علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
عدنان الحاجي
عن الكاتب :
من المترجمين المتمرسين بالأحساء بدأ الترجمة عام ٢٠١١، مطّلعٌ على ما ينشر بشكل يومي في الدوريات العلمية ومحاضر المؤتمرات العلمية التي تعقد دوريًّا في غير مكان، وهو يعمل دائمًا على ترجمة المفيد منها.

ظهور الشعر الأبيض قد يكون وقاية من الإصابة بالسّرطان

ترجمة عدنان أحمد الحاجي

 

قد يبدو شيب الشعر وسرطان الخلايا الصبغية [الميلانوما وهو شكل من سرطان الجلد (1)] ظاهرتين منفصلتين. لكن وفقًا لدراسة جديدة من جامعة طوكيو، قد تنشأ كلتا الظاهرتين من طريقة استجابة الخلايا الجذعية المنتجة للصبغة (الخلايا الصبغية أو الخلايا الميلانينية (2)) لتضرر الحمض النووي.

 

هذه الخلايا، الموجودة في بصيلات الشعر، وتحت تأثير عوامل سميّة أو مجهدة (داخلية أو خارجية)، قد تؤدي إلى إجهاد جيني سام يُلحق الضرر بالحمض النووي، ما يعرض سلامة الجينوم إلى الضرر (3)، ولهذا لابد لها أن تواجه قرارًا حاسمًا، إما أن يبقى تصبغ الشعر الأصلي، أو يتغير إلى رمادي أو أبيض (في حالة شيب الشعر)، أو إلى الإصابة بورم خبيث (في حالة الورم الميلانيني).

 

وهذا القرار يحدده إمّا تمايز هذه الخلايا (تغيرها إلى خلايا أخرى مختلفة) والتوقف عن الانقسام، وبذلك تفقّد قدرتها على التجدد، ويصبح الشعر رماديًّا أو أبيض، أو الاستمرار في الانقسام وتراكم الطفرات الجينية بمرور الزمن، ويؤدي في النهاية إلى احتمال الإصابة بالورم الميلانيني، وهو ورم خبيث يصيب الخلايا الصباغية (1).

 

طوال الحياة، تتعرض خلايانا باستمرار لعوامل بيئية وداخلية قد تُلحق الضرر بالحمض النووي. وبالرغم من أن هذا الضرر، الذي يُلحق بالحمض النووي، يُسهم في كلّ من الشيخوخة والسرطان، إلا أن العلاقة الدقيقة - وخاصةً طريقة تأثير الخلايا الجذعية المتضررة في صحة الأنسجة على الأمد الطويل - ما تزال غامضة وغير مفهومة تمامًا.

 

الخلايا الجذعية الصباغية (McSCs) (الخلايا الميلانينية (2)) (وهي خلايا جذعية موجودة في الأنسجة، مُنتجة لصبغة الشعر والبشرة في الثّدييات، توجد هذه الخلايا الجذعية في منطقة الانتفاخ bluge وشبه الانتفاخ sub bluge من بصيلات الشعر (4) باعتبارها خلايا صباغية غير ناضجة، تُحافظ على التصبّغ من خلال التجدد الدوري. فهم كيفية تأثير تضرر الحمض النّووي في سلوك الخلايا الجذعية الصباغية يوفر نافذة مهمة على العلاقة الواسعة بين سلامة الخلايا الجذعية، وشيخوخة الأنسجة، وبدء تطور السرطان. قد يكشف تناول هذه الأسئلة بالإجابة عن آليات أساسية تربط شيخوخة الخلايا الجذعية باضطرابات التصبغ وتطور الورم الميلانيني.

 

نُشرت الدراسة (5)، التي قادتها البروفيسور إيمي نيشيمورا Emi Nishimura والأستاذ المساعد ياسواكي موهري Yasuaki Mohri من جامعة طوكيو، في 6 أكتوبر 2025 في مجلة بيولوجيا الخلية التي تصدرها نتشرNature Cell Biology. تتبعت الدراسة السلالات داخل الجسم الحي عبر الزمن (6) وتنميط التعبير الجيني (الناتج من تحليل آلاف الجينات تزامنيًا (7)) في الفئران لدراسة مدى استجابة الخلايا الجذعية الصاباغية (MSCs) لأنواع مختلفة من تضرر أو تلف الحمض النووي (8). تعرّف الفريق على استجابة محددة لتشظي شريطي الحمض النووي المزدوجين (9، 10): التمايز المقترن بالهرم الخليوي (seno-differentiation) (11)، وهي عملية تتمايز فيها الخلايا الجذعية الصباغية بشكل لا رجعة فيه (أي تتغير بشكل نهائي إلى خلايا أخرى مختلفة) ثم تُسنزف، مما يؤدي إلى شيب الشعر. 

 

تُنظم هذه العملية من خلال تنشيط مسار تشويرات بروتيني p53-p21. تنشيط هذا المسار يعني أن نظام الاستجابة لتلف الحمض النووي للخلية قد تم تفعيله. يكتشف بروتين p53 التلف في الـ DNA وينشط إنتاج بروتين p21، ويعملان معًا على إيقاف انقسام الخلايا للوقاية من انتشار الطفرات الجينية، وبالتالي يمنع تطور السرطان.

 

تقول نيشيمورا: "تكشف هذه النتائج أن مجموعة الخلايا الجذعية نفسها قد تتبع مصائر معاكسة - الإجهاد أو الانتشار - بناءً على نوع الإجهاد وإشارات البيئة الدقيقة". وتضيف: "هذه العملية تعيد صياغة شيب الشعر وسرطان الجلد ليس باعتبارهما حدثين منفصلين، بل نتائج متباينة لاستجابات إجهاد الخلايا الجذعية".

 

ومن المهم أن هذه الدراسة لا تشير إلى أن شيب الشعر يقي من السرطان، بل تشير إلى أن التمايز (الشيخوخة الخليوية) يمثل مسارًا وقائيًّا ناتجًا عن الإجهاد، ويعمل على إزالة الخلايا الضارة. وبالعكس من ذلك، عند تجاوز هذه الآلية، قد يؤدي استمرار تلف الخلايا الجذعية الصباغية McSCs إلى الاستعداد لتطور السرطان الميلانيني.

 

وبالتعرف على الدارات الجزيئية التي تحكم هذا الانقسام المصيري، تقدم الدراسة إطارًا مفاهيميًّا يربط بين شيخوخة الأنسجة وبين تطور السرطان، وتسلط الضوء على الدور المفيد للقضاء على الخلايا الجذعية الضارة الممكنة من خلال "الشيخوخة الخليوية" الطبيعية، مما يؤدي إلى ظهور نمط ظاهري يحمي من السرطان.

 

الأضرار السُمّيّة للجينات تؤدي إلى نتائج مُتباينة في الخلايا الجذعية الصباغية (McSCs)، وذلك تبعًا لطبيعة وشدة الإجهاد. عند التعرّض للسّموم الجينية السّامة للخلايا، مثل الأشعة السينية، يختل التجدد الذاتي للخلايا الجذعيّة الصباغية، مما يؤدي إلى استنزافها وبالتالي إلى شيب الشعر. أما في حالة التوازن الداخلي، فتحافظ الخلايا الجذعية الصباغية على تجددها الذاتي. من ناحية أخرى، تُعزز السموم الجينية المسرطنة تشويرات مستقبل السيتوكين KIT وتعطّل عملية أيض حمض الأراكيدونيك، مما يُهيئ ظروفًا تُساعد على ظهور نُسخ مسببة للورم الميلانيني وتطور هذا الورم الخبيث لاحقًا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- https://ar.wikipedia.org/wiki/ورم_ميلانيني

2- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/خلية_ميلانينية

3- https://onlinelibrary.wiley.com/doi/abs/10.1002/bies.202000311

4- https://ar.wikipedia.org/wiki/جريب_الشعرة

5- https://idp.nature.com/authorize?response_type=cookie&client_id=grover&redirect_uri=https://www.nature.com/articles/s41556-025-01769-9

6- تتبع السلالات داخل الجسم الحي term in vivo lineage tracing يعد المعيار الأمثل لتحديد ودراسة مصير الخلايا الجذعية في مختلف الأعضاء عبر الزمن. في تجربة تتبع السلالات التقليدية، تُوسم الخلايا للسماح بتتبع مصير سلالاتها عبر الزمن. كما أنها تعتبر تقنية بيولوجية تتبع خلايا معينة أو مجموعة خلايا وكيفية تطورها وتضاعفها داخل كائن حي. تعتمد هذه التقنية على تحديد ووسم الخلايا باستخدام أدوات مثل الجينات المعدلة أو مؤشرات الفلورسنت، وتُستدخدم لدراسة تكوِّن الأنسجة، والتئام الجروح، وتطور الأورام السرطانية". ترجمناه بتصرف من نص ورد على هذا العنوان: https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC7408291/

7- https://ar.wikipedia.org/wiki/تنميط_التعبير_الجيني

8- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/تلف_الحمض_النووي

9- http://https://www.sciencedirect.com/topics/biochemistry-genetics-and-molecular-biology/double-stranded-dna-break

10- http://https://en.wikipedia.org/wiki/Double-strand_break_repair_model

11- https://ar.wikipedia.org/wiki/هرم_(فيزيولوجيا)

المصدر الرئيس

https://www.ims.u-tokyo.ac.jp/imsut/en/about/press/page_00079.html

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد