من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
عن الكاتب :
الشيخ محمد مهدي شمس الدين، (1936م-2001م) عالم دين ومفكر إسلامي ومحدّث، كان رئيساً للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان. بدأ نشاطه العلمي والسياسي في مدينة النجف الأشرف ودرس عند السيد محسن الحكيم والسيد الخوئي. عاد عام 1969م إلى لبنان وتولّى رئاسة الاتحاد الخيري الثقافي الذي أسس عام 1966م و باشر بنشاطات ثقافية وفكرية وتبليغية. من مؤلفاته: نظام الحكم والإدارة في الإسلام، مطارحات في الفكر المادّي والفكر الديني، ثورة الحسين في الوجدان الشعبي، بين الجاهلية والإسلام وغير ذلك.

طبيعة الحق، وحقوق الحاكم على الرّعيّة عند الإمام علي (ع)

تحدث الإمام عليه السلام عن طبيعة الحق فلاحظ أنه لا يمكن أن يكون لأحد حقّ على غيره إلا ويكون عليه لغيره واجب، وهناك تقابل دائم بين الحق والواجب فحيثما يكون الحق يتبعه الواجب.

 

ولكنّ الناس - غالبًا - يريدون استيفاء حقوقهم دون أن يؤدوا ما عليهم من واجبات غير عالمين أنه حينما يتمرد الإنسان على واجبه فلا يأتي به يسقط حقه الذي يدعيه.

 

قال عليه السلام: (.. فالحق أوسع الأشياء في التواصف (1)، وأضيقها في التناصف، لا يجري لأحد إلا جرى عليه ولا يجري عليه إلا جرى له، ولو كان لأحد أن يجري له ولا يجري عليه لكان ذلك خالصًا لله سبحانه دون خلقه لقدرته على عباده، ولعدله في كل ما جرت عليه صروف قضائه، ولكنه جعل حقه على العباد أن يطيعوه، وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضلاً منه وتوسعًا بما هو من المزيد أهله) (2).

 

وقال عليه السلام: (ثم جعل سبحانه من حقوقه حقوقًا لبعض الناس على بعض، فجعلها تتكافأ (3) في وجوهها ويوجب افتراضها بعضها بعضًا، ولا يستوجب بعضها إلا ببعض) (4).

 

وننبه هنا إلى أن هذه الحقوق، حقوق الإمام، ليست امتيازات على سائر الناس يحصل عليها الإمام بسبب الحكم، وذلك لأن الحكم ، عند الإمام، لا يسبب للحاكم أي امتياز شخصي أبدًا.

 

وها هو يخاطب الأشتر، عامله على مصر، بقوله: (إياك والاستئثار (5) بما الناس فيه أسوة (6)، والتغابي عما تعنى به مما قد وضح للعيون، فإنه مأخوذ منك لغيرك، وعما قليل تنكشف عنك أغطية الأمور، وينتصف منك للمظلوم).

 

وقال عليه السلام مخاطبًا أصحابه في صفين (7): (وإن من أسخف (8) حالات الولاة عند صالح الناس أن يظن بهم حب الفخر، ويوضع أمرهم على الكبر، وقد كرهت أن يكون جال في ظنكم أني أحب الإطراء واستماع الثناء، ولست - بحمد الله - كذلك ولو كنت أحب أن يقال ذلك، لتركته انحطاطًا لله سبحانه عن تناول ما هو أحق به من العظمة والكبرياء وربما استحلى الناس الثناء بعد البلاء (9) فلا تثنوا علي بجميل بلاء لإخراجي نفسي إلى الله وإليكم من التقية (10) في حقوق لم أفرغ بعد من أدائها، وفرائض لابد من إمضائها، فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة ولا تتحفظوا في بما يتحفظ به عند أهل البادرة (11)، ولا تخالطوني بالمصانعة) (12) - (13).

 

وإذا لم تكن حقوق الحاكم من هذا الباب فما هي طبيعتها إذن؟

 

حقوق الحاكم كما يجملها الإمام في نهج البلاغة هي أمور يعطاها لأنها ضرورية لاستمرار الحكم وصلاحه فهذه الحقوق هي: (وأما حقي عليكم: فالوفاء بالبيعة، والنصيحة في المشهد والمغيب، والإجابة حين أدعوكم، والطاعة حين آمركم) (14).

 

وهي: (ولي عليكم حق الطاعة وألا تنكصوا عن دعوة (15)، ولا تفرطوا في صلاح، وأن تخوضوا الغمرات (16) إلى الحق) (17). وهي: (فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل) (18).

 

وتكاد ترجع كل هذه الحقوق إلى الوفاء بالبيعة، فإن الإمام يبايع على السمع والطاعة. وإذا لم يسمع المحكومون حين يدعوهم ولم يطيعوا حين يأمرهم، ولم ينصحوا له ولم يثبتوا على ولائه لم يستطع الإمام أن يسير أداة الحكم على نحو صالح.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) يتسع القول في وصف الحق، حتى إذا حان وقت العمل والتنفيذ على الإنسان الذي يصف الحق يفر من أداء الحق ولم ينصف.

(2) نهج البلاغة، رقم النص: 214.

(3) تتكافأ: تتساوى.

(4) نهج البلاغة، نفس النص السابق.

(5) الاستئثار: تخصيص النفس بزيادة في الحصة عن الآخرين.

(6) أسوة: متساوون. والتغابي: التغافل.

(7) صفين كسجين - موقع عده الجغرافيون من بلاد الجزيرة (ما بين الفرات ودجلة) والمؤرخون العرب عدوه من أرض سوريا. وهو اليوم في محافظة حلب.

(8) وإن من أسخف . . : أصل السخف رقة العقل وغيره، والمراد: إن أدنى حالات الولاة أن يظن بهم الصالحون أنهم يحبون الفخر، ويبنون أمورهم على أساس الكبر.

(9) البلاء: إجهاد النفس في إتقان العمل وإحسانه.

(10) التقية: الخوف، والمراد هنا بها العقاب، ومعنى الجملة: أي لا أستحق الثناء لأني قمت بأداء حقوق واجبة علي خوفًا من عقاب الله إذا تركت أداءها.

(11) أهل البادرة: سريعو الغضب. ينهاهم أن يكلموه بألقاب العظمة التي اعتاد الناس أن يخاطبوا بها الجبارين، وينهاهم عن أن يقابلوه بالتحفظ والرهبة خشية غضبه.

(12) ولا تخالطوني بالمصانعة: يعني لا تصانعوني فتتظاهرون بطاعتي دون أن تكونوا راغبين في ذلك.

(13) نهج البلاغة: رقم النص: 214.

(14) نهج البلاغة، رقم النص: 34.

(15) نكص: تأخر ورجع: يعني لا تتأخروا عن إجابتي إذا دعوتكم.

(16) الغمرات: الشدائد.

(17) نهج البلاغة، باب الكتب، رقم النص: 50.

(18) نهج البلاغة، رقم النص: 214.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد