
من أين ينطلق الباحث التاريخي؟
الباحث التاريخي كأي باحث آخر، إنما يبحث عن الحقيقة، ويهتم بإبرازها بالحلة التي تليق بها، وكل باحث منصف، إذا واجه أي مشكلة على الصعيد العلمي والعملي، سواء في حقل التاريخ أم في الاعتقاد أم في التفسير أم في أي حقل آخر. فإنه ينطلق لحلها من خلال ما يتوفر لديه من معطيات، يستطيع بواسطتها أن يضع لها الحلول المناسبة التي يرى أنها هي الأقرب إلى الواقع، وهي الأصح، والأكثر ثباتاً أمام النقد.
وليس لدى الباحث التاريخي أية وسائل تختلف عما لدى غيره من الباحثين فكل الوسائل التي يتوسل بها الباحثون في العلوم الإنسانية لإحقاق الحق، وإبطال الباطل، وإبعاد المزيّف، وتنقية الفكرة؛ أية فكرة كانت، كل هذه الوسائل قد يحتاجها الباحث التاريخي.
فقد يحتاج إلى وسائل البحث في علم التفسير، وإلى وسائل البحث في الشؤون الاعتقادية، وإلى وسائل البحث في الجغرافيا، ووسائل البحث في أي علم إنساني، باعتبار أن هدفه الأساس، هو الكشف عن دور وتأثيرات الكائن البشري في الواقع الخارجي.
وهذه التأثيرات تختلف وتتفاوت، فربما تصب في خانة التكوين الاجتماعي، أو التكوين النفسي، أو الرؤية والفهم لواقع وحقيقة إنسان ما، أو مجتمع ما، أو تصب في خانة التحولات والتقلبات الطبيعية التي مرت على أمة من الأمم، أو شعب من الشعوب وتأثرت أو تأثر بها، ومن خلال هذا التأثير تنطلق هي لتمارس سلوكاً، أو لتسجل موقفاً على أساس هذه الخلفية التي نشأت من خلال التأثر بالأحداث.
إذن فليس لنا أن نحدد للباحث التاريخي نقطة للبدء؛ لأن كل النقاط مرشحة لأن تكون هي البداية لمعالجة ما يريد معالجته، ويريد أن يعرف الصحيح من غير الصحيح فيه، فهو إنما ينظر في العناصر المكونة لهذا الحدث، والمؤثرة فيه، والناتجة عنه، ولكل عنصر جذوره في نهج آخر أو في علم آخر أو جو آخر، الأمر الذي يدفع به إلى أن يلاحق هذه الجذور، ويبحث عنها ويكتشفها.
إذن فقد يضطر الباحث التاريخي لأن يمارس دور الباحثين في علوم ومجالات أخرى، حتى بالنسبة لقضية واحدة يواجهها، لأن هذه القضية كما قلت قد ترتبط بالتكوين الفكري وقد ترتبط بالتكوين النفسي، أو الحالات الروحية للإنسان، وقد ترتبط بوضع معين في العلاقات السياسية، أو لها ارتباط في النواحي العقائدية وما إلى ذلك.
عناصر البحث التاريخي
إن عناصر البحث التاريخي لا يمكن تحديدها بجهة معينة فقد يكون المؤثر في الحدث الإنسان نفسه، بسبب دوافع شهوانية أو بسبب طموحات باطلة وقد تنشأ من دوافع غريزية معينة، أو من رؤية خاصة للحياة وللكون، وقد تنشأ من عوامل طبيعية، فلا يمكن أن نقول إذن: إن المفروض بالباحث التاريخي هو أن يقتصر على وسائل محددة في مجالات بحثه، لأنه - وكما قلت - قد يضطر إلى استخدام الوسائل كافة لاكتشاف الحقيقة بكل خصوصياتها وبكل مفرداتها الصغيرة والكبيرة، باعتبار أن هذا الإنسان مؤثر في هذا الكون ومتأثر به أيضاً، ولا ينحصر التأثر في ناحية ما وفي خصوصية بعينها.
العناصر التي يستخدمها الباحث
هذه قضية ترتبط بمدى قدرة الباحث على تشخيص طبيعة المفردات التي يواجهها، والتي تمكنه من التعرف على الوسائل التي تنفع في كشف الحقيقة فيها، ثم العمل على الوصول إليها والحصول عليها.
مثلاً حينما يكون الباحث باحثاً إسلامياً فيعرف أن هناك ثورة حقيقية في عالم المفاهيم، وفي العقائد، وفي بناء الإنسان، حدثت ببعثة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلا بد أن يبحث في كثير من القضايا التي ليس لها خصوصية تاريخية مئة في المئة، إذ إن الإسلام قد جاء ليمارس صناعة الإرادة لهذا الإنسان الذي كثيراً ما يخضع للمتغيرات التي تطرأ على الفكر، وعلى المفاهيم، وعلى الحالات النفسية له، كما أن كثيراً من القضايا قد تكون خاضعة لمتغيرات الطبيعة، فلو حصل زلزال ما في بلد ما؛ فإنه قد يؤثر في البنية الاجتماعية فتنشأ عنه مشكلات إنسانية حين يتسبب بدمار منطقة كبيرة، فلهذا التدمير آثاره على روحية الناس وفي البنية الاجتماعية التي ستنشأ على أنقاضه، كما أن له آثاره في العمل السياسي، وفي الشعارات السياسية التي ربما تتأثر بنتائج الزلزال.
إذن فقد يؤثر هذا الزلزال في كثير من تصرفات المجتمع وفي كثير من توجهاته وحالاته، وربما ينشأ عنه وضع اقتصادي معين، له تأثيره في صنع الحدث، وفي اهتمامات الناس، وفي حركتهم، فلا نستطيع نحن أن نفرض على أي باحث أن يعتمد في بحثه وسيلة بخصوصها، بل ربما يضطر لأن يبحث في كثير من الأمور التي قد نجدها في ظاهر الأمر بعيدة عن القضايا التاريخية مع أن هذه القضايا التاريخية قريبة منها في واقع الأمر، ولها مساس مباشر فيها أحياناً. وهذا أمر طبيعي جداً.
والخلاصة: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحدث تغييراً جذرياً في عالم المفاهيم، والعقائد، وفي البنية الاجتماعية، والسياسية، وفي التركيبة القبلية والعشائرية، والأسرية، وفي كل شيء، فلا بد للباحث التاريخي أن يستفيد من هذا كله، كوسائل لكشف الحقائق، إذ لا يمكنه فصل الحدث عن التحولات التي نشأت، أو التي ربما أثرت في نشوئه، أو أصبحت الحضن الدافئ الذي نشأ وترعرع فيه.
أقسام العلّة
الشيخ محمد جواد مغنية
البحث التاريخي
السيد جعفر مرتضى
معنى (نضد) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
الكلمات في القرآن الكريم
الشيخ جعفر السبحاني
الصورة والفاعلية التواصلية
أثير السادة
لمحات من عالم البرزخ
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
حياتنـا كما يرسمها الدين
السيد علي عباس الموسوي
اتجاهات التفسير في المكي والمدني
الشيخ محمد علي التسخيري
الألفاظ الدالة على الأصوات في القرآن الكريم
الدكتور محمد حسين علي الصغير
كيف تنمو دوافع الخير والكمال في أبنائنا؟
السيد عباس نور الدين
السيّدة المعصومة: ملتقى الجمال والجلال
حسين حسن آل جامع
على غالق
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر