إن للظروف تأثيرها، ما في ذلك ريب، ولكنها لا تعاكس الإنسان في كل شيء ولا تسعفه في كل شيء.. وأي إنسان حقق كل ما أراد، مهما بلغت قدرته، وامتد سلطانه؟. ومن الذي استطاع أن يجعل امرأته أو ولده كما يشاء خلقًا وخُلقًا؟. واعطف على هذا المثال ما شئت من الأمثلة.. وأيضًا ما من أحد عاندته الظروف في كل ما طلب وأراد، حتى في الكلام والنوم - مثلاً - إذن، فإرادة الإنسان قائمة، ولها تأثيرها وعملها.
ولكن هذه الإرادة محكومة بمشيئة عليا، وهي تقول للإنسان: إذا أردت شيئًا فاطلبه من أسبابه الكونية التي جعلتها طريقًا إليه، وإياك أن تنسى أو تتجاهل ذكري، وأنت تسير على طريقي هذا، فأنا الذي خلقتك وهيأت لك الأسباب، وأرشدتك إليها، وأمرتك باتباعها.. وأيضًا لا تنس أن الطريق الذي مهدته لك لا يؤدي بك حتمًا وعلى كل حال إلى ما تطلبه وتبتغيه كلاّ.. حتى ولو اجتهدت وبالغت لأني خلقت أيضًا ظروفًا معاكسة تعرقل السير، وما هي بحسبانك ولا بحسبان سواك، لأنها في يدي، وأنا أرسلها وأمسكها، فلا تجزم بأنك بالغ ما تريد، وعلق كل شيء على المشيئة العليا.. ما شاء كان، وان لم يشأ لم يكن.
(واذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ)
كل إنسان معرض للنسيان، وبالخصوص إذا تراكمت عليه الأشغال والأحزان. بل قيل: «سميت إنسانًا لأنك ناسيا». وقد أمرنا اللَّه سبحانه أن نذكره عند النسيان، وعلَّمنا كيف نذكره، حيث قال عز من قائل: (وقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً) أي وإن لم يذكّرني اللَّه الذي نسيت فإنه يذكّر ما هو أصلح وأنفع منه، وفي نسيان بعض الأمور فوائد جمة.
ولهذه الآية قصة طريفة تعكس تحاسد بعض أهل العلم بالدين، تمامًا كتحاسد التجار وأرباب المهن.. فقد روي أن المنصور كان يفضل أبا حنيفة على سائر الفقهاء، فحسده على ذلك محمد بن إسحاق، وفي ذات يوم اجتمعا معا عند المنصور، فسأل محمد أبا حنيفة بقصد إفحامه وتعجيزه، قال له: ما تقول في رجل حلف باللَّه أن يفعل كذا، وبعد أن سكت الحالف أمدًا قال: إن شاء اللَّه؟.
قال أبو حنيفة: تصح اليمين ويلزم بها الحالف لأن قوله: إن شاء اللَّه منفصل عن اليمين، ولو اتصل بها لم تنعقد.
فقال محمد بن إسحاق: كيف وعبد اللَّه بن عباس جد أمير المؤمنين - يقصد المنصور - كان يقول، يعمل الاستثناء، وإن كان بعد سنة لقوله تعالى: «واذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ»؟. فالتفت المنصور إلى أبي حنيفة وقال له: أصحيح هكذا قال جدي؟. قال أبو حنيفة: نعم
فقال له المنصور: أتخالف جدي يا أبا حنيفة؟. قال أبو حنيفة: إن لقول جدك تأويلاً يخرج على الصحة، ولكن محمد بن إسحاق وأصحابه لا يرونك أهلاً للخلافة، لأنهم يبايعونك، ثم يخرجون ويقولون: إن شاء اللَّه، ومعنى هذا على مذهبهم أنه لا بيعة لك في عنقهم على اعتبار أن اللَّه لم يشأ لك الخلافة. فامتلأ المنصور غضبًا، وقال لجلاوزته خذوا هذا مشيرًا إلى محمد بن إسحاق، فجعلوا رداءه في عنقه، وجروه إلى الحبس.
وبهذه المناسبة نشير إلى أنه إذا قال قائل: بعتك هذا إن شاء اللَّه، أو امرأتي طالق إن شاء اللَّه، أو واللَّه لأفعلن كذا إن شاء اللَّه ونحو ذلك، إذا قال مثل هذا ينظر: فإن أراد مجرد التبرك باسم اللَّه تعالى فعليه أن يلتزم بما قال، ويكون بيعه أو يمينه أو طلاقه صحيحًا، لأن الكلام وهذه هي الحال، يكون في حكم المطلق المجرد عن كل قيد، وإن قصد التعليق حقيقة فلا يلزمه شيء، ويكون كلامه وعدمه سواء من حيث الأثر الشرعي، لا لأن التعليق من حيث هو يبطل الشيء المعلق.
بل لأن المعلق عليه، وهو مشيئة اللَّه، من عالم الغيب لا من عالم الشهادة. وتسأل: بأي شيء نعلم أنه أراد التعليق، أو أراد مجرد التبرك باسم اللَّه تعالى؟.
الجواب: نرجع في معرفة ذلك إلى المتكلم نفسه لأن القصد لا يعرف إلا من جهة صاحبه، وعلى القضاء أن يأخذ بقوله.
السيد عباس نور الدين
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ محمد صنقور
الشيخ مرتضى الباشا
عدنان الحاجي
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ محمد علي التسخيري
السيد عبد الحسين دستغيب
د. سيد جاسم العلوي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
فريد عبد الله النمر
أحمد الرويعي
حبيب المعاتيق
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر