة الماجستير، ثم أخذ ماجستير في علوم الشريعة (الفقه وأصول الفقه الإسلامي) من جامعة المصطفى العالميّة في إيران (الحوزة العلمية في قم). من مؤلفاته: علم الكلام المعاصر، قراءة تاريخية منهجيّة، فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حجية الحديث، إضاءات في الفكر والدين والاجتماع (خمسة أجزاء) ...

مفهوم النسخ عند الدكتور نصر حامد أبو زيد


حيدر حب الله
الشيء الملفت عند د. نصر حامد أبو زيد إصراره على وجود سرّ وراء إبقاء الآية المنسوخة قرآناً متلوّاً بين المسلمين، وهو ـ من وجهة نظره ـ فتح في مجال إعادة تفعيل الآية المنسوخة عندما تعود ظروفها مرّة أخرى، وفي هذا ربط للنص بالواقع من أكثر من جهة، وهو ما يضع الناسخ في دائرة المنسأ على الدوام.
لكن هذا التحليل يضعنا أمام تفسير جديد يغير مفهوم الناسخ والمنسوخ رأساً، وهو تغيير لا نستنكره فعلاً، وإنما نحاول تلمّس معالمه، إن تفسير بقاء المنسوخ على أنه إعادة تفعيل لدوره على تقدير عود الظروف المشابهة يعني أن النص المنسوخ لم يمت الى الأبد كما توحيه كلمات علماء القرآن والأصول، ومن ثم فهو باقٍ، كلّ ما في الأمر أن موضوعه وظرفه الذي يجعله حكماً فعلياً قائماً عملياً قد تجمّد، وهذا يعني ان عودة ظرفه تعيده الى حالة الفعلية هذه، وهذه العملية تضع التشريعات كلّها تقريباً ـ إن لم نقل تحقيقاً ـ تحت سلطان ثنائي الناسخ والمنسوخ، ومن ثم، فلا تعني حالات النسخ المذكورة تاريخياً صيغة نهائية، وإنما مجرّد مثال تحقق في تلك الظروف، كما أن هذا ما يلغي تماماً الفكرة التي تقول بأن النسخ ظاهرة مختصة بزمن النبي لأن المفهوم الذي قدّمناه للنسخ نوع مفهوم متحرّك، يمكن تطبيقه في كل زمان، فلو فرضنا أن أحداً من المسلمين لم يكن مستطيعاً للحج وأن هذا الوضع استمر لعدة سنوات فهذا يعني أن حكم وجوب الحج قد تجمّد، والفائدة من الإبقاء على آية وجوبه في القرآن ليس سوى مؤشّر على عودة هذا الوجوب إلى الحياة والتحريك عندما تعود حالة الاستطاعة ولو إلى مسلم واحد مثلاً.


إن فكرة النسخ وفق هذا التصوّر تشبه إن لم تطابق، ما يعبر عنه علم أصول الفقه بأن فعلية الحكم تتبع تحقّق موضوعه في الخارج، وأن الأحكام في حال تحوّل دائم، تبعاً لتحول الموضوعات المترتبة عليها، وهو ما يستنكر علم الأصول عموماً تسميته نسخاً، لأن النسخ ـ وفق التصوّر المألوف ـ إلغاء حكم في عالم التشريع رأساً بحيث لم يؤت به إلا لغرض آني زال وانتهى، وإذا لم يحدد النص نفسه هذا الزمن بداية الأمر، فإنما ذلك لكي يمنح ـ مثلاً ـ الحكم المنسوخ لاحقاً طابع الهيبة والديمومة بغية الحد من تقاعس المكلفين عن الإتيان به، ومن ثم فلا معنى للحديث عن إعادة إحياء النص المنسوخ تبعاً للتصوّر المألوف، ما دام النص آنياً في تشريعه مختصاً بالزمان الأوّل.
ويستتبع هذه المقولة، تعديل في منهج التعامل مع الناسخ والمنسوخ، فبعد أن خضع التعامل إلى نظام الدلالات صار من المفترض خضوعه لنظام آخر، وهو نظام يربط النص بالموضوع المفترض تحقّق ظروفه كاملة لكي يأخذ النص درجة الفعلية والتنجيز، وهذا معناه أن نسخ دليل لدليل ليس أمراً يرتبط بالدلالة فحسب، وإنما بعلاقة كل دليل بموضوعه وتحقق قيود الحكم التي توجب تفعيل الحكم ووصوله درجة التنجيز، وهذا تحوّل أساسي آخر تستتبعه مقولة أبو زيد.
وإذا كان النسخ بمعناه المألوف يحقق لأبو زيد مطلوبه، فإنّ النسخ بالمعنى الجديد كفيل بإعادة إنتاج كل التشريعات تبعاً لنظام النص / الواقع.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد